كتاب »رحلة الغوص واللؤلؤ« يوثّق علاقة الأجداد بالدر المكنون في البحار

ثقافة البحر مهنة تألقت في تاريخ الإمارات

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أطلقت هيئة المعرفة والتنمية البشرية وجمعية الإمارات للغوص المؤلف الرابع للباحث جمعة بن ثالث بمناسبة اليوم الوطني الأربعين لدولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك في إطار مشروع إصدارات عن ثقافة البحر بدأ قبل ثلاثة أعوام، حينما أصدر ابن ثالث كتبه الثلاثة قبل هذا الإصدار، وجميعها جاءت لتوثق بالكلمة والصورة لحياة البحر والمهن التي عاش عليها الآباء والأجداد، بغرض وجود مراجع قيمة في المكتبة المحلية، تفيد الباحثين والدارسين.

«رحلة الغوص واللؤلؤ" هو إصداره الرابع الذي يأتي نتيجة هذا التعاون البناء بين المؤلف وهيئة المعرفة والتنمية البشرية وجمعية الإمارات للغوص، ليضاف إلى المكتبة ويقدم رصيداً معرفياً هاماً يوثق تفاصيل مهنة وثقافة عاش في ظلها الأجداد ردحاً من الزمن.

واشتمل الإصدار الجديد على مقدمة بقلم فرج بن بطي المحيربي، رئيس جمعية الإمارات للغوص بين فيها ارتباط أبناء الخليج بثقافة البحر ارتباطاً وثيقاً. كما يضم كلمة بقلم الدكتور عبدالله الكرم مدير عام هيئة المعرفة والتنمية البشرية بدبي تتضمن الأهداف التي من أجلها دعمت الهيئة إصدارات ابن ثالث الأربعة وعلى رأسها تعزيز الهوية الوطنية وربط الأجيال الشابة بتاريخ بلادهم وأهلهم.

 

قسم المؤلف جمعة بن ثالث كتابه "رحلة الغوص واللؤلؤ" 12 باباً، ترافق كلاً منها صور فوتوغرافية توثق مراحل الغوص منذ بداياته، ففي الباب الأول يرصد الكتاب الاستعدادات الأولى لرحلة الغوص منذ بداياتها والأسلوب الذي تدار به هذه العملية، بحسب تراتبية القيادات في الرحلة، حينما يصدر "النوخذة" ربان السفينة، أوامره إلى "المجدمي" وهو الرجل المسؤول عن العاملين على متن السفينة، لكي يعدوها للرحلة المرتقبة.

ويرصد ابن ثالث بالكلمة والصورة تلك الإعدادات التي تبدأ بإصلاح ألواحها بعد شهور من التوقف، حيث يجلب لها "الجلاف" وهو نجار متخصص في صناعة السفن وترميمها، ويقوم هذا بدوره ليعيد ألواح السفينة إلى موضعها الصحيح ويسد فتحاتها التي تسرب المياه. ويوثق المؤلف في هذا الباب، الأسلوب الذي تغمر فيه السفينة في البحر لمدة أيام، ودهان ألواحها ببعض الزيوت، وإصلاح ساريتها وأشرعتها، وتأمين خزان مياه الشرب فيها. في الباب الثاني يبدأ القارئ في رحلة مع توصيفات ومهن العاملين على سفينة الغوص، فهذا المجتمع الذي سيمكث أكثر من شهرين في عرض البحر ستتوزع المهمات عليهم بحسب المراتب التي يأخذونها كمسميات.

ويقدم ابن ثالث في هذا الباب شرحاً وافياً للمسميات، مبتدئاً باسم "السردال" الذي يقول عنه: إنه أمير البحر، أو الآمر الذي يأتمر به جميع ربابنة سفن الغوص، وهو الموكل إليه بالإيذان ببداية أو نهاية موسم الغوص. ويعين من قبل حاكم البلاد.

 ومن المسميات النوخذة التي تعني ربان السفينة، والجعدي وهو مساعد الربان، والمجدمي آمر العاملين على السفينة، والغواص، والسيب الذي يسحب الغواص من أعماق البحر، والرضيف وهو الصبي الذي يقل عمره عن أربعة عشر سنة، والتباب وهو الذي لم يتجاوز العاشرة، والجلاس وهو البحار الاحتياط، والعزال وهو الغواص الذي يغوص على اللؤلؤ لمصلحته فقط ولا يتقاسم نصيبه مع النوخذة، والنهام مغني السفينة والسكوني وهو ماسك دفة السفينة، وراعي الشيرة وهو المسؤول عن المرساة.

 

مواقيت

وفي الباب الثالث من الكتاب هناك شرح ووصف كامل للأدوات التي يتم استخدامها للغوص وجمع اللؤلؤ ويفرد ابن ثالث الباب الرابع لمواسم الغوص وأنواعها وتواريخها ومنها غوص الخانجية الذي يبدأ بعد فصل الشتاء في شهر ابريل، والغوص الكبير الذي يطلق عليه أيضاً "الغوص العود" الذي يبدأ من شهر مايو وحتى شهر سبتمبر. وغوص الردة وهو يبدأ بعد الغوص الكبير. وغوص الرديدة ويكون في الأماكن القريبة من الشاطئ. وأخيراً غوص القحة وهو أيضاً غوص قصير وقريب من الشاطئ ويبدأ وينتهي في اليوم نفسه.

في الباب الخامس من الكتاب يقدم المؤلف تفاصيل اقتسام ثمن محصول اللؤلؤ بعد رحلة الغوص، ويقدم تفاصيل الحسبة والنسب التي تؤول على المشاركين، ومنها حصة النوخذة ربان السفينة وتكاليف الرحلة، وكذلك الضريبة التي تقتطعها الحكومة من كل سفينة غوص، ويشرح في هذا الفصل، أساليب الحصص المتبعة قديماً، والنسب التي تؤول إلى المشاركين كل حسب عطائه، كما يتحدث عن نظام السلف، القائم في ذلك الوقت، حيث يضطر البحارة إلى الاستلاف بأمر ربان السفينة من أحد تجار المؤن ليؤمنوا الغذاء لأهلهم وبيوتهم قبل الرحلة الطويلة. وقد تعارف تجار اللؤلؤ والعاملون فيه على مسميات تبين النسب التي يحصلون عليها من مردود كل رحلة.

أنواع اللؤلؤ

وفي الباب السادس يقدم الكتاب، شرحاً تفصيلياً عن العودة من رحلة الغوص الطويلة، وكيف يستقبل الأهالي أبناءهم ورجالهم العائدين من المخاطر، بالانتظار على شاطئ البحر واستقبالهم بالأهازيج والغناء.

ويعد البابان السابع والثامن من أهم الأبواب التي تقدم معلومات وافية عن أنواع المحار واللؤلؤ، وأثمانها وأساليب وزنها وبيعها وتعاملاتها في الأسواق وتجارها. حيث إن اللؤلؤ أنواع وبناء على النوعية تحدد القيمة في الأسواق، والنوعية يحددها الشكل واللون والحجم.

كما يقدم المؤلف في هذين البابين شرحاً وافياً وتشريحياً للصدفة التي تنتج اللؤلؤة وأجزاءها ومكوناتها والأسلوب الذي تتكون به اللؤلؤة الثمينة في أحشاء الصدفة.

ومن أنواع اللؤلؤ يسجل ابن ثالث "الجيون" وهو من أجمل اللآلئ وأثمنها نظراً لصفائها واستدارتها الكاملة، ومنها "القولوه" وهي لؤلؤة غير مكتملة الاستدارة، ومنها "الشرينة" وهي لفظة فارسية وتعني الجميلة.

و"البوكة" وهي لؤلؤة صغيرة، ومنها الناعم ومنها الخشن. "الفص" وهي لؤلؤة تلتصق بقاع الصدفة ويصعب اقتلاعها إلا بعناية فائقة. أما "الحصابي" جمع "حصباة" وهي اللؤلؤة الكبيرة ولها قيمة كبيرة في السوق. وللآلئ ألوان منها: البصلي، السنقباسي، الأشقر، الأخصر. ومن أشكالها: البيضي، التنبوك، الكاووكي، الطبلي، الربياني، أم عيونه، العدسي.

ويرحل ابن ثالث في تسعيرات اللؤلؤ شارحاً الأسلوب الذي يتعالم به "الطواش" تاجر اللؤلؤ مع البحارة عند عملية الشراء، حيث يقول: "إن اللؤلؤة الطبيعية التي تزن 40 قمحة يمكن أن يكون سعرها من 4800 فرنك فرنسي، ويختلف هذا المبلغ تبعاً لنوعية اللؤلؤة". ويقدم الكتاب تحليلاً دقيقاً لعمليات بيع اللؤلؤ وأسعاره في الأسواق المحلية والأوروبية وأساليب حساب ذلك تبعاً للأوزان والأحجام والألوان.

تاريخ

وتحت عنوان "تاريخ تجارة اللؤلؤ وتسويقه"، يدون ابن ثالث معلومات وتحليلات هامة ومنها: إن الغوص على اللؤلؤ وتجارته لم يكن منظماً لفترة طويلة، إذ تتفق المصادر التاريخية التي اهتمت بالكتابة عن الخليج العربي على أن الاتجار باللؤلؤ كان قائماً على مهنة الغوص، وقد ظهر بشكل واضح إبان اكتشاف رأس الرجاء الصالح المؤدي إلى المحيط الهندي عبر خليج عُمان، أيام الغزو البرتغالي للمنطقة، ثم دخول السفن التجارية البخارية لبحر الخليج العربي أيام الاستعمار البريطاني عبر مضيق هرمز.

ولم يتجاهل الاستعمار أهمية الخليج كمصدر من مصادر الثروة الاقتصادية، وخاصة صيد اللؤلؤ وتجارته، فأخذ في إنشاء الشركات التجارية لهذا الغرض، وسعى في جعل بعض المناطق التي كان يحتلها في آسيا وإفريقيا أسواقاً عالمية لتجارة اللؤلؤ مثل الهند وسريلانكا وإيران وباكستان والبحرين ودبي وفي الوقت نفسه تعتبر هذه البلدان موانئ يصدر منها اللؤلؤ عبر قارات العالم.

وفي الباب التاسع يقدم المؤلف ابن ثالث تفصيلاً عن أشهر طواشي اللؤلؤ في دولة الإمارات، ومنهم في أبوظبي: خلف بن عبدالله العتيبة وابنه أحمد، الشيخ حامد بن بطي القبيسي، سالم بن ياعد وسعيد بن سالم بن ياعد، وفي دبي: محمد بن حمد بن دلموك، ومحمد بن عبيد بن مدية، ومحمد مطر البدور، وأولاد ثاني بالرقاد، ورحمة بن عبدالله الشامسي، ومحمد بن عبيد الطاير. ومن الشارقة: عبيد بن عيسى النابودة، وخالد بن إبراهيم المناعي، وعبدالله النومان، وراشد الجروان، وسلطان بن عبدالله العويس، وعبدالرحمن بن حسن المدفع وآخرون.

ومن عجمان: ناصر بن عبيد لوتاه، وجمعة بن سلطان المهيري، وعائلة الشيبة ومن أم القيوين: شيوخ أم القيوين، محمد بن علي المعلا وعبدالله بن راشد آل علي، ومن رأس الخيمة: ابن مفتول، ابن درويش، جاسم بن دلم.

كما يسجل ابن ثالث تدويناً لأشهر أسماء سفن الغوص في الإمارات وأصحابها. ثم يقدم قائمة بأسماء أشهر الغواصين في الإمارات. حيث يعد الكتاب راصداً ورافداً مهماً لتوثيق أسماء من عملوا في تلك المهنة. وعن سوق "البانيان" يقدم ابن ثالث نبذة عن تجار هذا السوق الذي سمي باسم ديانتهم الهندوسية، ومن أشهر من عملوا فيه مكنمل بنشولي الذي قدم إلى المنطقة عام 1942 وكان من تجار اللؤلؤ، وعملوا في جلب المؤن والأغذية وتجارة اللؤلؤ والذهب وتبديل العملة.

ويقدم ابن ثالث في هذا الشأن تفصيلات مهمة تبين الحياة التجارية في الإمارات، والسوق التي كانت تستقبل اللؤلؤ الذي يجلبه الغواصون من لجج البحر.

 

مشكلات

ويقدم ابن ثالث كذلك ملاحظات على المشكلات التي كانت تتعرض لها تجارة اللؤلؤ في الإمارات.. حيث يشير إلى أنه في العام 1905 بلغت قيمة محصول اللؤلؤ في الإمارات 8 ملايين روبية هندية، وكان الميزان التجاري في تسويق اللؤلؤ متذبذباً لعدة فترات ومن المشكلات التي وقفت في طريق النمو التجاري لهذه السلعة: الغارات المتكررة في ما بين القبائل على بعضهم البعض مما قلل من عدد الغواصين وسفن الغوص. الانشغال بالحروب، تدخل السلطات في حملات الغوص بمنع بعضهم من مزاولة المهنة من باب العقوبة.

فرض ضرائب على محصول اللؤلؤ على كل سفينة غوص فعرض المهنة للكساد. عدم وجود قوانين تنظم صيد اللؤلؤ من المغاصات مما أباح للتدخل الأجنبي الفرصة لفرض الاتفاقيات والقيود والتحكم في صيد اللؤلؤ.

تتابع المحاولات من قبل الشركات الأجنبية لأخذ الامتياز من الحكام لصيد اللؤلؤ في الخليج. تعرض مياه الخليج لعمليات التنقيب عن النفط، وفي العام 1912 تمت زراعة اللؤلؤ الصناعي وطرح في الأسواق بأسعار رخيصة فقل الطلب على اللؤلؤ الطبيعي، الأمر الذي أدى بكثير من ربابنة السفن إلى هجر هذه المهنة.

 

مؤلف الكتاب

 

جمعة بن خليفة أحمد بن ثالث، نشأ وترعرع في دبي، أصبح ناشطاً ومؤلفاً معروفاً في مجالات الغوص واللؤلؤ والتراث البحري، وبرغم عمله بالسلك الإداري لوزارة التربية والتعليم، لمدة ناهزت 21 عاماً، إلا أن شغفه بالبيئة التي عاش فيها بقي همه الأول. انضم إلى عدد من الجمعيات، مثل المحميات البحرية في المنطقة الشرقية "دبا الفجيرة" وفريق الغوص التابع لشركة نفط الكويت، وكذلك عضوية جمعية الإمارات للغوص في العام 1995 ويشغل فيها حتى اليوم منصب مدير المشاريع التراثية، إلى جانب رئاسته قسم التراث والدراسات البيئية البحرية في جمعية دبي التعاونية لصيادي الأسماك.

يمارس ابن ثالث رياضة الغوص منذ العام 1991 وحصل على شهادة غواص منقذ عام 1995، ترأس فريق الغوص التابع لجمعية الإمارات للغوص في مهرجان دبي للتسوق لمدة 7 سنوات، وأصبح محاضراً في الغوص واللؤلؤ وناشطاً بيئياً في الحملات البحرية، ومحللاً لسباقات السفن الشراعية لقناة دبي الرياضية، ويشارك بالتنبؤ وتحليل الطقس المحلي.

كما تخصص في التصوير الاحترافي تحت الماء، كما ساهم في إنشاء المحميات البحرية في كل من دولة الكويت والفجيرة، أنشأ العديد من المعارض التراثية على مستوى المدارس والدوائر المحلية، تم اختياره في العام 2011 كمستشار للهوية الوطنية في مركز الإحصاء بدبي. صدرت له عدة مؤلفات وهي: الغوص واللؤلؤ في دولة الإمارات العربية المتحدة 2006، خارطة مغاصات اللؤلؤ في دولة الإمارات العربية المتحدة 2006، معجم المصطلحات البحرية في دولة الإمارات العربية المتحدة 2009، رجال الغوص واللؤلؤ 2009، الأسماك والحياة البحرية 2010 ورحلة الغوص واللؤلؤ "الجزء الثاني" 2011.

 

تعاون مشترك

 

أنتج التعاون المشترك بين هيئة المعرفة والتنمية البشرية وجمعية الإمارات للغوص والمؤلف جمعة بن ثالث، أربعة إصدارات تتعلق بالثقافة البيئية البحرية في الإمارات، بهدف تعزيز الهوية الوطنية وتوثيق المهن البحرية وثقافتها التي نشأ عليها الآباء والأجداد.

وأسفر هذا التعاون الذي انطلق من العام 2008 عن صدور ثلاثة كتب للمؤلف ابن ثالث وهي "معجم المصطلحات البحرية" وكتاب "موسوعة الحياة البحرية" وكتاب "رجال الغوص واللؤلؤ" وأخيراً الكتاب الرابع "رحلة الغوص واللؤلؤ". وتزامن إطلاق الكتب الأربعة مع احتفالات الدولة باليوم الوطني لقيام دولة الاتحاد.

 

مصادر الكتاب

 

اعتمد كتاب "رحلة الغوص واللؤلؤ" لمؤلفه جمعة بن ثالث، الذي رافقته مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية ذات الجودة العالية، على خمسة وعشرين مصدراً من بينها كتب وموسوعات وبحوث ودراسات خليجية عن الحياة البحرية في منطقة الخليج لمجموعة كبيرة من المؤلفين، وكذلك مواقع على الإنترنت لمؤسسات معنية بتراث الغوص، كما اعتمد المؤلف على روايات أكثر من 47 راوياً من أغلب إمارات الدولة، من بينهم غواصون وربابنة سفن ونهامون وصناع السفن الخشبية.

Email