«كل ما لديهم».. ألم الماضي والنسيان

ت + ت - الحجم الطبيعي

للوهلة الأولى، قد تصاب بالملل عند متابعتك لأحداث «كل ما لديهم» للمخرجة إليزابيث تشومكو، والذي يعرض حالياً في الصالات المحلية، ولكن سرعان ما تنفض عن كاهلك ذلك، كلما توغلت في متابعة تفاصيل السيناريو الذي منحته إليزابيت تشومكو بحقنة نشاط، وبثلة من الممثلين الذين يتمتعون بقدر جيد من الخبرة والنجومية، والذين ساهموا في رفع مستوى الفيلم الذي يفتح نافذته على ذكريات الماضي، ومرض الزهايمر بكل ما يحمله من ألم، فحكاية الفيلم تدور حول «بريدجيت» التي تضطر لاستقلال طائرة إلى مسقط رأسها، بعد تلقيها اتصالاً من عائلتها بأن والدتها المصابة بمرض الزهايمر، قد هامت على وجهها وسط عاصفة ثلجية، الأمر الذي يجبر العائلة على الاستنفار بحثاً عنها، ومع عودتها إلى الوطن، تقف «بريدجيت»، في مواجهة مع ماضيها، حيث تبدأ باستعادة أحداثه مجدداً.

الخوف

عند متابعة دراما «كل ما لديهم»، يتبادر إلى الذهن ما قدمه المخرج النمساوي مايكل هانيكة في 2012 من دراما في تحفته «الحب» (Amour) والذي لعبت بطولته آنذاك الممثلة القديرة إيمانويل ريفا والممثل جان لوي ترينتينيان واليزابيث أوبير، حيث فاض الفيلم بكمية كبيرة من الحب، وهو الذي يتناول قضية الخوف من الزمن.

الأمر ذاته، ينسحب على «كل ما لديهم» الذي يفتح النافذة على أطلال الماضي، والخوف من مرض الزهايمر بكل ما يحمله من ألم النسيان، علماً بأن هذا الخط تناولته أعمال كثيرة، لعل أبرزها فيلم «قدمي اليسرى» (1989) للمخرج الإيرلندي جيم شيريدان، وأبدع في تجسيد بطولته دانيال دي لويس، الذي ذهب في الشخصية إلى أقصى حدودها، لينال عنها جائزة الأوسكار كأفضل ممثل، وبالطبع لا يمكن الجزم بأن المخرجة إليزابيث تشومكو، قد وصلت في فيلمها إلى مستوى فيلم جيم شيريدان، ولكن ذلك لا ينفي اجتهادها في تقديم حبكة جميلة، ودراما عائلية صيغت بطريقة محترفة، حيث تمكنت تشومكو فيه، من تقديم صورة واضحة عن «أسرة تصرخ معاً، وتسعى إلى إيجاد حلول لمواجهة المرض الذي يفتك بذاكرة الأم»، وذلك من خلال عديد المشاهد، لعل أبلغها ذلك الذي يجمع «نيكي» و«بريدجيت» معاً حيث يخبر الأول شقيقته بأن أمه قد «ضربته»، لتعيد هذه الكلمة «الشقيقان» نحو الماضي، عندما كانا طفلين، ينعمان بحنان والدتهما.

إنعاش الذاكرة

من جهة ثانية، نتابع تصرفات الأب «بورت» (الممثل روبرت فوريستر)، الذي يرفض كافة محاولات إدخال الأم «روث» (بليث دانر) إلى دار العجزة، والتي تحمل اسم «إنعاش الذاكرة»، وهو ما يذكرنا بشخصية جان لوي ترينتينيان في فيلم «الحب» وحرصه الكبير على العناية بزوجته التي تتعرض لجلطة دماغية.

بين مشاهد الفيلم، تفاصيل كثيرة حرصت المخرجة تشومكو على تقديمها ضمن قوالب كوميدية، حاولت من خلالها الخروج من طبيعة الحزن والتعاطف الذي يصبغ الفيلم بشكل عام، وبلا شك فإن ممثلي الفيلم قد ساعدوها على تحقيق ذلك من خلال ما قدموه من أداء لافت، خاصة بالنسبة لهيلاري سوانك، التي ساهمت كثيراً في رفع مستوى الشخصية، لا سيما بعد مواجهتها لماضيها، ومعاينتها لعلاقتها مع ابنتها، التي تواجه إشكالية الفصل من دراستها، ليبدو أنها محاولة منها لترميم ما أحدثته الأيام من جروح في نفسها، وعائلتها.

Email