رحلة معرفية في اكتشاف دبي التاريخية

مؤرخون ومعماريون ومهندسون يزورون آثار جميرا

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

آثار جميرا، وتفقد موقعها الآثاري، هو ما ابتدر به مجلس ومكتبة جمال بن حويرب موسمه الجديد بعد أشهر الصيف الكسولة. وتتمتع هذه الفعالية الثقافية الجديدة من نوعها على زيارة الموقع الآثاري واكتشاف معالمه على الأرض.

وفي منطقة مسيجة بالأسوار، تنتشر بقايا مبان موزعة هنا وهناك: بين مسجد وبيوت وخان(فندق) وسوق وبيت الحاكم، وغيرها من بقايا مبان كان الأسلاف يستخدمونها آنذاك أي في فترة تعود إلى العصر العباسي حين ازدهرت المدن وامتدت رقعتها بفعل نمو الحضارة العربية الاسلامية إلى جميع الأمصار.

حرص منظم الجولة والندوة، جمال بن حويرب، على اشراك نخبة من المؤرخين والمعماريين والمهندسين والآثاريين، أبرزهم: بلال البدور، وكيل وزارة الثقافة وتنمية المجتمع، والمهندس عيسى الميدور، نائب مدير بلدية دبي، والسيد سالم الموسى، تاجر، والمهندس فيصل القرق، مدير برنامج الشيخ زايد للإسكان سابقاً، والدكتور جمال المهيري، وكيل وزارة التربية والتعليم السابق، وعبدالله المطيري، مدير بيت الشيخ سعيد، والأستاذ علي عبيد، مدير مركز الأخبار بتلفزيون دبي، والأستاذ عمر الديسي وبعض المهتمين.

وساهمت هيئة الطرق بدبي بتقديم حافلة لنقل المشاركين إلى الموقع الآثاري. وقد قام خبير الآثار في دائرة السياحة والتسويق التجاري بدبي، الدكتور حسين قنديل، بتقديم شرح واف لاكتشاف هذه البقعة التاريخية التي يُعتقد بأنها تمتد إلى البحر، باعتبارها كانت محطة تجارية، تربط عدداً من البلدان المجاورة آنذاك.

ويعتبر موقع جميرا الأثري من المواقع الإسلامية المهمة المكتشفة ليس في دولة الإمارات فقط بل في منطقه الخليج العربية بأسرها. ويعكس الموقع الفن المعماري الإسلامي التي كانت سائدة خلال العصر العباسي بمختلف أشكاله وعناصره من خلال الأقواس، الزخارف الهندسية الشرقية التي تزين الواجهات، النوافذ والجدران.

إضافة إلى تلك المكتشفات هناك الأبراج الدائرية ونصف الدائرية التي تعزز من قوة البناء وتضفي عليه رونقا وجمالا. وتعكس هذه الإبداعات الفنية حالة الترف والثراء التي كان يعيشها أهل تلك المنطقة في ذلك الوقت.

الميناء البحري

يرجع تاريخ موقع جميرا الأثري إلى حقبه العصر العباسي، أحد العهود الإسلامية الأولى (القرنين التاسع والعاشر الميلادي). ويتجسد موقعه الاستراتيجي بمحاذاة الشاطئ الشرقي للخليج العربي، ويقع على بعد 15 كليومترا جنوب غرب إمارة دبي ويغطي مساحه 80 ألف مترا مربعا فيما يرتفع بمعدل 4 أمتار عن مستوى سطح البحر.

وقد ساهم موقعه الجغرافي الفريد في تطوّره ليصبح ميناء بحريا رئيسا وهاما إضافة إلى اعتباره محطة للقوافل التجارية. كما لعب موقعه على الطريق التجاري الذي يربط بين عمان وبلاد الرافدين دورا كبيرا في تعزيز مكانته في مختلف المجالات وخاصه التجارية والاقتصادية والعمرانية.

اجتمع في هذه الرحلة التاريخية القصيرة نخبة من ذوي الاختصاص والعلاقة بالآثار والمعمار والتجارة من أجل جمع الخيوط النظرية والعملية المحتملة لما كانت الحياة عليه في هذا المكان الأثري، من وجهات نظر مختلفة، ومن زوايا عديدة ألقت الضوء على العصر الذي عاشته هذه المنطقة الحافلة بالتجارة والحياة الاجتماعية والاقتصادية.

وبعد انتهاء الجولة، انعقدت ندوة حول آثار جميرا في مجلس ومكتبة بن حويرب الكائنة في جميرا حيث قدم بن حويرب المشاركين في الندوة، التي أعقبت الجولة الاستكشافية لموقع جميرا الآثاري كما قدم الشكر إلى هيئة السياحة، وأكد قائلا: " لقد ضمّ الوفد الزائر لهذا الموقع الآثاري مجموعة من المؤرخين والمعماريين والمهندسين والآثاريين فاجتمعت المعلومات وتتقاطع مع مختلف الاختصاصات لتقديم رؤية متكاملة لما يمكن أن تكون عليه تفاصيل الحياة آنذاك.

وللأسف الشديد، تعرض هذا الموقع لعمليات النهب على مر السنين، اختفت منها كثير من اللقى والمقتنيات والكنوز التاريخية مما كانت دليلاً على حياة زاخرة في المنطقة. ومما زاد في بعثرة تلك الموجودات توزيع الأراضي التي اقتطعت من هذه المنطقة التاريخية أجزاء كثيرة".

التنقيبات لم تكتمل

تحدّث الآثاري الدكتور حسين قنديل قائلاً: تحوي المنطقة بقايا معمارية أسسها غير مكتملة البناء. وتم اكتشاف الموقع في عام 1969 من قبل دميتري برامكي الأستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت. وقد بقي في هذا الاستكشاف لمدة أسبوعين، اكتشف خلالها ثلاثة مبان رئيسية: بيت الحاكم، والسوق والخان. وأرخ للقرن الخامس وبداية السادس. ومن خلال هذا التحديد، تمكّن من تلمس الملامح المعمارية لهذا الموقع.

ويتكون البناء من الحجر البحري والحجر الكلسي، ومطلي من الداخل والخارج بطبقة من الجص. وتحتوي الجدران على الزخارف الهندسية، وزينت بالأبراج، زخارف نصف دائرية، والفخار الذي تم العثور عليه هو من الفخار المزجج والقطع النقدية الاسلامية وبعض العينات الفحمية تحت الاساسات، وأرسلناها إلى التحليل، فوجدناها متطابقة مع النقود الموجودة في العصر العباسي ولكن الدكتور دميتري ظنّ أنّها ساسانية لأن العباسيين في ذلك الوقت كانوا قد تأثروا بالفن الساساني.

هذا وقد وصلت القطع النقدية والكتابات العربية والزجاج الاسلامي والجرار الفخارية من 40 إلى 50 قطعة. تكوّن المباني جميعها محطة تجارية تربط بين العراق وعمان.

وقد بدأت الحفريات ثانية في عام 1990، وقمنا بالخطة الأولى في تنظيف المباني وصيانتها، لكننا فوجئنا بأن بعض المباني لم تُنقب بشكل كامل، بل تم كشط الطبقة السطحية منها، حيث كان نصف الجدران مطمورة في التراب، ووصلت تنقيباتنا إلى الماء المالح الموجود تحت الأرض.

العراقيون ساهموا في التنقيبات

وقامت البعثة العراقية بالاستكشافات وتم نشر الأبحاث في مجلة "سومر" من قبل الآثاريين صباح جاسم ومنير طه. وأضاف إنّ موقع جميرا يحتاج إلى حفريات وتنقيبات مستمرة. ومن خلال ما أجريناه من تنقيبات وحفريات، عثرنا على مباني مدفونة تحت الأرض.

وبعض الأساسات لا تزال قائمة. واكتشفنا حفر مليئة بالرماد، تحت هذه الأساسات. كانت جميرا أكبر من المنطقة الحالية، وهي عبارة عن مدينة متكاملة، لم يبق منها إلا الحي التجاري والحي الصناعي بسبب وجود كثير من الحفر المملوؤة بالرماد وعثرنا أيضا على برادات الحديد مما يدل على كونها كانت منطقة صناعية.

ثم تحدث عبد الغفار حسين، باعتباره مؤرخاً ومعاصراً لهذا الاكتشاف، وبدأ حديثه، قائلا: كما ذكر الدكتور حسين قنديل، فإن الفضل في اكتشاف هذا الموقع يعود إلى ديمتري برامكي عالم الآثار عندما قامت دائرة المياه في دفن مواسير المياه واكتشفت هناك مباني مدفونة تحت الأرض.

وتم نقل تلك المعلومة إلى الشيوخ فقام المعتمد البريطاني "كريك"، وهو رجل مثقف، وعاشق للآثار، فاقترح على الشيوخ استدعاء متخصصين آثاريين للقيام بعمليات الحفر والتنقيب.

بسبب معرفة "كريك" بلبنان لأنه درس فيه اللغة العربية تم استدعاء الآثاري دميتري برامكي فاكتشف مبنى كان يسكنه أحد الولاة الأمويين، والخان محاطاً وربما قد تكون أنقاض هذه المباني تعرضت لعمليات التجديد والترميم.

وفي الحقيقة، إن المباني، حسب وجهة نظري الشخصية، لا تختلف كثيراً عن البيوت العربية، لأنها تتحلى بالطراز المعماري ذاته، عبارة عن حوش كبير تحيط بها الحُجَر والمجلس، ويمكن مقارنة المباني الموجودة في جميرا الأثرية بصورة الفهيدي والبيوت الموجودة حول هذا الحصن التاريخي، يعود إلى 1819. وهي ذاتها الموجودة في حصن الفهيدي وبيت الحاكم.

والمباني كانت من غير أساسات عميقة لأن البناء لم يكن فيه طوابق، كما لم تكن البلاد تعرف الزلازل. ولدي رسالة كتبها ديمتري برامكي إلى المعتمد البريطاني يقول فيها: سألني أحد الحاضرين، و كان يقصدني والظاهر أنه نسي اسمي .

التوثيق عبر الأفلام والغرافيك

وقد دعا جميع المشاركين في هذه الزيارة التاريخية أن يشترك المؤرخون والمهندسون وخبراء الآثار لإعادة هذه المنطقة إلى الحياة عن طريق تصميم المدينة من جديد عن طريق البرامج الحديثة وإخراج أفلام وثائقية عنها باستخدام الجرافيك للوصول إلى تصور كامل عن الحياة فيها في تلك الحقبة حيث يعتقد أنه كان يقطن في هذه المنطقة عدة آلاف من الناس.

 

 

بقايا الأبنية المهمة

 

 

يعتبر السوق من المباني الهامة في موقع جميرا الأثري باعتباره دليلا واضحا وقويا على مدى تطور نمط الحياة وتقدمها إضافة إلى ازدهار النشاط التجاري في ذلك الوقت. ويتكون السوق من دكاكين صغيرة الحجم توجد أمام كل واحدة منها مسطبة لعرض البضائع. أما المخزن فهو ملحق بأحد المباني الموجودة.

كشفت الحفريات التي يقوم بها حاليا فريق أثري محلي تابع لدائرة السياحة والتسويق التجاري بدبي عن وجود مبنى مربع الشكل بمساحة من الأرض تبلغ ٤٩ مترا مربعا، ويتكون من غرفتين، تطلان على الجانب الغربي (القبلة) باتجاه الكعبة المشرفة في مكة المكرمة.

كما تم العثور على محراب في جدار القبلة إضافة إلى ذلك تم العثور على بعض النقوش والكتابات التي تحتوي على بعض الكلمات مثل «النبي محمد». ويقع المبنى بين السوق والمبنى السكني رقم (٣). ويتوقع أن تكتشف الحفريات المستمرة الآن عن مكتشفات أثرية جديدة في موقع جميرا الأثري.

يختلف تخطيط هذا المبنى عن غيره من المباني الأخرى وذلك من حيث اختلاف وجهة استعماله إذا ما سلمنا بأنه عبارة عن استراحة للمسافرين أو خان تبيت فيه القوافل التجارية.

ويعتبر أضخم المباني في موقع جميرا الأثري. مستطيل الشكل يغطي مساحة من الأرض تبلغ ١٠٠٠ متر مربع. تتوسطه ساحة كبيرة مكشوفة ومحاطة بعدد من الغرف، وللمبنى مدخلان رئيسيان في الجهة الشرقية والغربية.

 

 

 

تاريخ الاكتشاف

 

 

 

تم اكتشاف موقع جميرا الأثري لأول مرة في عام ١٩٦٩ وذلك بفضل جهود فريق آثاري تابع للجامعة الأميركية في بيروت. بعد ذلك تمكن فريق آثاري عراقي في عام ١٩٧٤ من اكتشاف حفريات هامة مماثلة في بعض المباني الأثرية والمصنوعات اليدوية المختلفة.

وتواصلت عمليات التنقيب والحفريات الأثرية في عام ١٩٩٣ في موقع جميرا قام بها فريق آثاري محلي تابع لدائرة السياحة والترويج التجاري في دبي، وقد أسفرت عن اكتشاف مبان أثرية ومصنوعات يدوية جديدة.

 

 

 

مواد البناء

 

 

 

باستثناء المسجد، تتميز معظم مباني الموقع بشكلها المستطيل والصغير، وغرفها المستطيلة أيضا. وتنفرد المباني السكنية بشكل خاص بوجود ساحات مكشوفة مزودة بالأفران. تلك الساحات محاطة بجدران مشيدة بالحجارة والتي كانت تستعمل في القيام بأنشطة الحياة اليومية مثل الطهي، والطحن.

وتبلغ سماكة الجدران نحو 40 سنتمترا، ومشيدة بأحجام مختلفة من الحجارة الرملية مثبتة مع بعضها البعض بمادة الجبس ومكسوة من الداخل والخارج بطبقة جصية تساعد على حمايتها من العوامل الطبيعية المختلفة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Email