«رجل محظوظ».. سرد مشبع بالدراما

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لأفلام المخرج بيل أوغست نكهة خاصة، فمعظمها تأتي مشبعة بالدراما، أعماله تجد حظوة عند الكثير من عشاق السينما، كونها تتوسد الروايات الأدبية وتتخذ منها منهلاً غزيراً بالأحداث، ليحافظ المخرج السبعيني الحائز «سعفة» كان السينمائي الذهبية مرتين، من خلالها على وضوح خطه، بتقديم سينما غنية بالسرد والدراما، كما في فيلمه الأخير «رجل محظوظ» (A Fortunate Man) الذي تحتفي به «نتفليكس» على منصتها العالمية، بعد حالة التصالح التي جمعتها مع المخرج بيل أوغست الذي طالما اعتبر أحد سادة رواة القصة، وأبرز رواد السينما الاسكندنافية.

فيلم «رجل محظوظ» وعنوانه الأصلي بالدنماركية (Lykke-Per)، مقتبس عن رواية طويلة تحمل توقيع الروائي هيريل بونتوبيدان التي وضعها بين عامي 1898 و1904، ليبدو أن أوغست قد أمضى هو الآخر وقتاً طويلاً في صياغة الرواية سينمائياً، نظراً لطولها، حيث تتوزع على 8 أجزاء، وبالتالي فإن إيجازها على مدار ساعتين ونصف الساعة، فيه عمل شاق بلا شك، فيما يلعب بطولة العمل كل من إسبن سمِد، تامي أوست، جولي كرستنسن، بنجامين كيتر.

سطوة

في هذا الفيلم يأخذنا بيل أوغست إلى أواخر القرن التاسع عشر، حيث تقع الأحداث في الدنمارك، حول الشاب «بير» الطموح، والذي يقرر ترك قريته والسفر إلى العاصمة كوبنهاغن، للتخلص من سطوة والده المتدين والقاسي، ودراسة الهندسة ومحاولة تحقيق مشروعه الخاص، الذي يعتمد على فكرة توليد الطاقة باستخدام طاقتي المياه والهواء، وخلال رحلته في البحث عن مصادر تمويل لمشروعة، يتعرف «بير» إلى ثري يهودي يسعى إلى دعمه عبر تأمين التمويل اللازم له، وفي الأثناء، يقع «بير» في حب ابنته الكبرى «ياكوب» وسط دوامة من العلاقات والطموحات والتفاوت الاجتماعي بين الطبقات، ولكن بعد رحيل والدته وعودته إلى قريته، يبدأ «بير» بتغيير فكرته، فيتخذ قراراً بالانفصال عن «ياكوب» الأمر الذي يحرمه من المضي قدماً في مشروعه، لنجده في النهاية يعيش وحيداً رغم تأسيسه لعائلة صغيرة، تظهر فيها بعض من ملامح والده وطريقة تعامله مع أفراد العائلة.

من خلال السياق العام للفيلم، تبدو الدراما فيه مثيرة للاهتمام، فـ«بير» يبحث عن النجاح ويجده في كنف عائلة «تكاد تكون مثالية»، ونتابع رحلة اجتهاده على جبهة العمل، خاصة بعد انتقاله إلى النمسا للعمل في أحد السدود من أجل الحصول على الخبرة، وجبهة الحب الذي يربطه مع «ياكوب»، وفي كليهما يكون النجاح حليفه إلى حد ما، وصولاً إلى تخليه عن كل شيء، فيتحول النجاح إلى حالة من الفشل والبؤس، الذي يضطره إلى العودة لقريته الصغيرة، خالي الوفاض، وفاقداً لأحلامه التي لا تغادر الورق.

دلالات

تلك الدراما استطاع أوغست أن يلعب فيها على وتر المشاعر، وأن يغرز فيها الكثير من الدلالات، التي تظهر من خلالها الطبقية، والشعور بالدونية أحياناً، ومحاولة الهرب من الماضي وتبعاته، والتخلص من قيود العائلة وسطوة الأب المتشدد دينياً والقاسي في ملامحه وتعامله مع أبنائه، وهنا نجد أن أوغست يلجأ في بعض المشاهد إلى الكثير من السرد الخالي من الاهتمام، ليبدو لوهلة وكأنه عملية حشو غير ضرورية، قد تسبب الملل أحياناً، ولكن ذلك يمكن تبريره، بمحاولة الوفاء للرواية من جهة، ومن جهة ثانية، تقديم عمل متكامل، حتى وإن كان متضمناً مشاهد يمكن الاستغناء عنها بسهولة.

في المقابل، يبدو أن أوغست قد عمد إلى صبغ الفيلم بأجواء أسرة، وقام بترتيبها بطريقة مذهلة، لتبيان عملية التصاعد الزمني في الحبكة وصولاً نحو النهاية، التي يعود فيها إلى ذات المشهد الذي افتتح به أوغست فيلمه، لنعاين من خلاله الفرق الزمني بين المشهدين، ليؤكد أن فصل الحظ الحسن عن السعادة هو أمر ضروري، لأن أحدهما لا يوفر الآخر بالضرورة.

 

Email