لماذا أطلق الفنان التشكيلي اللبناني أحمد الحاج عنوان «سكون» على معرض ضم نحو 59 لوحة فنية، اعترفت بعضها بالواقعية عبر «البورتريه»، واكتفت أخريات بالتجرد وصولاً إلى فضاء الموسيقى الفاضح للضجيج الداخلي، والنازح إلى الصمت، متعلقاً بعيون النساء التي يعتبرها أحمد أقوى الحواس البشرية في بحثها عن الوجود، وبين تلك المتناقضات، يزعم أحمد أن المساحة الإبداعية الوحيدة على وجه اللاوعي، بعيداً عن العقل، تتجسد في السكون إلى ملاذ الموسيقى الطربية التي رافقته طوال الوقت، وتحديداً على إيقاعات الفنانة القديرة أم كلثوم، كاشفاً من خلالها أسرار المشاهير فنياً، ومتكتماً على تفاصيل 300 لوحة مخبأة، منذ خط علاقته الأولى مع اللوحة والألوان، وقائلاً عبر لوحة فنية، تعمد فيها رسم الخط العربي، لا كتابته، كما أوضح في حواره لـ «البيان»، وهي قصيدة للشاعر إبراهيم ناجي غنتها كوكب الشرق: «أَعْطِنِي حُرِّيَّتِي أَطْلِقْ يَدَيَّا .. إِنَّنِي أَعْطَيْتُ مَا سْتَبْقَيْتُ شَيَّا».
من يعزف؟
«مارلين مونرو» و«عبدالحليم حافظ» و«آينشتاين» و«فيروز» وغيرهم من مشاهير الموسيقى والسينما والعلوم في العالم العربي والعالم، شهدوا الانطلاقة الرسمية لأول معرض خاص لأحمد الحاج في مدينة دبي في صالة «موشا غاليري». يعترف أحمد أن هناك فعلاً للموسيقى في كل لوحة، وخطيئتها المكرسة بإنتاج التمرد على الوصف المباشر، والانزواء في غور الإنسانية الصماء، بينما الباحثون في الموسيقى لا يزالون يبحثون في تأصيل منبع الفعل الموسيقي.
كما البرفسور بات باتيسون أستاذ في كلية بيركلي للموسيقى الذي يرى من «الإيقاع» مصدر الفعل الموسيقي، بل محرك الاسم والصفة فيه، مؤكداً أن تداول مفهوم الموسيقى بوصفه «اللغة العالمية»، يأتي من اعتبارها تمتلك اسماً وفعلاً يفهمهما الجميع، والأخير محاولة فلسفية لفهم التعاطي الاجتماعي بين أحمد الفنان والموسيقى، باعتبارها كائناً ينتج فناً.
«العين» موضوعاً
كل زوار المعرض ينتشون من لون اللوحات على شرف شكل «العيون» التي اتخذت موضوعاً رئيساً في إعادة اكتشاف أحمد لذاته وشغفه، والحضور الأكبر لثيمة العيون في اللوحات، كما يرى أحمد، هي الحميمية التي جمعته مع أخوته الذين عانوا مشكلات في النظر، بسبب إشكاليات بيولوجية، قائل «كانوا يتعايشون مع الأشياء من حولي، أردت أن أجسّد تلك العفوية في تلاقيهم مع عالم الأشياء المرئية، رغم تحديات قدرتهم على مشاهدتها بشكل كامل».
واستمر البحث في سر تلك العلاقة بين أحمد واللوحات، لكن هل للبنان إسقاطات سياسية في بحثه الفني؟ يجيب أحمد بهدوء «لا أملك تلفزيوناً في مقر إقامتي، الإنترنت مصدر بحثي المعلوماتي، وفعلياً أحرص على الابتعاد عن تلك الموجة الإعلامية».
الواقع في زمن التجريد
يستشف أحمد من الفنانين مايكل أنجلو وسلفادور دالي عتق اللوحة الفنية، وصولاً إلى تأثره بالفنان الهولندي يوهانِس فيرمير الذي أرجعنا إلى مناقشة المطالبات بعودة الفن الواقعي، موضحاً أحمد أنه لم يعتمد على مدرسة واحدة في إنتاج معرضه، بل أكثر من ذلك، طبقاً لرسالة اللوحة، وأشكال البوح فيها، واتخذ أحمد من لوحة للفنانة غريس كيلي نموذجاً في حالة العشق المتناهية، أثناء رسمه الوحة التي ظلت معه ما يقارب السنتين قبل خروجها إلى العالم.
وخاصة ما يمكن ملامسته في خطوط شعر الشخصية، وعيونها القريبة من الحقيقية، مؤسسةً تلك الحالة لصعوبة «تسعير» اللوحة، لدى أحمد، قائل «أحياناً أضع أسعار عالية، دون أن أدري، وذلك لما أحسبه امتداداً لقيمة علاقتي باللوحة، ووجود معنيين بالسوق الفني مطلب مهم وضروري للاستمرار في المجال».
تنقل
يؤثر الانتقال بين البلدان في إثراء مخيلة الرسام، وكذلك إيقاع مدينة دبي التي وصفها الفنان أحمد الحاج، بأنها الأكثر إغراءً لاستقطاب الفنانين، لما لها من اهتمام خاص في المجال، أن تضفي أسلوباً جديداً في إبداعه، مرجحاً أحمد أن إمكانية ذلك مطروحة، ففي سفره إلى أستراليا مثلاً، استطاع أحمد أن يبدع إحدى لوحاته عن الثقافة الهندية وتحولاتها.

