«واجب».. رحلة درامية في شوارع الناصرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تكد المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر تطل في 2008 بفيلمها «ملح هذا البحر» حتى وضعت لها بصمة جميلة في مسيرة السينما الفلسطينية، فقد استطاعت أن تقدم للجمهور ما تمتلكه من حكايات فلسطينية الهوى، على طبق من ذهب، لتعود مجدداً في 2013 حيث قدمت «لما شفتك»، لتعيد الى الذاكرة بعضاً من قصص اللاجئين، وها هي اليوم تطل في «واجب» لتدخل الجمهور العربي إلى البيوت الفلسطينية الموجودة في مدينة الناصرة، عبر سرد درامي مكثف، مغلف ببعض الكوميديا الخفيفة، لتعيد من خلاله ترميم العلاقة مع تلك البيوت التي لا يزال أهلها متمسكين بها، يرفضون الخروج منها كي لا تضيع في غياهب الاحتلال.


في «واجب» الذي توجه مهرجان دبي السينمائي كأفضل فيلم في دورته الـ14، تبدو الحكاية للوهلة الأولى عادية، وكأنها رحلة في شوارع مدينة الناصرة الفلسطينية، ولكن مع تتابع المشاهدة، نكتشف أن المخرجة آن ماري جاسر، تأخذنا نحو دهاليز المجتمع الفلسطيني، لتبين طبيعة الصراع بين الأجيال، بين من ظلوا في الأرض، ومن رحلوا عنها، ندخل معها في كل بيت، نستمع إلى حكايات داخلية لكل واحدة منها نكهتها وإيقاعها، ودروبها المتشعبة، حيث اعتمدت فيه آن ماري جاسر على البناء السردي المكثف.


شخصية محورية
الفيلم بشكل عام، يقترب في صيغته من «أفلام الطرق»، فالسيارة تكاد تكون فيه شخصية محورية، فعدا عن كونها تجوب بنا في شوارع مدينة الناصرة الواقعة في الأراضي المحتلة عام 1948، فهي تحمل رجلين «الأب والابن» (محمد بكري وصالح بكري)، وهما اللذان اتفقا على ألا يتفقا، فكل واحد منهما لديه عقليته، وطموحاته، نشهد خلال رحلتهما توزيع «بطاقات فرح عبير» بعضاً من خلافاتهما وكذلك اتفاقهما على بعض الأسس، ليبدو الأب والابن مجبرين على التعايش معاً على الرغم من اختلاف نظرتهما إلى الأشياء، بدءاً من أبسط الأشياء، مروراً مع التعامل مع المجتمع، وليس انتهاءً بالصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.


مأساة
في الفيلم، لا نشهد الاحتلال الإسرائيلي بصوره المباشرة، فقد استطاعت أن تقدمه آن ماري جاسر، بصيغه المبطنة، حيث يعمل بالخفاء، فمرة نراه في مشهد صريح، ومرة أخرى نراه في ثنايا الحوار بين الأب والابن من خلال خلاف سياسي ينشب بينهما، وأخرى في الحوارات داخل البيوت التي ندخلها، وهي الأمكنة التي استمد منها الفيلم قوته، حيث نشهد من خلالها على طبيعة الأوضاع التي يعيشها أهل المدينة الفلسطينية، التي حاولت آن ماري جاسر أن تبين من خلالها طبيعة المأساة التي يعيشها الفلسطيني دوماً، تلك التي حاولت آن ماري جاسر تخفيفها ببعض المواقف الكوميدية التي تثير في النفس الضحك، ولكنها تبكي القلب في الوقت نفسه، وخاصة أن الفيلم لا يغادر الناصرة أبداً، حيث تبدو كسجن كبير لمن يعيش فيه، ولعل ذلك واحد من مواطن قوة الفيلم، بأن قدمت جاسر المدينة كشخصية رئيسية في الفيلم، تأخذنا نحو واقعها المختلف تماماً عن مدن يافا وحيفا وعكا، لتدلل أن المدينة تعيش واقعاً مغلقاً، مليئاً بالتوتر والضغط، يحاول سكانها التعايش معه، ولكنه في بعض الأحيان ينفلت عن السيطرة، كما في مشهد العراك بالأيدي بين الشباب.


الفيلم اقتنص أيضاً في مهرجان دبي السينمائي جائزة أفضل ممثل والتي جاءت مناصفة بين محمد بكري وابنه صالح، حيث استطاعا معاً أن يدعما الفيلم كثيراً، وأن يقدما فيه صورة حقيقية عن الفلسطيني المرتبط بأرضه، وذلك الذي فضل الرحيل عنها.

Email