قد يخضع لمسوغات التسويق واستثارة القارئ

العنوان عتبة النص ومدخل قراءته الأول

ت + ت - الحجم الطبيعي

وصف بأنه عتبة النص الأولى، ووضع له في فترة الثمانينات متخصصون لإعداده في بعض الصحف العربية، صنفته مختلف المراجع العلمية بأنه يعتبر ملكية فكرية للمؤلف، كونه الأحق في وضعه وتبنيه، ليصبح اليوم محط جدل بين المسوغ التجاري وفن استثارة القارئ.

وضمن مفهوم المصلحة الاستراتيجية أصبح الناشر ومؤسسات التسويق شركاء في تقديمه مع المؤلف إلى القارئ، وهو ما يسمى بالعنوان أو عنونة الكتاب. لذلك يتمحور السؤال حول ماهية أبعاد هذا التعاون في وضع عنوان الكتاب بين المؤلف ودور النشر وشركات التسويق؟

في تقرير أعدته (البيان) جمع بين بعض المتخصصين والعاملين في المجال، أكدوا أن مشاركة المؤسسات ودور النشر في اختيار العنوان مع المؤلف يعد شراكة نوعية تخدم الأطراف المشاركة على المستوى المعنوي والمادي، كل في تخصصه، معتبرين أن فن العنونة يحتاج إلى وعي بأهمية تحقيق معادلة الجمال وتمثيل المضمون. باعتبارها مفتاح دخول بصري للكتاب، ويعد تصميم الغلاف الوجه الآخر لها. ومن جهة أخرى، اعتبروا أن مفهوم العنوان يتعرض لهجمات فيروسية ويحتاج إلى مضادات حيوية تحميه.

 

أجواء مفتوحة

الأديب علي أبو الريش، مدير مشروع «قلم» الصادر عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، اعتبر أن العنوان اختزال وتلخيص لمضمون الكتاب، وفن يتعرض لمهاجمة متعددة الأطراف بين الأجواء المفتوحة، وتفاعلات المواقع الإلكترونية المختلفة في الأجواء المفتوحة، والتخريب الثقافي بين الصحف والمجلات الرخيصة، ودور النشر التجارية البحتة، يصبح مفهوم العنوان مصاباً بفيروسات تحتاج إلى مضادات حيوية عبر توعية القارئ في المؤسسات التعليمية، والإعلام بأنواعه، والمؤسسات الثقافية، باعتبارها مسؤولية مجتمعية.

 

صورة مستمرة

وأوضح أبو الريش أن الكتاب يعد توثيق موجود بصورة مستمرة، والعنوان مسؤولية تقع على عاتق الكاتب بالدرجة الأولى، بالذات في الموضوعات الفكرية، والأدبية، حيث يجب أن تكون مدروسة، وناضجة، كما أن أغلبها فقد القيمة الإبداعية الحقيقية من وضعه على غلاف الكتاب أو في مقدمة النص.

كما أكد الباحث المغربي إدريس الناقوري أن الوظيفة الإشهارية والقانونية للعنوان تتجاوز (دلالة العنوان) دلالاته الفنية والجمالية لتندرج في إطار العلاقة التبادلية الاقتصادية والتجارية تحديداً؛ وذلك لأن الكتاب لا يعدو كونه من الناحية الاقتصادية منتوجاً تجارياً يفترض فيه أن تكون له علاقة مميزة وبهذه العلامة بالضبط يحول العنوان المنتوج الأدبي أو الفني إلى سلعة قابلة للتداول، إضافة إلى كونه وثيقة قانونية وسنداً شرعياً يثبت ملكية الكتاب أو النص وانتماءه لصاحبه ولجنس معين من أجناس الأدب أو الفن.

وحول الموضوع، قال جمال الشحي، صاحب دار كتّاب للنشر والتوزيع، إن استثمار الثواني التي ينظر فيها القارئ إلى غلاف الكتاب والعنوان والمقدمة تعد ركيزة، ومنها نفهم أهمية العنوان لاستكمال قرار الشراء، والمساعدة التحفيزية للقراءة.

وأضاف أن اختيار العنوان والغلاف لدي يضاهي المضمون، وتصميم الغلاف يعد الوجه الآخر والمكمل له. كما بين أن توجه دور النشر إلى وضع شرط مشاركة المؤلف في اختيار العنوان يأتي ضمن تحقيق التسويق الأنجح للمؤلف والكتاب، تنفيذاً للخطة التجارية لدار النشر في تحقيق نسب البيع الجيدة.

وفي سياق الفكر المؤسسي ودوره في موجات النشر والتدخل في مضامين العنونة مع المؤلف، قال محمد بن جرش، مدير عام مجموعة مسارح الشارقة، إن الإصدارات التي تتبناها المؤسسات الثقافية التفاعلية في أوجه الثقافة المتعددة كالفنون بأنواعها تقع تحت خطط منهجية، وذلك لكونها تتحمل مسؤولية الترويج الثقافي بصورة أكبر عن دور النشر الخاصة، وذلك لأن المردود المالي، لا يمثل لها أولوية، بل تهتم في مضمون الكتاب وأهميته للقارئ، «نحن كمؤسسات متخصصة، نبحث عن النوعية وليس الكم في عملية النشر والطباعة».

مفتاح صول

وأكد الأديب عمر عبدالعزيز، مدير تحرير مجلة (الرافد)، أن العنوان منصة الانطلاق الأولى لعاملي الشكل والمضمون، ومفتاح صول بصري لما وراء الكتاب، معتبراً أن العنونة لا تستقيم على منهج أو مذهب معين، بل هو متعدد وجامع في آن واحد، كما يعتبر العنوان غامضاً بقدر وضوحه، وموارباً بقدر انكشافه. موضحاً أن السجع كان أبرز مناهج العنونة وسيد الموقف في مختلف كتب التاريخ العربية. ليصبح العنوان المعاصر اليوم مزيجاً بين المذاهب التي يلعب الإخراج والشكل دوراً في معايير نجاحها. علم العنوان

 

أُهملت دراسة فن العنوان عبر فترات طويلة، حيث التفت إليه بعض الدارسين والباحثين في الثقافة العربية والغربية، وأشاروا إلى مضمونه في مختلف المجالات ومنها: الأدب والسينما والإشهار، نظراً لوظائفه في مفاهيم المرجعية واللغوية والتأثيرية والأيقونية. كما حرصوا على إبرازه في دراسات عميقة، ليولد عبرها علم جديد مستقل، وهو (علم العنوان)، ومن أبرز الباحثين المعاصرين: جيرار جنيت، وهنري متران، ولوسيان كولدمان، وشارل كريفل، وروجر روفر، وليوهويك، الذي يعرف العنوان بأنه «مجموعة من الدلائل اللسانية يمكنها أن تثبت في بداية النص من أجل تعيينه، والإشارة إلى مضمونه الإجمالي ومن أجل جذب الجمهور المقصود».

Email