«أيام الشارقة التراثية» حدث ثقافي يوثق حضارة الدولة
عروض الرقصات الشعبية التي يشارك فيها الجميع بحماس و اعجاب وام
يعد مهرجان أيام الشارقة التراثية حدثا ثقافيا بارزا يسهم في التعريف بتاريخ وحضارة دولة الإمارات العربية المتحدة وتراثها العريق الذي يشكل رصيدا ثقافيا وحضاريا يبعث على الاعتزاز والفخر..
ويعد المهرجان الذي يقام تحت رعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة إحدى أهم الفعاليات الثقافية التي تقام في دولة الإمارات سنويا نظرا لكونه من أكبر التظاهرات الثقافية والاجتماعية في الدولة ووسيلة جذب سياحي تحظى باهتمام المواطنين والزوار من مختلف الجنسيات الخليجية والعربية والأجنبية، كما أصبح المهرجان يحظى بمكانة متميزة كونه حدثا ثقافيا بارزا.
وتعود فكرة إقامة المهرجان إلى توجيهات صاحب السمو حاكم الشارقة من منطلق حرص سموه على ترسيخ العادات والتقاليد الإماراتية والمحافظة عليها وتعريف الجيل الجديد بالكثير من العادات ومظاهر الحياة الاجتماعية للآباء والأجداد لتكون باعثا وحافزا لهم على مزيد من الإبداع ، يشكل حافزا ودافعا قويا لجميع القائمين على قطاع التراث والثقافة في الإمارات لبذل المزيد من الجهد من أجل الحفاظ على تراث الدولة العريق وإظهاره أمام الأجيال القادمة ليعكس ما تتمتع به دولة الإمارات من مكانة ثقافية وحضارية.
تتويج
وأقيم مهرجان التراث لهذا العام تحت عنوان "التراث الإسلامي خيمة واحدة" وذلك بالتزامن مع احتفال مدينة الشارقة بتتويجها عاصمة الثقافة الإسلامية، وشهد المهرجان بدورته الحالية إقبالا كبيرا لما لهذا الموضوع من ارتباط اجتماعي بحياة الإنسان المسلم بشكل عام والإماراتي بشكل خاص.
وتشمل فعاليات هذا المهرجان عروضا ومسابقات تراثية وأسواقا للأطباق الإماراتية التراثية وأسواقا حرفية وعروضا تراثية بحرية وقسما للألعاب الشعبية وركوب الخيل والجمال وغير ذلك الكثير.
القرية التراثية
وتميز "مهرجان التراث بالشارقة" لهذا العام بتضمنه عدة فعاليات من بينها عروض القرية الإماراتية والتي تختزل بيئات الحياة بصورها المتعددة فبمجرد دخولها تقدم لك الضيافة بالقهوة الشعبية وتفوح منها روائح الشاي سواء بالزعتر أو الزنجبيل أو الحليب فتسترخي قليلا قبل البدء بتفقد الزوايا الأخرى..
وتجلس بجوار القهوة مجموعة من النسوة يقدمن للزوار ما لذ وطاب من المأكولات الشعبية كالهريس والعصيد وخبز الخميرة واللقيمات وتحتفظ هذه النسوة بالطريقة القديمة المعمول بها في الطهي لتعطي مذاقا خاصا للمأكولات المقدمة.
أيام الشارقة التراثية" استحضار التراث عبر مخاطبة حاسة الذوق من خلال المطبخ الشعبي الذي يقدم أكلات وحلويات تراثية يتم تحضيرها وإعدادها في المكان نفسه، فزائر المهرجان يشده مشهد عدد كبير من النسوة اللواتي يفترش بعضهن الأرض وهن في اللباس التقليدي عاكفات على تحضير أطباق شعبية وشرح طريقة الإعداد أمام الزوار، وتوضح إحداهن طريقة تحضير صنف من المعجنات اسمه "المحلى" قائلة: "يعجن الطحين مع السكر والزعفران والبيض ونتركه ساعة وبعد الساعة نخبزه، وعملية الخبز تكون على تنور معدني يشتعل تحته الحطب".
وبجوار "القرية الإماراتية" يوجد نموذج لحياة أهل الجبال، وتحوي بيوتا حجرية للصيف والشتاء وزرائب ويازرة وحقل القمح والصفة "البيت الصيفي" والقفل "البيت الشتوي" وبجوارهما تم بناء الزريبة للغنم والدجاج وغرفة الرحى لطحن الحبوب.
بينما يأتي بعد ذلك الوعب "حقل القمح الصغير" ثم تبين وسائل العرض الحية أمام الجمهور الكيفية التي اعتمدها أهالي الجبال ليصل القمح إلى مخازنهم حيث ينقل بعد حصاده لفصل حباته عن القش عن طريق الدق بالعصي ومنها إلى حجر الرحى ليطحن من أجل الخبز أو صناعة الهريس.
وبالقرب من بيت القفل أقيمت يازرة كبيرة عرفها أهل الجبال وروت عطشهم وحقول قمحهم وهي آلة خشبية هائلة تنصب فوق بئر عميقة صنعت من جذوع النخيل والحبال التي ينظم حركتها المنيور ودلوها مصنوع من جلد الغنم وحبالها من الليف واستخدمت منذ مئات السنين ولا تزال تعمل في بعض مزارع رأس الخيمة.
عروض الصقور
وزائر أرض المهرجان يجد أمامه عروض الصقور إذ لا تزال من أهم الرياضات الإماراتية القديمة فهي تمثل روح البداوة وروح الإنسان الإماراتي الذي ولد وترعرع في صحراء البادية التي تتسم بروح الجلد والمثابرة والتركيز ولا تقل هذه الرياضة أهمية عن باقي الرياضات التراثية الأخرى، وللألعاب الشعبية وجود حي في أرض المهرجان وهي الألعاب التقليدية التي كانت تزاول في الماضي وفيها نرى روح البساطة والمثابرة للوصول للهدف والنجاح ومنها: لعبة "التبة" ولعبة "الخشاش يطيح والبسر يتعلق" وهي ألعاب كان يلعبها الفتيان والفتيات على اختلاف أعمارهم.
أهازيج
وتصدح في أرض المهرجان الأصوات والأهازيج والأغاني الشعبية حيث تقدم الفرق الشعبية المحلية يوميا العديد من الأغاني الشعبية المعبرة وخاصة الفرق التي لها باع طويل في هذا المجال التي تطرب زوار المهرجان بالأغاني والرقصات الشعبية التي يشارك فيها مجموعة من الرجال والنسوة في رقصات تعبيرية جميلة تنال استحسان الحضور الذين ما إن يسمعوا هذه الأغاني إلا ويكونون من ضمن المستمعين لمثل هذه الأغاني والرقصات التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من فعاليات المهرجان .
المهرجان يعمق التواصل بين الماضي والحاضر
تلفت الرقصات الشعبية نظر الزائر إذ يشارك فيها العديد من أبناء الوطن ومنها: رقـصة الحربيـة والعيـالة للرجـال والنعـاشات للنساء. والمهرجان يساهم في توارث المهن والصناعات الحرفية ويعمق التواصل بين الماضي والحاضر فما من حرفة إلا ولها صانع ماهر هكذا يبدو الاهتمام بتنمية الصناعات الحرفية سواء من قبل أصحاب المهنة أنفسهم أو من جانب المهرجان الذي أنيط إليه مهمة تقديم الدعم والرعاية اللازمة للحرف والحرفيين معا، بل إن الحرف نفسها جاءت مع الاهتمام الذي يوليه الإنسان ببيئته المحيطة من تسخير للإمكانيات المتاحة والاستفادة من المواد الخام كتلك المتعلقة بالصناعات السعفية.
ويقول محمد النعيمي: الإنسان وعمته النخلة هما صنفان للحياة المتجددة لم يفترقا يوما ما وكل منهما مكمل للآخر فزاد اهتمام الإنسان بالنخلة قديما حيث مدته بالغذاء والكساء ومصدر الرزق الوفير..
كذلك بالنسبة لحرف الغزل والنسيج هي أيضا من واقع الحياة اليومية حين ارتبط الإنسان بالثروة الحيوانية من الأغنام والماعز على وجه التحديد فأمدته بأشكال متنوعة من وبرها وصوفها ليصنع منها كساء ووقاء من البرد والحر وسائر الاستخدامات الأخرى التي وإن قيل إن الحاجة إليها أوشكت على النهاية إلا أن الواقع يشير إلى أن مثل هذه الصناعات الحرفية لا بد أن تتجدد مع تطور حياة الإنسان ومعاصرته لمجريات الصناعات الحديثة.
حرف
ويمكن الاستمتاع بمشاهدة الحرف والصناعات اليدوية التي كانت منتشرة في الماضي ويأتي التركيز على إحيائها ليتعرف العالم على العمل الشاق الذي كان يقوم به الأجداد والآباء في الماضي والذي كان يتطلب قدرا كبيرا من الجلد والدقة والتركيز بهدف توفير الحاجات البسيطة للأسرة.
وتم إشراك عدد كبير من الحرف والفنون الشعبية في الإمارات في هذا المهرجان من أجل الحفاظ على هذا النوع من التراث وحظي هذا المهرجان بإقبال جماهيري كبير من المقيمين والسياح الأجانب.
توثيق
لا يهدف مهرجان التراث الذي يترقبه المواطنون الإماراتيون سنويا فقط إلى عرض مظاهر من الحياة القديمة فحسب وإنما إلى توثيق هذه المظاهر ودعوة للاستفادة من تجارب الماضي ونقل هذه التجارب إلى الحاضر لتكون حافزا ودافعا للمواطنين على الإبداع والإنتاج والاستفادة من إرث حضارة الدولة التي تعتبر من أقدم حضارات العالم وشكلت على مر العصور ظاهرة إنسانية متميزة ورسالة إبداع متفردة.
