«قضية رقم 23».. جروح لبنان على الشاشة

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل تحول المخرج اللبناني زياد دويري إلى أشبه بجراح، في فيلمه الأخير «قضية رقم 23»، يشرح بمبضعه الجسد اللبناني، ليكشف عن الوجع الذي يعتمل قلبه؟، سؤال قد يكون مثيراً للتفكير بعد مشاهدة هذا الفيلم المرشح لجائزة الأوسكار، والذي نستكشف فيه بعضاً من مخلفات الحرب الأهلية اللبنانية، من خلال شجار فردي يبدأ بسيطاً، ولكنه سرعان ما يتضخم، ليصبح بحجم وطن، تتداعى فيه تفاصيل الماضي، لتطفو على سطح الحاضر.

سلام

ورغم عدم حمل هذا الفيلم لرائحة «التطبيع» كما في «الصدمة» (2012)، إلا إنه بدا «صادماً» في تفاصيله، فكل قضاياه ليست ابنة الحاضر، وإنما تعود إلى الماضي، والكل فيه يخشى الخوض فيها، حفاظاً على السلام العام، ليظل دويري هو الوحيد الواقف في منطقة الجرأة، عبر فتحه لبعض الصناديق السوداء التي تكاد تملأ الشارع اللبناني، لينقب فيها عن أحداث ماضية، خلفت جرحاً غائراً في قلب المجتمع.

مخالفات

من ناحية الحكاية، فهي عادية من حيث المنطق وسرد الأحداث، ولكنها لن تبدو كذلك، في حال إسقاطها على أرض الواقع، ففي الفيلم، نقف بمواجهة «طوني» (الممثل اللبناني عادل كرم) صاحب ورشة تصليح السيارات، وزوج ينتظر طفله الأول. يقيم في منطقة ذات أغلبية مسيحية في بيروت.

ومن خلال خطابات السياسي الراحل بشير الجميل، الذي كان قائداً عسكرياً للقوات اللبنانية، التي اعتاد طوني الاستماع لها، في ورشته، نكتشف انتماءه الحزبي والسياسي، وذات يوم يتم تكليف المهندس «ياسر» (الممثل الفلسطيني كامل الباشا) المقيم أصلاً في أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بتفقد المخالفات في الشارع حيث يقيم طوني، ويتصادف مروره مع قيام طوني بسقاية بعضاً من مزروعاته الموجودة في شرفته، ليتساقط الماء ويغرق ثياب ياسر، الذي سرعان ما يطلق العنان لشتائمه ضد طوني، الذي يبادره بذات التصرف، حيث يبدأ الخلاف ويحتدم بجملة طوني (يا ريت شارون محاكن عن بكرة ابيكن).

تلك الجملة، مثلت بداية التنفيس عن الغضب، الذي يكشف لنا عن ثقل الضغائن التي يحملها طوني ضد الآخر، لتنتقل دراما الفيلم نحو قاعات المحاكم، حيث تتحول القضية من شأن فردي، إلى محاولة البت بتاريخ الحرب الأهلية اللبنانية بأكملها، في وقت يحاول كلا الطرفين أن يبقي على أسراره مدفونة.

لعل اللافت في هذا الفيلم، هو عدم محاولة دويري إلى تقسيم المجتمع اللبناني ومحاكمة أفراده عبر فرزهم بين مذنب وضحية، مبتعداً في ذلك عن الوقوع في فخ «القاء اللوم» على أي طرف، لإدراكه بأن لكل واحد منهم آلامه وعذاباته، لينتهي الفيلم بتقديم الاعتذار، الذي يطالب دويري من خلاله بضرورة تعميمه على المجتمع.

Email