«لا بد أنها الجنة».. الصمت أبلغ من الكلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

أربعة أفلام فقط، كل ما في رصيد المخرج الفلسطيني أيليا سليمان، تتشابك في نصوصها رغم الفاصل الزمني بينها، في جلها تحمل نوعاً من الأمل.

وهو ما يبوح به فيلمه الأخير «لا بد أنها الجنة» الذي يعرض حالياً في سينما عقيل بدبي، فيه يستكمل «مصفوفة الأمل»، يغلف أحداثه بالسخرية والكوميديا السوداء.

ويستفز الناظر إليه كثيراً، لشدة صمته، الذي تجد فيه «جمالاً»، و«وطناً يحمله في رأسه، أينما حل».

منذ مشهده الأول، يبدو الفيلم مهموماً بفلسطين الوطن، كعادة إيليا صاحب «يد الهية»، الذي يتجول في فيلمه بين 3 مدن، أولها مدينته الناصرة، التي يتركها لوهلة ماضياً نحو باريس ومنها إلى نيويورك، يحاول أن يروي سيرته الذاتية.

ويسجل رؤاه لكل ما يجري حوله، فيقدمه بجرعة مكثفة من السخرية، تصل أحياناً إلى حدود النقد الحاد، فكل المواقف التي يمر بها، تشي بهذه الحالة.

والتي نكتشفها من خلال عيون إيليا نفسه، والذي يراقب كل ما يجري حوله، حيث يبدو أحياناً كطفل صغير يفتح عينيه للمرة الأولى على العالم، فتدهشه المشاهد، وتستدعيه إلى الغرق أكثر في التأمل، حتى خلال ممارسته لتفاصيل حياته اليومية.

في «لا بد أنها الجنة» قد تشعر لوهلة أنك أمام فيلم مشتت المشاهد والقصة، ولكن كلما مضيت فيه وأغرقت بالمتابعة، تكتشف أنك أمام لوحات فنية تنبض بالعبقرية وتفيض بالرمزية .

كما الأرقام العابرة في المشاهد 48 و52 و67، وجاره سارق الليمون، ورجال الأمن الذين يطاردون فتاة توشحت بأجنحة حمامة السلام وغيرها.

وقد جمعها المخرج بحرفية ليطرح من خلالها الكثير من التساؤلات، عن حالات شخصية واجتماعية، وهم فلسطيني. في هذه المشاهد لا يبوح إيليا بشيء.

ويفضل الصمت المستفز، يكتفي بإجابة مختصرة على سؤال سائق التاكسي، فيقول: «أنا من الناصرة، أنا فلسطيني»، تاركاً من بعدها الحديث للسائق.

فيلم إيليا يبدو كأنه مطعّم بالعبثية، ولكن في المقابل، تشعر أنه سرد لحكاية طويلة تمتد أصولها إلى 7 عقود وأكثر.

وفيه بحث عميق عن جذور الهوية، ويذكرنا بعمله القديم «سجل اختفاء» (1996)، يقدم فيه رسالة غير تقليدية، يجتاز فيها حرف «التقليدية»، مكرساً من خلاله انتماءه إلى «مدرسة اللاعنف الخطابي»،.

عبر اعتماده على مجموعة ثرية من الأغنيات العربية والغربية بدءاً من «بحلم معاك» وليس انتهاء بـ «عربي أنا»، والتي أضفت لمسة عذبة على إيقاع الفيلم، وجعلت منه عملاً شاعرياً.

Email