لا يستقيم الحديث عن المشهد الثقافي الإماراتي، إلا بذكر مسيرة الكاتب والأديب عبد الغفار حسين، وبصمته الواضحة في هذا المشهد وحضوره اللافت فيه، مسيرة ممتدة منذ عقود من الزمن حافلة بالإبداع والبحث والمتابعة مشكلة مرجعية لا غنى عنها ساعة مراجعة تاريخ منطقة الخليج العربي، فصوت عبد الغفار حسين مسموع في كل المحافل والمجالس وجعبته محشوة بفصول عرفتها وعاشتها، وعاصر الأديب جلها، ولاتزال ذاكرته الغضة تغدق على الأجيال المتعاقبة بفصول حكاية وطن لم توضع نقطة النهاية فيها بعد.
النشأة
ولد عبدالغفار حسين عام 1935م بمدينة دبي وبدأ دراسته بالكتاتيب، ثم التحق بالمدرسة الأحمدية، وتلقى على مدرسيها »المطاوعة« علوم العربية وشيئاً من الحساب والعلوم الدينية، لكن ذلك التعليم لم يشف غليله وحبه للتعليم، فلقد كان شغوفاً بالمعرفة والاطلاع، ومنذ نعومة أظفاره حرص على قراءة الكتب في الأدب والتاريخ والسير من كتابات الكتاب الكبار في العالم، وقرأ شعر الأقدمين والمحدثين، وحفظ الكثير منه، وتعلم اللغة الإنجليزية وأجادها، فقرأ ما كتب فيها عن الثقافة العالمية والعربية.
واطلع على التقارير التي كتبت عن المنطقة، بينما بدأ حياته العملية صغيراً، معاوناً لوالده الذي كان يعمل في التجارة بين دبي وسلطنة عمان، في مسقط وساحل الباطنة. وكذلك في نقل الركاب بين دبي ومسقط في شاحنة كبيرة.
بلدية دبي
وعند تأسيس بلدية دبي عام 1957 التحق بها بوظيفة صغيرة. لكن نباهته واطلاعه ساعداه على التدرج في العمل في مناصب عدة. وأصبح سكرتيراً للمجلس البلدي. وكاتب لمضابطه مما أعانه على التعبير والكتابة وأخذ الدربة الكافية في ذلك. وأصدر بالتعاون مع كمال حمزة مدير البلدية كتاباً اسمه »مرشد بلدية دبي« عام 1963.
أخذ يتدرج في العمل حتى أصبح نائباً لمدير البلدية بدرجة مدير، ومثل البلدية في عدة مؤتمرات وندوات عالمية وعربية.
والتحق بدورات تدريبية في نظام الحكم المحلي في كل من مصر وبريطانيا، واستمر في العمل الرسمي لمدة 22 عاماً، حيث استقال في سبتمبر 1979 ليتفرغ للعمل في التجارة والصناعة، ولقد شارك في اللجان التمهيدية لقيام الاتحاد، أثناء مداولات تشكيل الاتحاد التساعي في لجنة البلدية والأراضي والأملاك والإعلام.
الحقل الثقافي
انطلاقاً من قراءاته المبكرة ومعارفه وحبه للاطلاع، ساهم عبد الغفار حسين في عام 1963 بتأسيس أول مكتبة عامة، ومتحف دبي »الفهيدي«، وفي عام 1965 شارك في تأسيس مجلة »أخبار دبي«. وكان من أوائل كتّابها. وبعد قيام الدولة شارك في تأسيس »المجمع الثقافي«، المؤسسة الثقافية الأهلية بدبي. وساهم في الكتابة في مجلة »المجمع«.
وتولى رئاسة اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات في أكثر من دورة، وشارك في تأسيس جائزة العويس الثقافية التي تولى رئاسة مجلس أمنائها. وبعد أن استقال من الاتحاد عرض على المرحوم العويس إعفاءه من الجائزة أو نقل الإشراف عليها من الاتحاد، فتم تأسيس مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية للإشراف على الجائزة، واستمر في رئاسة مجلس الأمناء لمدة ستة عشر عاماً.
وعند تأسيس ندوة الثقافة والعلوم، كان أحد الأعضاء المؤسسين وعضواً بأول مجلس إدارة بعد التأسيس. كما يعد مؤسس جمعية حقوق الإنسان التي رأسها من 2006 حتى عام 2014.
انشغالات أدبية
يعتبر عبدالغفار حسين أول من اهتم بإبراز ثقافة الإمارات ومبدعيها، فقد بدأ كتابة السير والتراجم لرجالات الإمارات، وكتب عن الشيخ عبدالرحمن حافظ الأنصاري والشيخ مبارك بن علي الشامسي والشاعر مبارك العقيلي والأديب الكويتي عبدالله الصانع والأديب أحمد بن سلطان بن سليم والشاعر ابن ظاهر والشاعر سالم بن علي العويس.
كتابات صحافية
ولقد كانت له كتابات في الصحافة اهتمت بالمكان الذي ينتمي إليه وماضيه وحاضره، مثلما اهتمت بإبداعات أبنائه، فكتب عن المدن والإنسان في العديد من الصحف والمجلات من بينها »أخبار دبي«، و مجلة »الأهلي«، و»المجمع«، وجريدة »الخليج«، وهناك كتابات ومقالات عديدة في الأدب والثقافة، وكانت له زاوية في جريدة »الخليج« في رمضان بعنوان »كشاكيل ملونة« في الأدب والتاريخ والنقد والتراث وذلك منذ عام 2000 حتى 2013.
عبدالغفار الناقد
حب عبد الغفار حسين للقراءة والاطلاع أكسبه ملكة التقويم والنقد، فهو لا يسلم بكل ما يكتب بل يقرأ قراءة نقدية بعيدة عن المجاملة، وقد أصدر ما نشره بالصحف من قراءات في كتاب صدر عام 2000 الجزء الأول منه، وهناك طبعة ثانية ستضم ما لم يتضمنه الجزء الأول. وشملت القراءات كتب كل من د. عائشة السيار »دولة اليعاربة«، ود. عبدالله عمران »نظرة في تأسيس الإمارات العربية 1950 1985«، وعيسى صالح القرق »ينابيع الذاكرة«، محمد عبدالجليل الفهيم »من المحل إلى الغنى«، د. حسين غباش »عمان الديمقراطية الإسلامية«، د. نورة القاسمي »الوجود الهندي في الخليج العربي«، د. يوسف الحسن »دولة الرعاية في دولة الإمارات العربية المتحدة«، د. عبدالخالق عبدالله »النظام الإقليمي الخليجي«، إبراهيم أبو ملحة »الشيخ محمد نور رائد التعليم في الإمارات وكتابات أخرى«، أحمد محمد عبيد في كتبه »أدباء في الجاهلية وصدر الإسلام - الخليج العربي في العصر الجاهلي مشكلات مجتمع الإمارات في كتب محمد المر«، كما له قراءة في كتابي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي »رؤيتي«، و»ومضات من فكر«.
عبدالغفار والتكريم
استطاع عبدالغفار حسين بشخصيته المعطاءة ثقافياً وإبداعياً، ومن دون الحصول على الشهادات الأكاديمية، أن يبرز الآخرين، ويقرأ ويطّلع بلغات عدة، ويسهم في الحياة العامة بنجاح في العمل الإداري الحكومي، والعمل الاقتصادي والتجاري الخاص من خلال امتلاكه وإدارته لمجموعة من المؤسسات الصناعية والتجارية.
إضافة إلى إدارته بكفاءة لمؤسسة ثقافية مثل اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، ومؤسسة العويس الثقافية. ومؤسسة اجتماعية مثل جمعية حقوق الإنسان، أي أن الحديث هنا يدور حول شخصية تستحق التقدير والاحترام.
ولذا فإن مناسبات التكريم التي حصل عليه لا تعد، ومن بينها إنابة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي له لإزاحة الستار عن اللوحة التذكارية لتدشين مشروع الورقاء للفلل السكنية بوصفه من قدامى مؤسسي وموظفي بلدية دبي عام 2007، وفي عام2011 منحه وشاح محمد بن راشد آل مكتوم: حيث منحه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وشاحاً بوصفه شخصية وطنية، وفي عام 2008 تكريمه مع أعضاء مجلس أمناء مؤسسة العويس الثقافية، وفي عام 1998 حصل على جائزة شخصية العام الثقافية ضمن جائزة العويس التي تنظمها ندوة الثقافة والعلوم، وفي عام2007 حصل على جائزة مؤسسة تريم عمران التقديرية للرواد في المجال الثقافي، وجائزة جمعية الصحافيين بوصفه مؤسساً لمجلة »المجمع«.
عبدالغفار المؤلف
لم يتوقف عبدالغفار حسين عند كتابة المقالات بالصحف والدوريات والمجلات، بل مارس التأليف أيضاً، فأصدر عدداً من الكتب منها »قراءة في كتب من الإمارات«، 2000، و»هموم وطنية«، 2000، و»تريم عمران لمحات من حياته«، 2000، و»سلطان العويس، الجائزة والشعر«، 2003، و»الصورة الإبداعية في شعر سلطان العويس« 2012، و»البردة المباركة ونهجها«، طبعة ثانية - 2012، و»أنغام من الوجدان« (مختارات شعرية) - 2012، و»الإمارات المتصالحة«. وهذه الكتب تدل على عمق التفكير وصدق العاطفة والواقعية في الحديث.
حيث إنه لا يجامل، صراحته واضحة في حديثه وكتاباته، ويذكر كل القضايا التي يعتقد صحتها. حتى لو أدى ذلك إلى خشية من زعل الآخرين، لكنه يؤكد دائماً أن أمام العلم والحقائق لا يمكن المكابرة.



