أوليفر ستون.. عملاق يطارد السياسة الأميركية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في هوليوود مخرجون كثر، ولكن قلة منهم استطاعوا التمرد على السياسة الأميركية ومطاردتها، وتوجيه سياط نقدهم لها عبر أفلام حملت الكثير من الجرأة وقدمت للجمهور ذائقة سينمائية مختلفة.

ومنحتهم وعياً واضحاً حيال السياسة الأميركية. من بين هؤلاء برز المخرج أوليفر ستون الذي يمكن وصفه بالعملاق الذي تمرد على السياسة الأميركية، لتدخله أفلامه قائمة »ألمع 100 مخرج في تاريخ السينما العالمية«، بعد أن تمكن من خلق تفاعل واضح بين السينما والسياسة، وهو الذي اعتاد »عدم التعامل مع التاريخ بوصفه مجرداً بل بوصفه تاريخاً نابضاً بالدراما.

وأن وظيفة الفيلم هي قراءة ذلك التاريخ الدراماتيكي، تاريخ الشعوب والثقافات كما الأفراد« وفقاً لتعبير ستون الذي لم يوفر منذ سلوكه لخط السينما أي فرصة لانتقاد السياسة الأميركية، ما جعل أفلامه ذات نزعة سياسية، ومنحها روحاً صادمة.

الخط المغاير للسياسة الأميركية بدأه ستون في باكورة أفلامه »السنه الأخيرة في فيتنام« (1971) والذي ينتمي إلى الروائي القصير، فقد أسس هذا الفيلم لسلسلة من الأفلام التي عبر فيها ستون عن »عقدة فيتنام« التي أصابت المجتمع الأميركي، ليبدو هذا الفيلم بمثابة ردة فعل للفترة التي عاشها في فيتنام (وصلها جندياً ضمن فيالق الجيش الأميركي عام 1967 وبقي هناك حتى 1968).

ثلاثية الحرب

قفزة ستون الحقيقية في السينما كانت في 1986، عبر فيلمه »بلاتون« (Platoon) الذي رأى فيه النقاد إحياءً لوجهة نظره الشخصية حول الحرب وقذارتها، في هذا الفيلم يتولى سرد أحداثه الجندي »تشارلي شين«، وهي شخصية مستوحاة من تجربة أوليفر ستون نفسه في الحرب. ففي هذا العمل صنع لنا ستون فيلماً حربياً مؤثراً يخلو من الخيال والخرافة.

ومن أي بطولات زائفة، فالراوي فيه بدا مترنحاً واقفاً على شفا انهيار عصبي، تعبيراً عن الحالة التي وصل إليها جنود الجيش الأميركي في فيتنام.

»بلاتون« الذي يعتبر أحد أفضل 10 أفلام في الثمانينات، شكل الحلقة الأولى في ثلاثية ستون »الفيتنامية« (صنعها عن حرب فيتنام)، حيث قدم في 1989 فيلمه »مولود في الرابع من يوليو« (Born on the Fourth of July)، ولعب بطولته آنذاك توم كروز، وفيه يستعرض حكاية جندي عاد لأميركا بعد إصابته في فيتنام، لينضم إلى مناهضي الحرب ويتظاهر معهم في يوم الاستقلال الأميركي.

واستكمل الثلاثية بفيلم »الجنة والأرض« (Heaven & Earth) (1993) الذي يروي فيه جانباً من الصراع في فيتنام، ولكن من وجهة نظر فتاة فيتنامية ولدت وترعرعت بقرية صغيرة، تكتشف عنف الشيوعيين في فيتنام الجنوبية والذين يجبرونها على الرحيل مع أسرتها لتسقط في قبضة »الفيتكونغ«.

فتتعرض للاغتصاب بسبب الشك بخيانتها، ليجري بعد ذلك ترحيلها لمدينة اخرى مع أسرتها وهناك يخدعها الشخص الذي تشتغل تحت إمرته وتحمل منه، لتكون خاتمة رحلتها مع ضابط في الجيش الأميركي يدعى »ستيف بتلر« (الممثل توم لي جونز) لتكمل مشوار حياتها في الولايات المتحدة.

ستون بنى ثلاثيته على كمية عالية من التراجيديا، حاول من خلالها التعبير عن رفضه للحرب، وساعده في ذلك اعتماده على قصص حقيقية، تخلو من الخيال وتوثق لطبيعة الصراع والحرب في فيتنام التي تحولت فيما بعد إلى »عقدة« صاحبت اولئك الذين شاركوا في الحرب.

الرئاسة

اهتمام ستون بالسياسة الأميركية وتوجيه سياط النقد لها، لم يقتصر فقط على ثلاثيته، وانما امتد نحو سدة الرئاسة الأميركية التي قدم فيها أفلاما يمكن تصنيفها في خانة »السيرة الذاتية«، أبرزها فيلم (JFK) (1991) الذي يتناول فيه اغتيال الرئيس جون كينيدي، وهذا الفيلم يعد جزءاً من قراءة ستون للتاريخ السياسي والاجتماعي، لكن في إطار نظرية المؤامرة، وعلى ضوء كتاب توثيقي للمؤلف زاخاري سكلار.

في هذا العمل يعلن ستون صراحة رفضه التام لأقوال الإدارة الأميركية حول قضية اغتيال كينيدي، ليحرض الجمهور على فكرة عدم الاستسلام للاعتقادات الواضحة. في حين تطرق ستون عبر فيلمه »نيكسون« (Nixon) من بطولة الممثل أنتوني هوبكنز، إلى السنوات العصيبة التي عاشها الرئيس نيكسون بعد فضيحة ووترغيت، وحاز عنه ستون آنذاك 4 ترشيحات للأوسكار.

في حين بدا توجه ستون بفيلمه »دبليو« (W.) (2008) مختلفاً، ففيه حاول استعراض الخلفيات غير المرئية لحياة المجتمع الأميركية وقواه الفاعلة، من خلال سيرة الرئيس جورج بوش الابن (الممثل جوش برولين)، ليعبر ستون فيه عن استغرابه من الطريقة التي وصل بها بوش إلى سدة الحكم.

ولع سياسي

ولع ستون بالسياسة وتفاصيلها، قاده خلال الألفية الجديدة لاخراج أفلام وثائقية، تطرق فيها للتحولات السياسة والفكر الاشتراكي الذي يسود بلدان أميركا اللاتينية، وفي هذا الإطار قدم فيلمين هما »القائد« (Comandante) والذي التقى فيه بالرئيس الكوبي فيدل كاسترو...

والذي عاد لتقديمه في »كاسترو في الشتاء«، فيما كان فيلمه »غرب الحدود« (2009) مناسبة لإجراء مقابلات مع 7 رؤساء من أميركا اللاتينية من بينهم الراحل هوغو شافيز رئيس فنزويلا السابق وايفو موراليس رئيس بوليفيا وراؤول كاسترو رئيس كوبا فضلا عن رؤساء الارجنتين والبرازيل والباراغواي.

وفي الاطار السياسي، لم يكن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي خارج حدود اهتماماته، حيث قدم فيلماً وثائقياً بعنوان »شخص غير مرغوب« (Persona Non Grata)، بهدف استجلاء هذا الصراع، إذ قابل فيه الرئيس الراحل ياسر عرفات وعددا من السياسيين الإسرائيليين.

مشاعر

اللعب على وتر المشاعر، طريقة استخدمها ستون في فيلمه »مركز التجارة العالمي« (World Trade Center) (2006) والذي نتابع فيه حكاية الجنديين الوحيدين اللذين تم العثور عليهما أحياء تحت أنقاض برجي مركز التجارة العالمي بعد انهيارهما في 11 سبتمبر، واستطاع فيه هز مشاعر الجمهور، لكمية المشاعر التي صاحبته، خاصة ..

وأن ستون في النهاية يستعرض صوراً كثيرة للفاجعة التي حلت بالمجتمع الأميركي اثر انهيار البرجين. ومن قبله قدم فيلماً بعنوان »دوران« (U Turn) (1997) الذي يتناول قصة رجل منحوس يتوه في الصحراء ويصل إلى قرية نائية مليئة بالمصائب والمكائد والغرائب.

وايضاً برز ذلك في فيلمه »قتلة بالفطرة« (Natural Born Killers) (1994) الذي يقدم فيه فكرة العنف والثورة بأسلوب عابث غير تقليدي، عبر حكاية شاب وفتاة يعشقان بعضهما..

ويقرران الثورة على المجتمع وعلى النظام لينطلقا في رحلة كلها قتل وتدمير وعنف صاخب. ميزة هذا الفيلم أنه يحمل توقيع المخرج كوينتن تارنتينو في السيناريو، فيما يلعب بطولته وودي هاريلسون وجولييت لويس، بهذا الفيلم يؤكد ستون على أصالة العنف في الذات الأميركية، ويُحمل الإعلام مسؤولية هذا العنف.

وول ستريت لم تفلت من قبضة ستون الذي لم يمر عليها مرور الكرام، وظهر ذلك بفيلمه »وول ستريت« (Wall Street)، ليرسم من خلاله الضغط النفسي الرهيب الذي يعيشه أحد سماسرة البورصة الشباب..

وقد اعتبر هذا الفيلم من أكثر الأفلام التصاقاً بستون كونه يقترب من مأساة عاشها شخصياً حين أدت تقلبات البورصة إلى طلاق والديه وتشتت عائلته، وأعاد ترجمة نقمه على »وول ستريت« في 2010 عبر (Wall Street: Money Never Sleeps).

»سنودن« هو عنوان آخر أفلام ستون، ومقرر أن تفتح الصالات أبوابها أمامه في سبتمبر المقبل، من خلال هذا الفيلم يكرس ستون قاعدة أنه أحد المخرجين المعاصرين الأكثر التزاماً في السينما الأميركية، ففيه يفتح ملف ادوارد سنودن، المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي، الذي قام في 2013 بفضح برامج التجسس التي كانت تستخدمها الحكومة الأميركية على نطاق واسع.

1986

شهد تحقيق ستون لقفزته السينمائية من خلال فيلم »بلاتون«.

7

رؤساء من أميركا اللاتينية قابلهم ستون لأجل فيلمه »غرب الحدود«.

50

مليون دولار ميزانية فيلم Snowden.

18

مليون دولار جمعها فيلم World Trade Center في افتتاحيته.

3565

صالة استضافت عرض فيلم Wall Street: Money Never Sleeps.

50

مليون دولار إيرادات فيلم Natural Born Killers في أميركا فقط.

DVD

Email