علماء آثار يلقون الضوء على التنقيبات الأثرية

حضارة الإمارات تمتد إلى 5 آلاف سنة وتستشرف آفـــــــــاق المستقبل في التنمية والعمران

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

من يرى حاضر ومستقبل الإمارات لا يندهش، كونه وريث أعظم الحضارات وأكثرها تأثيراً في تاريخ البشرية. بدأت الاكتشافات الأثرية في الإمارات في منتصف الخمسينيات، مع اكتشاف مقابر أم النار، واستمرت سنوات طويلة في كشف العمق التاريخي للإمارات بظهور آلاف القطع الأثرية القديمة التي أبرزت حضارة الإمارات القديمة بكافة جوانب الحياة فيها، وتراثها الممتد لأكثر من ستة آلاف سنة.

 قطع أثرية وجدت قبل مرحلة التدوين، أو ما يسمى العصر الحجري القديم، وكان الامتداد الإقليمي للإمارات وعُمان يعرف بـ «مجان»، وقد ورد ذكرها في النصوص المسمارية في بلاد ما بين النهرين، وكانت تدعى جبل النحاس، وقد اختلف المؤرخون المعاصرون بشأن تعريفها، حيث ذكروا أن «مجان» هي عُمان فقط، بينما رسم جورس زارنر (1986) خريطة للمنطقة، يظهر فيها بشكل واضح أن «مجان» كانت تشكل قسماً من الإمارات الحالية، وقسماً من سلطنة عُمان.

ما تم العثور عليه في منطقة شبه الجزيرة العربية، التي تشكل الإمارات القسم الشرقي الشمالي منها، يؤكد وجود حياة طبيعية فيها، خاصة أن السكان كانوا يفضلون السكن قرب الشواطئ، فلا ريب أن الإنسان في ذلك العصر قد عاش في دولة الإمارات، ويعتقد أن آثار ذلك العهد قد طمرت في البحر أو تحت الكثبان الرملية.

أما العصر الحجري الحديث، أو (العصر النيوليثي)، فقد ظهرت ثقافته من عام 6000 ق.م إلى عام 3000 ق.م، وهي مرحلة ما قبل العصر البرونزي، حيث تجلت ثقافة هذه المرحلة بالأدوات الحجرية المهذبة والمصقولة، وهي صناعة انتعشت في هذا العصر.

وقد تميزت هذه الفترة في الإمارات بمرحلتين: مرحلة ما قبل الفخّار، حيث لم تظهر أي دلالة على وجود الفخّار، والمرحلة الفخارية التي ظهر فيها فخار العبيد في الشارقة، وفي أم القيوين وفي رأس الخيمة، وفي جزيرة دلما، حيث وجد الفخار الذي استعمل لغايات منزلية، وقد أُرخت إلى الألف الخامس قبل الميلاد.

حضارة أم النار

الآثار في الإمارات هي جزء من العصر البرونزي، وتمتد من عام 3000 ق.م إلى عام 2500 ق.م، حيث كانت المنطقة جزءاً من إقليم عمان أو «الساحل العماني»، الذي يضم الإمارات وسلطنة عمان، وقد تميزت بوجود مئات المدافن خاصة في القسم الشمالي لجبل حفيت وسفوحه الشرقية، وقد شيدت على شكل خلية النحل، ولكل مدفن مدخل، ما يدل على أنه مصمم لدفن أكثر من شخص واحد. ولم يعثر على أي كتابات في هذه المقابر.

وقد عثر على مقابر أخرى في منطقة جرن بنت مسعود في العين، وتعتبر هذه المقابر متقدمة عن مقابر حفيت، حيث احتوت أثاثاً جنائزياً. كما عثر على مستوطنة قرب فلج جاري، قرب مدافن هيلي في العين، وتشير هذه المكتشفات، إضافة إلى الأدلة الأثرية في الرميلة في العين، إلى تتابع الاستيطان واستمراره ما بين عام 3000 ق.م 1800 ق.م، وما بين عام 1300ق.م و400 ق.م على التوالي.

استخدمت المكتشفات الأثرية مصطلح أم النار للدلالة على المكتشفات الأثرية التي عثر عليها بجزيرة أم النار الصخرية، التي تبعد 20 كلم عن أبو ظبي، هذه المكتشفات تمثلها الأوعية السوداء على الخلفية الحمراء، والمدافن الركامية، والمستقرات البرجية، والبناء الخالي من الطين، الأمر الذي يدل على خصوصية الحضارة في تلك المنطقة.

وقد عثر في أم النار على نحو أربعين تلًا دفنياً، والكثير من القبور المستديرة الشكل، ومدافن جماعية، كما يوجد منطقة استيطان قريبة من هذه المدافن، فيها مساكن مبنية من الحجر، كما وجدت قطع من الأواني الحجرية التي تشبه الأواني الجنائزية، وقطع كانت تستخدم للطبخ، ما يدل على أن هذه المساكن تعود لفترة القبور نفسها، كما أن وجود الأفلاج والآبار قرب المستوطنة تدل على سهولة الحصول على الماء.

كما عثر جنوب مستوطنة أم النار على بيت يضم سبع غرف مستطيلة، وعلى كسرات فخارية من نوع الأوعية الحمراء ذات النقوش، كما وجد أيضاً عظام ماشية، وسمك وسلحفاة، وعظام جمل، وصنارات نحاسية، وناقلات شباك تدل على مدى اعتماد العيش على الصيد، والكثير من الأدوات المصنوعة من العظام، وعدد من المغازل، كما أن الفخار المكتشف جاء مصنوعاً على الدولاب الفخاري الرمادي اللون نتيجة الحرق.

وقد أظهرت المستوطنات والمقابر المكتشفة في عُمان في منطقة عبري أن استيطان السكان خلال الألف الثالث قبل الميلاد كان متصلًا في جميع مناطق الجبال، ابتداء من البريمي حتى عبري.

جلفار ودبا .. أقدم مدينتين

عاش الإنسان قبل 5 آلاف عام في الإمارات في منطقة العين، أبو ظبي، والدور في عجمان والمناطق المحيطة بالشارقة، هذا ما يؤكده المؤرخ د. فالح حنظل لـ «البيان». ويضيف: «الأهم من كل ذلك، هناك مدينتان إماراتيتان ظهر اسماهما، وهما مدينة جلفار رأس الخيمة، ومدينة دبا، قبل أن تُبنى بغداد والقاهرة.

دبا ظهرت في قضية الردة التي ظهر فيها الملك ذو التاجين، حيث أرسل الخليفة أبو بكر الصديق جيشاً إلى هناك لإعادة دبا إلى الإسلام. وهو دليل على قدم هذه المدينة. ويحيلنا التاريخ الأموي إلى مدينة جلفار رأس الخيمة، حيث كانت محطة إنزال للجيوش الأموية التي تأتي إلى عُمان.

ويعج التاريخ بأخبار هذه المدينة الحافلة بالأحداث، حيث أرسل عمر بن الخطاب جيشاً لكي يساند القادسية، فعبر من جلفار رأس الخيمة إلى فارس، وفتح مدينة الأصطخر العاصمة الساسانية قبل 5 آلاف سنة. الأمر الآخر أن الدولة الأموية كانت تعتبر جلفار محطة لإنزال الجيوش.

ووقعت فيها آخر معركة، فصلت عُمان عن جسم الدولة العباسية، وهي مدينة (توام) التي هي مدينة العين حالياً. وهناك حفريات حديثة في إحدى جزر أبو ظبي تؤكد ما هو معتقد عن وجود كنيسة وصلبان فيها، ما يؤكد نظرية وجود الإنسان قبل 5 آلاف سنة في الإمارات».

دراسة الآثار

أما باحث الآثار ناصر العبودي، فيؤكد أن التاريخ القديم ظهر منذ 5 آلاف سنة و10 آلاف سنة، هذا هو التاريخ القديم، وهناك التاريخ الوسيط والتاريخ الحديث. أم النار تمثل التاريخ القديم. وعندما نأتي إلى جميرا فهو تاريخ وسيط. وفي الجميرا، عملت عليها الجامعة الأميركية في بيروت عام 1968، بناء على طلب بلدية دبي، ومن ثم جاءت البعثة العراقية في عام 1972 لتقوم بتنقيباتها المهمة.

وتم اكتشاف أنه بجانب الفترة الأموية، هناك فترة أقدم منها، وهي الطبقة الساسانية، وفيها تم اكتشاف مواد تتشابه مع مواقع أخرى في الدولة في رأس الخيمة على وجه الخصوص. والفترة الوسيطة تمتد في حدود 600 م. وقبل ذلك بـ 200 سنة.

وهي فترة مهمة على البحر في دبي. وعندنا فترة جلفار في 1200 أو 1300 إلى 1650 م. وتعتبر فترة حديثة، وتشبه جلفار مدينة دبي في الوقت الحالي.

ولديّ دراسة طويلة عن هذه المدينة التجارية، وعن كيفية إقامة التبادل التجاري مع الشرق الآسيوي حيث إن 90 % من بلدانه تتعامل مع الخليج، ومنذ ذلك الحين، أصبح لها علاقة مع الصين وفيتنام ولاوس وميرنمار والهند وإيران والعراق ومكة والمدينة. وهي مدينة ليست بالهينة، وذات أهمية، تحتاج إلى المزيد من الدراسة والبحث. وقد نشرت عنها مقالة بعنوان «فخار جلفار».

الفترة البرونزية

ثم ينتقل الباحث ناصر العبودي إلى الحديث عن أم النار، التي تشكل مدينة مهمة، لا تزال في مدخل أبو ظبي، وتمثل الفترة البرونزية، حيث اهتدى الإنسان إلى البرونز أو النحاس، ثم انتقل إلى الحديد.

وهي تمتد في عمقها التاريخي إلى 3000 سنة قبل الميلاد، واستمرت حتى 1200 قبل الميلاد، وهي ما تسمى بالفترة الحديدية. وينبغي ألا ننسى القصيص. ولأم النار أهميتها، وقد اكتشفت الصناعات وعرضتها وأقامت علاقات مع وادي الرافدين والهند.

وقد درج الباحثون على أن يطلقوا على هذه المرحلة تسمية «فترة أم النار»، أي أنها أصبحت نمطاً مسمى، شأنها في ذلك شأن التجربة اليابانية، وغيرها في التسميات. وتم العثور على النحاس في العين، وبجانب هذه المنطقة كان يتم نقل المواد إلى أم النار، باعتبارها ميناءً، ومنها إلى وادي الرافدين عبر دلمون في البحرين. هذه ثلاثة مفاصل في المنطقة، وفي ما بينها حضارات بسيطة في الوسط لا نذكرها».

ويستنتج العبودي أن الإمارات ذات عمق حضاري، علينا أن نعتز به وندرسه، ونوفره لأبنائنا. لأن هذا التاريخ عمل عليه الأجداد واشتغلوا عليه حضارياً، وبنوا واستوردوا وصنعوا. الإمارات الآن تعيش حضارة القرن الـ 21. ولذلك يجب على المسؤولين أن يوفروا معلومات كافية وسهلة في المناهج والمراكز، بل عليهم أن يؤسسوا مراكز للأبحاث. لذا أدعو إلى إنشاء مركز الآثار، لأن السياحة أصبحت نشطة في هذا البلد، ويجب أن يعم فيه نخبة من الخبراء والعلماء».

موقع جميرا

ويؤكد الباحث الآثاري د. منير طه أنه اشتغل على موقع جميرا الآثاري بعد برامكي مباشرة. ويضيف: «كانت الجميرا آنذاك مستوطناً طوله كيلو مترين، وعرضه أكثر من 500 متر، وما زالت الصور موجودة في ذهني قبل الزحف العمراني الذي قضى على تلك المنطقة الأثرية. ولا بد من الإشارة إلى العصر الحديدي في القصيص، وهو تاريخ غير معروف لدى الناس.

وكانت جلفار من العهد الأموي قمة في التجارة، ومأهولة بالسكان، واسمها معروف منذ القرن الـقرن 14 إلى الـقرن 19. وكان طول المستوطن 5 كيلو مترات، ولكن لم يتبق من ذلك إلا القليل في الوقت الحاضر. وتمثل القصيص مرحلتين، الأولى تسمى الألف الثاني قبل الميلاد، ومرحلة أم النار، الألف الثاني والثالث قبل الميلاد، حيث كانت القصيص مدينة عامرة، فيها معبد مخصص لعبادة الثعابين.

وكانت أم النار تعتبر بداية نواة الحضارة في الإمارات في نهاية الألف الرابع، ثم استمرت إلى الألف الثالث ثم الألف الثاني قبل الميلاد. وتعتبر جميرا أعظم مستوطن إسلامي في عموم الخليج العربي، وأول ما بدأ في العصر الأموي، واستمر حتى توقف السكن فيه، وفيه عثرت شخصياً على لوحتين جصيتين تمثلان كتابات بحروف منقطة».

العصر العباسي

وأكد عبد الله المطيري، مستشار المواقع التراثية، والمدير التنفيذي لقطاع المواقع التراثية بالإنابة، عضو الجمعية الملكية البريطانية للمنمنمات، وخبير المسكوكات الإسلامية، أن تاريخ موقع جميرا الأثري يعود إلى حقبه العصر العباسي، أحد العهود الإسلامية الأولى (القرنين التاسع والعاشر الميلادي).

ويتجسد موقعه الاستراتيجي بمحاذاة الشاطئ الشرقي للخليج العربي، ويقع على بعد 15 كليومتراً جنوب غرب إمارة دبي، ويغطي مساحة 80 ألف متراً مربعاً، فيما يرتفع 4 أمتار عن مستوى سطح البحر. وقد ساهم موقعه الجغرافي الفريد في تطوره، ليصبح ميناء بحرياً رئيساً ومهماً، إضافة إلى اعتباره محطة للقوافل التجارية.

كما لعب موقع الجميرة على الطريق التجاري الذي يربط بين عمان وبلاد الرافدين دوراً كبيراً في تعزيز مكانته في مختلف المجالات، وخاصة التجارية والاقتصادية والعمرانية. وقامت البعثة العراقية بالاستكشافات، وتم نشر الأبحاث في مجلة «سومر» من قبل الآثاريين د. صباح جاسم ود. منير طه. ومن خلال ما أجريناه من تنقيبات وحفريات، عثرنا على مبانٍ مدفونة تحت الأرض، وبعض أساساتها لا تزال قائمة.

واكتشفنا تحتها حفراً مليئة بالرماد. كانت جميرا أكبر من المنطقة الحالية، وهي عبارة عن مدينة متكاملة، وتشمل الحي التجاري والحي الصناعي، حيث عثرنا على برادات حديد، ما يدل على كونها كانت منطقة صناعية، إضافة إلى مبان مثل المسجد، والخان، ومنازل للسكنى.

كما عثر على كمية ضخمة من القطع الجصية ذات تصميمات هندسية، يغلب عليها الطابع الشرقي، إضافة إلى واجهات مزينة وأبواب ونوافذ وأوانٍ مزججة (الجرار والأطباق)، وبعض العملات البرونزية والأدوات النحاسية، والزجاجية والحجرية».

التنقيبات الأثرية

ويؤكد د. صباح جاسم، مدير إدارة الآثار في الشارقة، ورئيس بعثة التنقيب الأثرية، أن «هناك تاريخاً موغلاً في القدم أكثر من مواقع كثيرة معروفة، حيث اكتشفنا قبل عامين في المنطقة الوسطى في الشارقة أدوات ترجع إلى 125 ألف سنة مضت.

وهذا أقدم اكتشاف يتزامن مع هجرة الجنس البشري الثانية في إفريقيا، بالمقارنة مع مجموعة الأدوات التي صنعها الإنسان في إفريقيا. ودعمنا ذلك بتحليل التربة القرينة التي دفنت فيها هذه الأدوات، وذلك بطريقة (التألق الضوئي) في مختبرات أوروبا.

وتؤكد هذه الفترة الزمنية إلى أن الإنسان خرج من إفريقيا من باب المندب، وجاء إلى جنوبي الجزيرة العربية، حيث استوطن في هذا المكان، وواصل مسيرته إلى جنوبي المحيط الهندي وأستراليا وأميركا قبل 16 ألف سنة.

وجدنا مناطق مختلفة الأدوات ترجع إلى فترات قديمة وسحيقة من العصر الحجري القديم، تؤرخ لأقدم مما ذكرناه. وقد يؤكد الوجود البشري في العصر الحجري الحديث بقرائن ترجع إلى الألف العاشر قبل الميلاد».

ويشير د. صباح جاسم إلى أن استيطان البشر في الإمارات له دلائل أثرية واضحة، حيث هناك ثلاث حقب: فترة حفيت، بين 3200 إلى 5000 قبل الميلاد، وتثبت هذه المرحلة وجود علاقات بين الإمارات ووادي الرافدين.

الحقبة الثانية «أم النار» 2500 ــ 2000 قبل الميلاد، حيث وجدت طرز معمارية وقبور متميزة ذات مخططات دائرية وواجهة حجرية ونقوش في كل واجهاتها. والحقبة الثالثة حقبة «وادي السوق» في موقع العين 2000 إلى 2300 قبل الميلاد، وهي تشكل دليلاً أثرياً على وجود مستوطنات بشرية ومدافن ذات طرز مختلفة».

ويؤكد الدكتور صباح جاسم على أن البشر استوطنوا في الإمارات منذ زمن طويل، وتركوا لنا منجزات حضارية تتمثل في الصناعات الفخارية والحجرية والمعدنية، كذلك علاقات تجارية مع الدول المجاورة منذ الألف الخامس قبل الميلاد.

 

 

موقع

الأثر المسيحي

 

 

 

يبقى «الدير المسيحي»، الموقع الأثري المسيحي الوحيد المكتشف في دولة الإمارات حتى الآن، ويعود إلى القرن السابع الميلادي، ويقع في جزيرة صير بني ياس، القريبة من أبو ظبي. ويعد من المواقع التاريخية التي تكتسب أهمية كبيرة، حيث يلقي الضوء على المجموعات البشرية التي استوطنت الجزيرة منذ آلاف السنين. وتم اكتشاف هذاالموقع للمرة الأولى في عام 1992.

ويعتقد العلماء أن هذا الدير بُني في القرن السابع الميلادي من قبل كنيسة الشرق، المعروفة أيضاً باسم الكنيسة السريانية الشرقية. وقام بعمليات التنقيب فريق من علماء الآثار بقيادة الدكتور جوزيف إلديرز، وهو الذي أدار أعمال المسح الأثري الأولي في الجزيرة خلال التسعينيات.

وتتضمن المكتشفات الأثرية الثمينة في الموقع حتى الآن أكثر من 15 نوعاً من الفخاريات، إضافة إلى الزجاجيات والأواني المستخدمة في الاحتفالات والشعائر الكنسية، وقطع من الجص المزخرف بعناية، ما يوفر لعلماء الآثار كنزاً ثميناً من المعلومات عن سكان جزيرة صير بني ياس في القرن السابع الميلادي، وأنماط حياتهم. ويقول باحثو الآثار إن جزيرة صير بني ياس ظلت مأهولة بالسكان على مدى أكثر من 7500 عام.

 

 

 

تنقيب

فترة حفيت

 

 

 

معروف أن مجتمع الإمارات الذي عاش قبل خمسة آلاف عام اعتمد على استخراج النحاس وتعدينه وتسويقه، وقد كان ذلك على نطاق ضيق في بداياته الأولى، أثناء فترة حفيت حوالي 3200 قبل الميلاد، إذ لم يتم العثور في المدافن التي تم تنقيبها من تلك الفترة إلا على القليل جداً من قطع النحاس.

والعدد الكبير من هذه المدافن، التي تنتشر على امتداد السفوح الشمالية والشرقية لجبل حفيت، يدل على أن عدد السكان كان كبيراً نوعاً ما، ولكنه لم يعثر حتى الآن على مواضع سكنية أو بقايا مستوطنات بشرية من ذلك العصر، وربما يكون سبب ذلك هو أن البيوت كانت تعتمد في بنائها على مواد قابلة للتلف، مثل سعف النخيل.

وكشفت مدافن حفيت عن مجموعة صغيرة من الفخار الذي يشبه فخاريات عراقية المنشأ، وكانت قد استوردت من هناك قبل خمسة آلاف عام. وفي فترات لاحقة، وخاصة أثناء الألفين الثاني والأول قبل الميلاد، تم إعادة استعمال الكثير من هذه المقابر، وقد تم العثور على أدوات من البرونز تعود إلى هاتين الحقبتين.

 

 

اكتشاف

العصر الحجري

 

 

 

لا تزال بداية العصر الحجري في الدولة غير معروفة، بالرغم من الأدلة الحديثة التي تم التوصل إليها بخصوص اكتشاف أدوات حجرية، ربما تكون من العصر الحجري القديم. وعلى أي حال، فإن الدليل المؤكد هو أن سكان الإمارات كانوا في العصر الحجري الحديث (الألف السادس والخامس والرابع) قبل الميلاد، صيادين ورعاة، وقد مارسوا الزراعة كذلك.

ففي عصر العُبيد، وهو أحد العصور التي مرت بها الحضارات العراقية القديمة، كان مجتمع الإمارات والخليج عموماً على اتصال مع سكان وادي الرافدين. فقد تم العثور على كميات قليلة من فخار ذلك العصر في مواقع مختلفة تقع على امتداد الساحلين الغربي والجنوبي للخليج العربي.

هذا، ولم يتم اكتشاف هذا الفخار في المناطق الداخلية من أرض الإمارات أو عمان حتى الآن، بالرغم من أن مواقع معاصرة لتلك الحقبة الزمنية قد تم اكتشافها هناك. ومن أكثر الآلات الحجرية التي ترجع إلى العصر الحجري الحديث شيوعاً هي السهام ذات الرؤوس المدببة، والآلات ذات الشكل الذي يشبه ورقة النبات، والتي شذبت من جانبين.

 

 

آثار

ما قبل الإسلام

 

 

 

في القرون الثلاثة ما بين انتهاء التأثير البارثي، وما يطلق علية بالفترة الهلنستية، وبداية العصر الإسلامي، شهدت المنطقة عصراً جديداً، ظهر فيه التأثير الساساني جلياً، خاصة على مناطق السواحل في كل من الإمارات وعمان.

لقد وقعت اليمن تحت السيطرة الساسانية المباشرة، بينما لا يوجد دليل على مثل هذه السيطرة على أرض الإمارات، بالرغم من العثور على فخار فارسي المنشأ في بعض الجزر، وفي بعض المواقع القريبة من الساحل، ومنها موقع كوش في رأس الخيمة، حيث تم العثور في طبقاته السفلى على بعض الفخاريات التي تعود إلى ذلك العصر. وبالرغم من هذه الاكتشافات، فإن عصر ما قبل الإسلام في المنطقة لا يزال يكتنفه الغموض.

وعلى عكس الفترة الهلنستية، فلا يوجد دليل قوي على وجود قوي للعصر الساساني في المناطق الداخلية من الإمارات، ومما يزيد من صعوبة تأكيد ذلك، هو التشابه الكبير بين فخار ما قبل الإسلام والفخار الإسلامي المبكر، ما يربك الآثاريين في بعض الأحيان.

 

 

سوق

موقع مليحة

 

 

 

انتهى العصر الحديدي بحدود 3000 ق.م، وبدأ عصر جديد تأثر كثيراً بالحضارة السلوقية لبلاد وادي الرافدين وسوريا، ويعتبر موقع مليحة من أكبر المواقع التي ترجع إلى ذلك العصر، ومفتاحاً لهذه الحضارة الجديدة التي تختلف من حيث صناعاتها وموادها.

وفي مليحة، تم اكتشاف أبنية مدنية ومقابر شاخصة لا تصل من الناحية المعمارية إلى مستوى المقابر في موقع الفاو في السعودية، أو البتراء في الأردن، ولكنها تذكّر بها.

وبالإضافة إلى معدن الحديد الذي استعمل بكثرة في هذا العصر، فقد عرف أهل مليحة ضرب العملة على الطريقة الإغريقية، والتي تحمل رسم رأس هرقل، واكتشفت بين أغراضهم بعض النصوص الكتابية القصيرة، وهي إما بالآرامية أو بلغة أهل جنوب الجزيرة العربية. أما الموقع الآخر الذي يمثل الدور الثاني من العصر الهلنستي، فهو موقع الدور الكائن في إمارة أم القيوين، وهو عبارة عن سوق تجارية كبيرة تعود إلى القرن الأول الميلادي.

 

 

تاريخ

العصر الحديدي

 

 

 

ظَهر العصر الحديدي في نهاية الألف الثاني قبل الميلاد، واستمر لمدة تسعة أو عشرة قرون. ولا تزال الحقبة الأولى من هذه الحضارة غير واضحة، ولم يكتشف إلا على عدد قليل من كسر الفخار التي تعود إلى تلك الحقبة، تم العثور عليها في تل أبرك الكائن بين الشارقة وأم القيوين، وفي موقع شمل في رأس الخيمة. ومن الحقبة الثانية، يوجد عدد كبير من المواقع الأثرية، البعض منها يمثل قرى كبيرة تم التنقيب عنها في أماكن مختلفة من الدولة، ما يجعلنا في بعض الأحيان نعتبر هذه الحقبة وكأنها عصر مستقل.

أما الحقبة الثالثة، فهي قصيرة، كالحقبة الأولى، وتغطي ثلاثة قرون من الزمن فقط (600 300 ق.م). كان البرونز المعدن الأكثر استعمالاً أثناء العصر الحديدي، أما الحديد فلم يستعمل إلا على نطاق ضيق، وكان ذلك في الحقبة الثانية منه. ونتيجة لابتكار نظام الفلج الذي يعتمد على الري بواسطة القنوات الجوفية، فقد ازداد عدد القرى التي تعتمد على هذا النظام الأصيل الذي توصل إليه أبناء المنطقة قبل ثلاثة آلاف عام، والذي كان عنصر جذب للأقوام من خارج المنطقة.

 

 

توثيق الآثار

 

 

أصبح كتاب «آثار من الإمارات»، الصادر عن المجلس الوطني للسياحة والآثار، يشكل مرجعاً يؤرخ لما تم اكتشافه من الآثار في كافة إمارات الدولة، بعد توثيقه بأسلوب علمي، وتصنيفه طبقاً للحقب التاريخية التي مرت بها.

ويقع الكتاب الذي صدر باللغتين العربية والإنجليزية في طبعة فاخرة، في 120 صفحة ملونة، ويضم كافة الآثار الإماراتية، مع تعريف بها تاريخياً، وموقع اكتشافها، ومعلومات موثقة عنها.

وهو يهدف إلى المساهمة في تحقيق الأهداف الاستراتيجية في حماية الآثار الإماراتية والمحافظة عليها، وتوثيق المكتشف منها، إضافة إلى لفت أنظار المتخصصين بأهمية الآثار. ويمثل هذا المصدر رصداً أميناً وعلمياً لعمليات البحث والتنقيب والتوثيق عن الآثار، والتي بدأت منذ عام 1959 وحتى الوقت الحاضر.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Email