حل الشاعر والناقد اللبناني عبده وازن، مساء أول من أمس، ضيفا على منتدى الاثنين المسرحي، الذي تنظمه إدارة المسرح بدائرة الثقافة والإعلام في الشارقة في مجلس سوق العرصة في الشارقة القديمة، وقدم محاضرة تحت عنوان (هاملت: مونولوج أو النص الشكسبيري عرضا منودراميا)، وحضرها حشد من أهل المسرح والثقافة، وقدم لها الناقد السوداني محمد سيد أحمد.

وتأتي الورقة التي قدمها وازن في إطار مشروع كتاب يقوم باعداده في الوقت الحالي، حول المنودراما بشقيها النظري والتاريخي اعتمادا على دراسة قام بها لمجموعة من النماذج لأعمال منودرامية أوروبية وأميركية وعربية، حيث يحاول في هذا الكتاب الإجابة عن بعض التساؤلات، من نوع: كيف قام المخرج الأميركي روبرت ولسون بتحويل مسرحية هاملت الشهيرة إلى عمل منودرامي؟ وهل يمكن تحويل نص مسرحي إلى عمل منودرامي أصلا؟ وهي تساؤلات تبادرت إلى ذهن الناقد اللبناني وازن، بعد أن شاهد هاملت في باريس ولندن وبروكسل، ست مرات، وبعد أن كان مبضع ولسون الفني قد شق طريقه إلى نص شكسبير الأصلي من منظور منودرامي.

في واقع الأمر، تمكن وازن ليس من الإجابة عن هذه التساؤلات فحسب، بل من عرض عمل ولسون بطريقة نقدية لا تخلو من الإثارة والتشويق أيضا، وبدا منتصرا لهذا العمل بحيث نقل مستمعيه في المحاضرة إلى أجواء العمل المنودرامي بكل ما فيه من دقة وتفاصيل، بدءا بالقصة نفسها ومرورا بالإخراج والإضاءة والسنوغرافيا، وصولا إلى الديكور وأداء الممثل الذي قام به ولسون نفسه.

ونوه وازن إلى أن هناك إجماعا بين النقاد في العالم، على أن هاملت التي قدمها ولسون، هي أفضل عمل مسرحي يمثل في سياق أو داخل المسرحية نفسها، مؤكدا على أنه قام باعداد ملخص عن السيناريو الذي أعده ولسون، وهو يشكل الجزء الأول من الكتاب، بينما يدخل في جزئه الثاني بتفاصيل العملية الاخراجية وأدوار فريق العمل الذي عمل معه المخرج.

مداخلات بلبل وعبد القادر

وكان من الطبيعي أن تثير شخصية هاملت الشائكة وعمل وازن المعقد، موجة من النقاش والأسئلة بين المشاركين في الندوة، ولا سيما لجهة عقد مقاربة عربية لشخصية هاملت وكيف تم تقديمها من قبل المسرح العربي، حيث ذكر الأديب الدكتور عبد الإله عبد القادر بالعديد من التجارب العربية على هذا الصعيد، ولا سيما بتجربة سامي عبد الحميد الذي قدم هاملت في بغداد من منظار عربي وبطريقة موفقة تمكن من خلالها تقمص هذه الشخصية بكل جوارحها، حيث قام بأدوار المعد والمخرج والممثل، معتمدا على التراث الشعبي العراقي كما تحدث عبد القادر عن أهمية الشخصية الحسينية التي قال انها مؤثرة في كافة ميادين الابداع ليس من حيث أنها شخصية هاملتية فقط، وإنما لجهة أن هاملت نفسه استفاد من هذه الشخصية التاريخية.

ومن جانب آخر، أكد المسرحي السوري فرحان بلبل، أن شوقي كان رائدا لا يجوز أن نقارنه بشكسبير، لا سيما وأن ( سوريا قدمت مسرحيات أحمد شوقي على اوسع نطاق)، مضيفا ان فن المنودراما ( منتج إذا لم يكن له سوق لا يعيش. وبالتالي يجب أن نرده إلى أصله الاجتماعي، حيث يتقاطر الجميع إليه ومن ثم ينتقده)، وقال فرحان إن ( المواطن العربي يعيش عزلة داخلية شكلت بيئة خصبة للمنودراما، ومن يكتبون المنودراما العربية يعبرون عن المواطن العربي المأزوم والمهزوم)، متوقعا أن يزول هذا الفن من العالم العربي إذا انتصر المزيد من الثورات في البلدان العربية.

15 مشهدا

قال الشاعر والناقد عبده وازن حول إعادة تناول شخصية هاملت أو تدويرها بحيث اصبح الحديث يدور حول (أجيال هاملت):( كأن تلك الشخصية المأساوية التي غدت طوال عقود نموذجا ومثالا، لم تهرم ولم تستنفد كليا، كأن قسماتها ما زالت تخفي الكثير من الأسرار التي تحتاج دوما إلى من يكتشفها أو يحييها).

وأما عن النسخة الجديدة من هاملت التي قدمها المخرج الأميركي، قال وازن إن( روبرت ولسون شاء أن يقرأ هاملت من وجهة خاصة وخاصة جدا. ليس هو أول من عاود النظر في هاملت ولن يكون الأخير طبعا)، لكنه اختلق هاملت الخاص به (مسقطا عليه نزعاته وهمومه وهواجسه من غير أن يفقد ملامحه الأولى)، حيث (وجد في هاملت شبيهه البعيد وربما قرينه) بعد أن تعلق بشخصية هاملت التي انقلبت بين يديه إلى مونولوغ ساعده في كتابته لاحقا الكاتب الألماني فوفغانغ واينز بعد أن كان ولسون قد قسم النص الأصلي إلى 15 مشهدا، يمثل كل مشهد مرحلة من مراحل حياة هاملت وموته، مع أنه لم يلتزم بالبنية التي اعتمدها شكسبير، بل انتقل في اقتباسه للنص من فصل إلى فصل).