يطالب بانقلاب في المسرح، هاني مطاوع : قدمت مسرح القطاع الخاص بروح جادة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاثنبن 18 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 19 مايو 2003 خاض تجارب عديدة مخرجا وكاتبا في كل من مسرح القطاع العام والقطاع الخاص كما ساهم أعداد الأجيال الجديدة من المسرحيين في مصر وأكثر من بلد عربي كأستاذ بمعاهد الفنون المسرحية، ونحاول مرافقته في رحلته المسرحية الخصبة رغم إنشغالاته كرئيس للبيت الفني للمسرح المسئول عن كل مسارح الدولة في مصر، إنه الدكتور هاني مطاوع الذي تحدث لـ «البيان» عن بداياته واهم المحطات الفنية في مشواره الطويل. يقول لنا الدكتور هاني مطاوع: إن المحطة الأولى في حياتي بدأت بحالة تمرد. فبعد أن تخرجت من معهد الفنون المسرحية، لم يكن سني يؤهلني في رأي قيادات المسرح وقتئذ - ومنهم أساتذة لي - أن أتولى موقعا رسميا في مسرح الدولة بحجة صغر سن وكان إسمي قد طرح على الساحة المسرحية من خلال العروض الأكاديمية في المعهد، ولم أكن أملك وسيلة لتعديل وجهة نظر هذه القيادات، ومن هنا كان توجهي إلى العمل مع فرق الشباب والهواة، عملت على أن أقدم من خلالها مسرحيات جديدة لم يعرفها المسرح المصري من قبل، فللمرة الأولى قدمت مسرحية «هبط الملاك في بابل» على المسرح الجامعي عام 1967، ثم قدمت إيو نيسكو في مسرحية «جاك والمستقبل - وكان العصفوري قد سبق بتقديمه في مسرحية» المغنية الصلعاء - كان إهتمامنا العصفوري وأنا أن نقدم المسرح الجديد الذي وجد تقبلا جميلا من الجمهور، كما قدمت مسرحية الزنج للكاتب الفلسطيني معين بسيسو مركزا على فكرة التحريض في النص وجردت الديكور وإستخدمت أغاني للرحبانية، وكان هذا شيئا جديدة وقتئذ وعلى أساسها قدمت إستعراضات أشبه بلوحات النحت المرتبط بالحرية، مستفيدا من فنانين كبار مثل ديلا كروا وخاصة لوحته «الحرية تقود الشعب» وإستفدت أيضا من النحت الروسي عن الحرب الأهلية، كما كان لي دور في المسرح السياسي وأزعم أنني أول من قدمه في مصر من خلال عرض «البعض يأكلونها والعة» للمؤلف نبيل بدراني. كان هذا عام 1972 أي قبل حرب 73 فقد قدمت لقطات سريعة لإذاعة تنتقد الأوضاع الاجتماعية والسياسية، وكان هذا في فترة ساخنة من المد الشعبي في إنتظار الحرب ضد إسرائيل، والاحتجاج على حالة اللاسلم واللاحرب وعلى تصريحات السادات عن عام الحسم والضباب، التي كانت أحيانا مادة تندر للكاريكاتير، كانت فترة غليان وتوتر وترقب، وكان السادات يكسب وقتا للإستعداد، لكن الإحساس القوي كان سابقا للعقل لا يقبل أن يبقى جزء من الوطن لفترة أطول تحت الاحتلال وحادا لهذا الوضع وخاصة في فكرة أن الجبهة الداخلية في واد والحكومة والاستعدادات العسكرية في واد آخر وأن التصريحات السياسية غير مرضية بما فيه الكفاية، وقدمت هذا العمل من خلال شباب الجامعة، وكان من عوامل التسخين للمعركة قدمت على أكثر من مسرح واستمرت العروض شهرا ونصف وهي التي وضعتني في بداية الاحتراف. ـ إلى جانب المسرح السياسي قدمت ألوانا أخرى مختلفة، لعلها محطة أخرى؟ ـ في خلال تولى سميحة أيوب للمسرح القومي، قدمت لها نصا مسرحيا كتبته مع جمال عبد المقصود باسم «رسائل لم تكتب»، وقام بإخراجها المرحوم كمال ياسين بإسم «رحلة مع الحبايب» - وبعدها رشحتني سميحة أيوب أن اخرج مسرحية «رسول من قرية دميره» للكاتب محمود دياب وبعد بداية العمل في البروفات اعترضت الرقابة، فقمت بتقديم نفس المسرحية لفرقة البحيرة المسرحية بمدينة دمنهور، وتتناول المسرحية موضوعا حساسا بسبب ثغره الدفراسوار أثناء الحرب، عن قرية أحد أبنائها مجند في الجبهة وتصل إليهم الاخبار عن طريق راديو صغير، بدأوا يقلقون عما يحدث في الحرب، فأرسلوا رسولا من القرية إلى المدينة للإستفسار عن مسألة الحرب والسلام، يذهب ويعود بخفى حنين وخبر مؤلم وأن ابن القرية المشارك في الحرب قد مات، ضم العرض دراما إلى جانب أشياء كثيرة تحت السطور، وحقق نجاحا ملموسا وكان هذا لإحدى فرق المحافظات، ولفرقة إقليمية أخرى بالاسكندرية أخرجت مسرحية كانت مرفوضة - أيضا - من الرقابة هي «السبع سواقي» لسعد الدين وهبه. ـ من مسرح أكاديمي وسياسي ومناقشة لقضايا جادة إلى مسرح القطاع الخاص أو التجاري.وله متطلباته التي تغري الجمهور، ألا تجدها نقلة غريبة؟ ـ قدمت للقطاع الخاص «شاهد ماشفش حاجة» التي حققت نجاحا جماهيريا كبيرا وإستمرت ثلاثة سنوات، لم أقدمها بروح القطاع الخاص السائد، التي يدور منها على مثلث الغرام أو المطاردات الغرامية أو شخصية مضحكة ملفته للنظر، لكننا هنا طرحنا موضوعا أقرب للجدية، وهو الفرد أو المواطن العادي أمام السلطة، لم يكن هذا الموضوع من مطامح القطاع الخاص، ولم يكن النص الذي قدم لنا بداية يضم نكتة أو جملة مضحكة حتى المشهد الذي تناول المخبرين الاقوياء وهم يضغطون على المواطن الصغير الحجم على طريقة شابلن أو قل البطل الصغير الماكر أمام قوي القوى الباطشة الجهمة، كان هناك مجرد عسكري وأمامه وكيل نيابة يحقق، لم تكن هناك هذه البهارات التي وضعناها، كان هناك ما يشبه نظام هوليويدي في العمل مطبخ شارك كثيرون في أعداد الطبخة التي قمت بإخراجها، واستغل فيها سمير خفاجي ككاتب مستنير، وقد مارست أنا نفسي في المسرحية هوايتي للكتابة في مواقع كثيرة فأنا قد بدأت ككاتب قصة ثم إنحرفت مثل أرثو الذي قيل عنه أنه فنان تشكيلي ضل طريقه إلى المسرح، وقد قررت أن أعود للكتابة القصصية التي كنت أهواها بعد أن أتقاعد وانسحب تدريجيا من الاخراج، ولقد قدمنا مسرحية «شاهد ما شاشف حاجة» مع عادل إمام بفكر شاب وعملا جماعيا بذكاء. ـ قضيت مدة في بعثة لأميركا، ماذا إستفدت من تواجدك هناك؟ ـ درست الماجستير في أميركا، وكانت فرصة للدراسة ومشاهدة مختلف التجارب والإتجاهات المسرحية،وقابلت في واشنطن الدكتور رشاد رشدي وكنت مستعدا للعودة لأن درجة الماجستير التي حصلت عليها بعد دراسات وأبحاث نظرية وتطبيقية، اعتبرتها تؤهل للعمل والتدريس، إلا أن الدكتور رشدي اصر أن أواصل الدراسة للدكتوراه وبقيت بعدها فترة في أميركا إستفدت فيها من الاحتكاك بالثقافة الأميركية والتفاعل معها مما أحدث لي نوعا من الهزة بين تثبيت ورفض ومعارضة وجدل، وفهم أعمق لنظريات الادب، اكتشفت أن هناك علما حديثا ونظريات في النقد وقد أتضح أن كثيرا من المعارف التي تتاح لنا تعود للأسف إلى بدايات القرن العشرين أو القرن التاسع عشر وأننا لم تدخل بالعمق الكافي في تدريس المسرح والنقد المسرحي، ومن هنا بدأ اهتمامي بمسألة المنهج، منهج التفكير وفي تحصيل المعارف وتبويبها بفكر واضح، والأهم هو التحاور أو النوافذ المفتوحة على الثقافات دون التنازل عن الهوية هذا إلى جانب مشاهدات مكثفة للمسرحيات والافلام. ـ ثم عدت إلى القاهرة؟ ـ كان اهتمامي الاساسي بالتدريس في معهد الفنون المسرحية والمساهمة في تربية جيل جديد مثقف،وأسعدني أن أقيم علاقات طيبة مع طلابي مازالت حتى اليوم. ولم أكتف بالإخراج في المسارح المحترفة، فقد أخرجت لإحدى فرق الهواة مسرحية «المهرج» للكاتب السوري محمد الماغوطي.كانت تجمع بين الجد والهزل في إسقاط عصري، ولمسرح الدولة أخرجت«دماء على ستار الكعبة» للشاعر فاروق جويدة، ونالت تقديرا نقديا وجماهيريا وللقطاع الخاص قدمت «خشب الورد تأليف على سالم وبطولة محمود عبد العزيز في أول ظهور له على المسرح ثم «شباب إمرأة» للكاتب أمين يوسف غراب، وفي نفس الوقت قدمت عملين تجريبيين: «رحلة قطار» لتوفيق الحكيم و«أهل الكهف» لمحمود دياب، وأعددت مسرحية «مدرسة الازواج» عن موليير التي قدمت على المسرح القومي. ـ قدمت خبراتك المسرحية في أكثر من بلد عربي؟ ـ قضيت عاما دراسيا في الكويت قبل الغزو في التدريس بمعهد المسرح واخرجت مسرحية «فاوست والأميرة الصلعاء» أما في سلطنة عمان فقد ذهبت في لجنة مع الاستاذين سعيد خطاب وجلال حافظ من أجل التخطيط لإنشاء قسم للفنون المسرحية بكلية الآداب بجامعة قابوس، وطلبت منى إدارة الجامعة أن أبقى لرئاسة القسم، وقد مكثت فترة هناك حيث تخرجت خلالها دفعة سافر بعضها في بعثات إلى أميركا. ـ مسرحية «كل إنسان»، لها أساس في المسرح العالمي، وتقدم كل عام في مهرجان سالزبدرج. ماذا كانت رؤيتك لها؟ ـ مسرحية «كل إنسان» نص مجهول المؤلف يعود إلى العصور الوسطى ويضيف تحت باب الدراما الاخلاقية التي تقدم عظة للمتفرج، يقصد منها الإرشاد.وقد أخذت منها الفكرة الأساسية فقط في هذه المسرحية وهي أن الإنسان لا يصحبه في حياته إلا عمله، وقمت بتأليف العالم التخيلي الذي يمثل تجربة مثقف قد يكون هو واحدا منا مرموقا وعضو حزب أو كاتب سياسي شهير ورجلا أعزب له جولاته في عالم النساء، وتبدأ المسرحية في يوم من أيام النحس يتعطل به المصعد، ثم يتعرض لنحس أخر حينما تحاول إمرأة كانت على علاقة به أن تنتحر ليلة زفافه، ثم يصاب في حادث إطلاق نار، وتبدأ رحلة أخرى في العالم الآخر رحلة تخيلية بين الموت والحياة. ـ في موقعك كرئيس للبيت الفني للمسرح كنت عضوا بلجنة تنظيم مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، كيف تجد الحركة التجريبية ومرودوها؟ ـ لا أوافق الهجوم على مهرجان المسرح التجريبي وأن كان هذا لا يعني أنني أوافق تماما على كل ما يقدم فيه بعض ما يقدم لابد أن نتعامل معه بوعي، هناك نقص في التوعية للشباب بالنسبة لما يقدم. لعل عشاق السينما أفضل حظا لأنه من خلال القنوات الفضائية وأشرطة الفيديو يتمكنون من مشاهدة أحدث الافلام في مختلف بلاد العالم، هذا لم يكن موجودا من 20 أو 30 سنة،أما في مجال المسرح فإن هذا لا يتحقق للشباب حتى لطلاب معهد الفنون المسرحية، لا نعرف ما يحدث في العالم، كل ما يعرفونه معلومات، ربما أن هناك مستويات أعلى لا تستطيع أن نحضرها لأنها مكلفة، ونتمنى أن ندعو بين حين وأخر بعض المخرجين المسرحيين الكبار لتعرض علينا اراءها حتى على هامش المهرجان، كما لابد أن ننبه أن التجرب المسرحي العالمي تتحرك فيه تيارات مختلفة هناك تجريب يتحرك بمحاذاة النص ومن خلال النص هناك تجريب يتحرك ضد النص بتعمد تحطيمه وللأسف لاحظت من خلال حضوري كحكم أو مشاهد لمهرجانات مسرحية في العالم العربي أن هناك إتجاها لتحطيم النص والتقليل من أهمية الكلمة المهم التوعية بمفاهيم التجريب المسرحي العالمي مثلا وعندما كنت في أميركا في السبعينات كان المسرح التجريبي الذي إشتهر منذ الستينات يلفظ أنفاسه الأخيرة، وكان أغلبه قائما على تحطيم النص والدعوة إلى الإرتجال بكافة مستوياته هذا كله قد إنتهى، ووصلنا إلى قناعة بأن النص سيظل هو الركيزة الأساسية للعرض وأن أي إبداع لابد أن ينطق من النص المسرحي وبمؤازاه النص المسرحي وليس بإضعافه أو الغائه. حقيقة هناك مخرجون عالميون كبار مثل بروك ومايرهولد وجروتوفسكي أو أرتو الذي أعلن أن لا روائع بعد اليوم وأن كل التراث المسرحي يجب أن يلقي به في القمامة، وأرى أننا نحن مازلنا وليدي التجربة وكنا حتى الستينيات نقلد المسرح الأوروبي، ولما بدأت تتكون لنا شخصية لا يجب أن نحطم هذه الشخصية ونهجر النص لأن عماد تراثنا الادبي والمسرحي هو في وفرة النصوص وقيمة الكاتب وأرى أن هذا الإتجاه التجريبي قد اثر في المؤلف المسرحي في الفترة الأخيرة، ولم يعد هناك تيار كما كان في الستينات حيث كان هناك جيل كامل من المؤلفين، له مزاياه، الآن كتاب المسرح قلة أكثرهم يتجه إلى الكتابة للتليفزيون ولا يشكلون تيارا، كأنهم جزر تائهة وأكبر خطر يهدد المسرح المصري هو غياب المؤلف. القاهرة ـ فوزي سليمان:

Email