«منطاد».. نظرة على واقع أليم

ت + ت - الحجم الطبيعي

«بين عامي 1976 و1988 كان هناك نحو 38 ألف محاولة تسلل من قبل المواطنين الألمان النازحين إلى الغرب. على الأقل 462 قتلوا من النساء والرجال وأيضاً الأطفال على حدود الجمهورية الألمانية الديمقراطية»، بهذا الاقتباس يفتتح المخرج الألماني مايكل هيربغ، فيلمه «منطاد»، والذي مثل تمهيداً للقصة التي قرر هيربغ أن يرويها لنا، مشيراً في البداية أنها «قصة حقيقية» يهيمن عليها الحزن والاكتئاب، تدول حول عائلة تقرر الهرب من ألمانيا الشرقية إلى الغربية، باستخدام منطاد، لنتابع في الأثناء خطوات التحضير لهذه العملية، لا سيما بعد فشل تجربة العائلة الأولى، في اجتياز «جدار برلين»، والحدود التي كانت تشطر المدينة إلى نصفين، وسط حالة من الخوف، والترقب، كما نتابع أيضاً تحقيقات أمن الدولة، التي تسعى إلى معرفة أصحاب الفكرة، وبالتالي دوافعهم نحو الهرب، وهي خطوة كانت توصف آنذاك بأنها «خيانة عظمى لنظام الجمهورية الاشتراكية».

للوهلة الأولى يبدو الفيلم أشبه بـ «بروباغندا سياسية»، لا سيما وأن القصة تتطرق إلى الممارسات الأمنية التي كانت سائدة في برلين الشرقية، والتي تفرض عزلة تامة على سكان «الجمهورية الاشتراكية»، ولكن في الوقت نفسه، يمنحنا مايكل هيربغ، نظرة مختلفة عن الواقع الأليم الذي كان سائداً خلال الفترة من الستينيات وحتى نهاية الثمانينيات، وحالة الخوف التي كانت متأصلة في المجتمع الألماني آنذاك، حيث يتم «وزن كل كلمة تقال»، ويتم «تفسير كل تعبير أو خطوة» بميزان الأمن والفكر الذي كان سائداً آنذاك، وهو ما يبدو لنا في بعض الأسئلة التي يطرحها ضابط الأمن، في بداية الفيلم، خلال نقاش مع أحد الجنود، حول الأسباب التي تدفع الناس للهروب، ليحاول في الوقت ذاته، أن يقنع نفسه ومن حوله بأن «هروبهم» قد يكون جيداً للجمهورية، حيث تتخلص منهم، وهو ما يتكرر في مشاهد أخرى، خلال التحقيقات، حيث يسكن الخوف ملامح الوجوه.

وبعيداً عن تلك البروباغندا، واقتراباً من الفيلم، فقد نجح المخرج مايكل هيربغ، عبر مشاهد الفيلم في رسم الواقع الحزين، وتكريس ملامح الخوف، ليس على وجوه الممثلين فقط، وإنما على وجه المشاهد أيضاً، حيث تشعر أن كل مشهد من الفيلم قد كتب بلهجة كئيبة، قادرة على تحفيز النفس، بأن شيئاً ما سيقع، ولعل ذلك ما يجعل الفيلم مثيراً للاهتمام، كونه يذهب ناحية تحليل نمط الحياة الذي كان سائداً آنذاك، والدعوة إلى التفكير في الأسباب التي كانت تدفع الناس للهرب، خاصة وأن المخرج يفتتح فيلمه بمشهد متداخل، يمزج فيه محاولة شاب لعبور الحدود، ومجموعة أطفال يلقون نشيداً وطنياً، يخص الجمهورية الاشتراكية، ولعل ذلك ما زاد من قوة الفيلم، بأنه استطاع أن يقدم لنا صورة عن الدولة الاستبدادية، من خلال تقديم ظلها فقط.

 

Email