«آخر الرجال في حلب» تراجيديا استثنائية جمعت القوة بالإنجاز

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تزال لحظة إعلان فوز فيلم الخوذ البيضاء من إخراج أورلاندو فون أينشيديل، بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي العام الماضي، حاضرة في ذاكرة كل من تابع الفيلم والحفل على حد سواء، حيث تمكن من نقل المأساة السورية على الشاشة الكبيرة، تلك اللحظة قد تتكرر مجدداً مع فيلم «آخر الرجال في حلب» للمخرج فراس فياض، الذي استطاع أن يدون اسمه في قائمة الـ 15 فيلماً المرشحة لجائزة الأوسكار 2018 كأفضل فيلم وثائقي ناطق بلغة أجنبية، تمهيداً لخوض المنافسة على الجائزة نفسها في مارس المقبل، لتعيد المأساة السورية تجسيد نفسها مجدداً على الشاشة.

«آخر الرجال في حلب» فيلم استثنائي، لا يشبه فيلماً آخر، حيث يعد عملاً متكاملاً جمع بين القوة والإنجاز السينمائي والفن، واعتمد على رواية مقنعة عن أبطال يعملون في ظروف مستحيلة، ونكتشف مدى تمتعهم بالرحمة والإنسانية والشجاعة غير الاعتيادية، انه عمل صلب يمزج بين التزام صناعة الجرأة وعدم الخوف، وبين بسالة الآباء والإخوة والأصدقاء الذين تشكل سوريا أولويتهم.

4 شخصيات

«من هنا مرت حلب» ذاك ما يمكن لك أن تلتمسه خلال مشاهدتك لهذا الفيلم الذي يمتد لنحو 110 دقائق، تعيش خلالها جزءاً من التراجيديا السورية، وتتابع تفاصيل لعبة الموت التي تمارس في شوارع مدينة حلب، تلك المدينة التي تربى على يدها التاريخ، ومر منها، تلك اللعبة التي يشارك فيها الجميع بدءاً من رأس الهرم السوري، وحتى الدب الروس، بعد تدخله ومشاركته في حصار حلب، لنتابع تفصيل حياة 4 شخصيات من عناصر الدفاع المدني ـ الخوذ البيضاء، الذين يعيشون صراعاً داخلياً حول قرار البقاء في المدينة المحاصرة، لمساعدة أهلها، أم الرحيل عنها بحثاً عن حياة أخرى، في مكان ما. وما بين البقاء والرحيل، نشهد مدى جدية الخطر الذي يحيط بهذه الشخصيات وعائلاتها، وقدرتها على مواجهة الموت الذي قد يدق بابها في أية لحظة.

فراس استطاع بكاميرته أن ينقل لنا مشاهد الموت، والدمار الذي مرت به المدينة، من خلال حركة شخصيات «الخوذ البيضاء» الذي تعودوا على مراقبة السماء، وملاحقة الطائرات لمعرفة أين ستكون ضرباتها حتى تستعد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أهالي المدينة. في مشاهد كثيرة يترك فراس الحرية الكاملة لكاميرته لكي تتحدث عن الحدث، ولتنقل الصورة كاملة من دون رتوش، مستفزاً بذلك المشاعر التي لا تكاد تهدأ حتى تعود لأن تتوتر مجدداً، لفرط كمية الموت الذي يلاحق الأطفال والرضع، في مشاهد نقلها فراس بكل صدق، خاصة ذاك الذي يخرج فيه أحد رفاقه طفلة رضيعة من تحت الركام.

مشاعر إنسانية

فراس نجح في هذا الفيلم بضخ كم كبير من المشاعر الإنسانية، ما ميز مشاهد فيلمه عن تلك التي اعتادت شاشات التلفزة العالمية تقديمها ضمن قوالب إعلامية مجردة، فقد ركز على نقل ما يتعرض له سكان حلب من إبادة جماعية، وخسارتهم، حيث يقفون أمام مفترق طريق إما البقاء والموت أو الرحيل عن المدينة، لذا يمكن اعتبار فيلم «آخر الرجال في حلب» وثيقة مهمة لمجهود كبير قام به الدفاع المدني خلال فترة طويلة من الحصار.

Email