جولانتا تذهل الجمهور ببراعتها وأريج تحمل عبء النص

مونودراما في «نساء مدانات» وسرد في «عشيات حلم»

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

بات الجمهور وضيوف الدورة السادسة من مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، على موعد مع احتفاليتهم الخاصة في المقهى الشعبي الكائن خلف مسرح جمعية دبا، ليتواصل الجميع بمودة قبل بدء العرضين المسرحيين في اليوم الخامس من المهرجان. لتدور نقاشات هنا وهناك بين الفنانين والحاضرين من الكبار والشباب والأطفال على حد سواء.

استقبلت أريج الجبور ممثلة دور الغجرية في العرض الأردني الأول "عشيات حلم ـ نقوش حورانية" للمؤلف مفلح العدوان والمخرج فراس المصري، الجمهور لدى دخوله القاعة بالبخور والتراتيل الشعرية لتتوجه إلى خشبة المسرح بعد امتلاء الصالة.

حجر الرحى

بدأت الحكاية بتدوير الغجرية لحجر الرحى وجرش الزمن على أصداء أغنية تحكي وجعها في الانتظار، لتسرد عبر نص بلغة شعرية ألم انتظارها الروحي للشاعر الأردني الراحل "عرار" (1899 ـ 1949)، ليتعرف الجمهور من خلال روايتها السردية على حال الأرض التي أصابها القحط بعد غيابه في السجون لأشعاره السابقة لعصره التي نادت بالعدالة الإنسانية والحرية، وهي التي تناجي عودته مثل غيرها لـ"يمسح البؤس عن بلور أرواحنا" وتبكي شبابها في الزمن الضائع بفرحة أشعاره وغيابه عبر "برزخ بين الفرحة والشقة".

وتتابع سرد حكايتها الشعرية وهي ترمي وتمزق قصائده حيناً، وحيناً آخر تغربل بغربالها غبار الزمن، لتجول في خشبة المسرح ضمن حلقة مفرغة.

ورغم براعة الممثلة في فن إلقاء نص شعري طويل يحمل جماليات اللغة الفصحى، محور المونودراما التي تعتمد على تقديم لغة بصرية في الأداء والإخراج تُجسد عبر الفعل والتخيل حكايتها، لم يتمكن العرض بإيقاعه الزمني الواحد من الاستئثار بالجمهور باستثناء ذواقة الشعر.

نساء مدانات

من جهة أخرى جسد العرض الأسترالي الثاني "نساء مدانات ـ منفى مدى الحياة" للمؤلفة والممثلة جولانتا جوزكيويتش بالتعاون مع المخرج أناتولي فروزين على خشبة مسرح بيت المونودراما، محور ومقومات هذا الفن الذي يعتمد على أداء الممثل ولغته البصرية في زمن متخيل.

تجسد جولانتا بلغة الجسد حكايات من ذاكرة 25 ألف امرأة أدينت في بريطانيا بتهمة السرقة والدعارة وغيرها، لنستمع إلى أصوات تلك النساء اللواتي حطمهن الجوع والحاجة لإطعام أولادهن وإيوائهن من البرد. وتأخذنا الممثلة عبر حكايات تلك الشخصيات في رحلة بين عام 1788 و1850، والعذابات التي عشنها بالافتراق عن أطفالهن بعد إصدار أحكام نفيهن إلى المستعمرات الاسترالية لبدء حياة جديدة.

رحلة المنفى

من خلال تأرجح الممثلة يركب الجمهور معها السفينة في رحلة شاقة مع الجوع والبرد، ليحط الرحال في البلد الجديد ليتابع مع الشخصيات التي قدمتها مصيرهن وشبح الموت بلغة تعبيرية وجسدية أذهلت الجمهور، الذي تابع كل حركة وسكنة من مشاهد عايشها بجوارحه خلال بيع تلك النساء ليعشن في واقع أكثر مرارة وبؤساً من حياتهن السابقة.

وبانتهاء العرض وقف الجمهور وصفق طويلاً وبحماس لتلك الممثلة والمخرج اللذيّن قدما لهم رحلة أمتعت الروح وأغنت الفكر.

أزمنة وشخصيات

تميزت جولانتا ببراعة أدواتها كممثلة لتقوم من خلال الجسد بتصوير عدة أزمنة استغرق مدة الرحلة البالغة ستة أشهر، عبر حالات إنسانية لشخصيات متعددة مستعينة بإكسسوارات بسيطة كالحبل والقبعة وقطعة من القماش وكرسي صغير لتستخدم كل منها كرمز في المشاهد، كما أذهل الجمهور براعتها الفائقة في التعبير الجسدي، بين مشهد قدمته وهي مستلقية على خشبة المسرح كالمحتضرة لتلقي كلماتها وهي ترفع جذعها قبالة الجمهور بنصف زاوية قائمة لتتابع سردها، والمشهد الذي تعكس فيه عذاباً مختلفاً بالسجود لتحرك عضلات كتفيها على إيقاع الموسيقى.

كما تابع الجمهور تعابير ملامح وجهها مع كل سكنة ونأمة على الرغم من حاجز اللغة.

 

ندوات تطبيقية

 

أدار الندوة التطبيقية الأولى الخاصة بعرض "عشيات حلم" الباحث المسرحي الدكتور عبدالحليم المسعودي بحضور مخرج العمل فراس المصري والمؤلف مفلح عدوان. وتمحور النقاش حول أهمية تراكم الخبرة المسرحية لدى الراغبين قبل دخولهم في تجربة المونودراما، التي تعتمد على الفعل الدرامي البصري الذي يستفز مخيلة الجمهور بعيداً عن مفهوم الحكواتي في السرد.

ولا يمكن تبرير الاحتفال بمكانة وقيمة فكر وإبداع الشاعر عرار على حساب الفعل الدرامي وتحميل الممثلة نصا خطابيا طيلة العرض، والذي كان أداءً أفقياً كرشق المطر ليغيب معه التلوين في تونات بالصوت.

وحرص المشاركون في الندوة التطبيقية الثانية "نساء مدانات ـ منفى مدى الحياة" التي أدارتها الممثلة المغربية لطيفة أحرار بحضور المخرج أناتولي فروزين والممثلة جولانتا جوزكيويتش، على التعبير عن إعجابهم بجماليات وقيمة العرض والحلول الدرامية، وبراعة الممثلة في التعبير بالملامح والجسد والصوت.

وأجمع الحضور على تكامل العرض المسرحي بين الاختزال الصعب وسهولة التفاعل مع الحكاية التي فتحت آفاق المخيلة بين البحر واليابسة والسجن والشاطئ والحيز الضيق للسجينات في عالم رحب.

 

شغف لحضور العروض

 

تواظب الطالبة سارة أحمد اللاغشي وابن أخيها الطفل أحمد عبيد اللاغشي من سكان دبا على حضور عروض الدورة السادسة من مهرجان الفجيرة الدولي، أسوة بالدورات السابقة. وتحرص على التقاط صور الممثلين الذين تلتقي بهم قبل العروض.

وقالت سارة في الصف التاسع "أحب التمثيل وأشارك في المسرحيات المدرسية. أما أجمل العروض التي شاهدتها حتى الآن فهو مسرحية "البحث عن عزيزة سليمان" أحببت القصة المؤثرة.

أما عن هواياتي الأخرى فهي ركوب الخيل". أما أحمد فقال، "أحب التمثيل كثيراً ومثل سارة أحببت قصة عزيزة ونجمة. كما أحب كرة القدم والسيارات السريعة".

وقد حظيت عروض مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما بمتابعة واسعة من مختلف الشرائح، والفئات العمرية، التي جذبها هذا النوع من فنون المسرح المتميزة.

 

خبراء يناقشون هموم وواقع المسرح في العالم واتجاهاته الجديدة

شارك في الندوة الرئيسة التي أقيمت ظهيرة اليوم السادس من المهرجان، والتي حملت عنوان «ما تبقى من المسرح: حقائق واتجاهات جديدة»، وأدارها الممثل الدكتور حبيب غلوم، ستة خبراء في المسرح، وهم سافاس باستيليداس من اليونان، وروس مانسون من كندا، والدكتور سون هيوزو وليام من الصين، وكولن واتكيز من المملكة المتحدة، وهانس جورج كنوب من ألمانيا، وأناتولي فروزين من نوزيلندا.

وتحدث كل من المشاركين حول واقع المسرح في بلده في الزمن الحالي،

ليقدم المخرج والناقد المسرحي باستيليداس تساؤلاته حول وضع الدراما في خضم التغيير الجذري للمشهد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وفي مواجهة الجيل الجديد من صنّاع ورواد المسرح الذين ولدوا في زمن التكنولوجيا.

أما البروفيسور كنور المستشار الاستراتيجي لأكاديمية شنغهاي للمسرح، فتحدث عن مسرح الوثائق الجديد الذي يشمل وسائل الإعلام الجديدة، ولخص معاناة المسرح الألماني بما أسماه «أزمة القيم»، والاعتقاد بأن الربح يعكس قيمة الثقافة.

ثورة مسرحية

أما المخرج مانسون، فأشار إلى أن من مظاهر الثورة المسرحية في تورنتو ظهور جيل جديد من ثقافات وأعراق مختلفة، وخروج المسرح من الصالات المغلقة، ليشمل واجهات المحالّ والساحات، مع تعدد أدواته، لتشمل نظارات الواقع الافتراضي.

وتحدث المخرج والأستاذ المسرحي فروزين عن اتجاهات المسرح الاسترالي، إذ قيّم التحديات التي يواجهها، وناقش فرص استمرارية المسرح في ظل الوضع الاقتصادي والاجتماعي الحالي.

تجربة صينية

وقدم كل من الكاتب والمخرج وليام، ومؤسس مسرح «وجهاً لوجه» المخرج واتكيز زاوية مختلفة في الطرح عن زملائهما، إذ تحدث وليام عن تجربته في الصين بين تبني أفكار ونظريات الغرب الحديثة في المسرح وبين العودة إلى المسرح التقليدي في الأرياف وتقديم أعمال تتفاعل مع بيئة وهموم سكانها، في حين تحدث واتكيز عن تجربة مسرحه الذي يقدم المونودراما منذ تأسيسه قبل 21 عاماً.

مؤكداً أن فن المونودراما هو الوسيلة الأقرب للتفاعل مع الجمهور، وأن كاتب النص هو الأكثر قدرة على أدائه، ومشدداً على ضرورة احتفاظ المخرج بمسافة لا تقتحم تفاعل الممثل مع نصه، وأن يقتصر دوره على طرح التساؤلات حول المشاهد، لتساعد الممثل على تفعيل مخيلته وأدواته.

 

ندوة تكريمية للراحل عاطف الفراية

كرّم المهرجان صباح اليوم السادس الكاتب والشاعر المسرحي الراحل عاطف الفراية، الذي فاز نصه "البحث عن عزيزة سليمان" بالجائزة الأولى للمسابقة الدولية لنصوص المونودراما "النسخة العربية"، والذي بعمله هذا افتتح المهرجان عروض دورته السادسة، وذلك بندوة حملت عنوان "في فكر الراحل عاطف الفراية".

وشارك بالندوة التي أدارها المخرج المسرحي عزيز خيون من العراق، كل من هشام الغرايبة وحسين نشوان من الأردن، والممثل عبدالله راشد من الإمارات، وزوجة الراحل أمل المشايخ.

استهل خيون الندوة بتقديم نبذة عن الشاعر والكاتب المسرحي الراحل الذي ولد في مدينة كرك عام 1964 لينشر أول ديوان له في أوائل الثمانينات قبل أن يستقر في الإمارات في التسعينات، حتى وافته المنية في سبتمبر من العام الماضي. وليتحدث عن إنجازاته.

وتحدث الممثل راشد عن صداقته بالكاتب الراحل التي بدأت عام 2001 من خلال "أيام الشارقة المسرحية"، حيث ارتبط اسم عاطف الفراية في ذاكرته بلحظة الإعلان عن فوزه بجائزة ممثل دور ثان، لينبهه عاطف قائلاً: "اخرج أنت من ينادون اسمك"، لتمضي الأيام والسنين ليتعرف إلى الكاتب مرة أخرى من خلال عموده في نشرة "أيام الشارقة المسرحية" الذي شاكس من خلال نقده الكثيرين، إلى اليوم الذي اتصل به قبل شهرين ونصف الشهر من عمان ليخبره بفرح طفولي عن فوزه بالجائزة الأولى في مسابقة الدورة الحالية من مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما.

وتناول حسين نشوان في ورقته دراسة بعنوان "الفراية والبحث عن صوته الخاص في المتعدد" الذي عاد إلى مرحلة التسعينات في الأردن التي اتسمت بالخصوبة الشعرية، حيث شارك الفراية في تأسيس مجموعة "أجراس" التي دعت إلى انقلاب على الأبوة الشعرية، ورفض الأبوة بمعناها السلطوي، والانفتاح على التجربة العربية والعالمية بعيداً عن الإيديولوجيا.

وقدم الكاتب غرايبة قراءة في ثلاث مسرحيات للفراية الذي فاز بالعديد من جوائز الإبداع في الإمارات، و"السقف". وتمحور بحثه حول الكشف عن الضمير الجمعي عند الكاتب وتوقه للحرية والعدالة والكرامة التي انعكست في نصوصه.

وفي الختام، تحدثت زوجة الراحل أمل بشجن عن رحلتها مع الكاتب كحبيب وصديق وزوج على مدى 21 عاماً، لتعدد محاسن صفاته واهتماماته وأجواء إبداعاته، لتكرس نفسها لنشر جميع قصائده التي لم تنشر بعد. وخفف مدير الجلسة خيون من وطأة الحزن على الحضور بفاصل من الشعر المغنى.

وبادر المهندس محمد سعيد الأفخم مدير المهرجان والأمين العام للهيئة الدولية للمسرح في نهاية اللقاء، بتكريم المشاركين في الندوة، ومنحهم دروع المهرجان، تقديراً لمشاركتهم وجهودهم، والتقاط صورة تذكارية معهم.

 

عروض اليوم

قانون الجاذبية

6:30 مسرح جمعية دبا

البلد : تونس

المخرج: ماهر دبيش عواشري وعماد المي

الممثل: ماهر دبيش عواشري

 

الآنسة جولي

8:30 مسرح بيت المونودراما

البلد: السويد

المخرجة: أنا بيترسون

الممثلة: آنّا بيترسون

Email