عندما يتحول الحلم إلى كابوس، السينمائيون يتحدثون عن مستقبل الفيلم الأميركي في الوطن العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاثنين 4 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 5 مايو 2003 كيف سيكون شكل الحلم الأميركي خلال الفترة المقبلة في السينما العربية وكيف ستصور السينما شخصية الأميركي وهل ستتحول هذه الشخصية الى بديل للشرير التقليدي في السينما وماهو تأثير العدوان الأميركي الغاشم على العراق على هذه الشخصية تحت وطأة القصف الوحشي الذي أظهر الوجه القبيح لأميركا والذي سوف يؤثر بلا شك على الشخصية الأميركية في الدراما خلال الفترة المقبلة. هذه الاسئلة وغيرها تشغل الساحة الفنية في مصر خاصة أن الحلم الأميركي شغل مساحة كبيرة من اهتمام السينمائيين المصريين منذ وقت مبكر وتباينت معالجة هذا الحلم صعودا وهبوطا تبعا للظروف السياسية في كل مرحلة والعلاقة مع الآخر الأميركي الذي تم تصويره تارة في صورة الكابوس وتارة أخرى في صورة الوهم وتارة ثالثة تم تصوير المجتمع الأميركي باعتباره النموذج والحلم الذي يراود خيال الجميع والمستعرض للأفلام التي عالجت الحلم الأميركي في السينما العربية بدءا من فيلم «أميركاني من طنطا» الشهير منتصف الاربعينيات ومرورا بفيلم يوسف شاهين «إسكندرية ليه» الذي قدم من خلاله بطله محسن محيى الدين الحلم بنجومية هوليوود هذا فضلا عن أفلام «زيارة السيد الرئيس» لمنير راضي و«أرض الأحلام» داود عبدالسيد و«أميركا شيكا بيكا» خيري بشارة و«هاللو امريكا» نادر جلال و«تايه في اميركا» وغيرها من الافلام سوف يلاحظ تباينا شديدا في نظرة السينما للشخصية الاميركية وللحلم الأميركي وللعلاقة مع هذا الآخر الأميركي بعد الحرب البشعة التي شهدتها العراق، ولا شك أن الصورة سوف تكون اكثر تباينا. رئيس جهاز الرقابة على المصنفات الفنية الدكتور مدكور ثابت يؤكد ان الرقابة لم يصلها اية اعمال تعالج شخصية الأميركي حتى الآن ويقول لم يكن هناك انعكاس مباشر على الاعمال التي تقدمت للرقابة للحصول على تصاريح رقابية مضيفا أن العمل السينمائي يختلف عن باقي الأعمال ولا يجب أن ننتظر ردة الفعل السريعة من السينما ويضيف قائلا: لكن الذي لا يمكن انكاره ان الفنان والمبدع لا ينفصل عن واقعه وإن كنت أرى ضرورة التفريق بين الإدارة الأميركية والسياسة التي تثير الحنق والرفض بين الشعب الأميركي وكذلك الحال بين الادارة البريطانية المرفوضة في الشارع البريطاني نفسه ورئيس الوزراء توني بلير وبين الشعب الانجليزي الذي يخرج في تظاهرات تقدر بالملايين الرافضين للحرب ولسياسة الحكومة ومتضامنين مع الشعب العراقي والشعوب العربية، اذن فالمعالجة لا يجب أن تاخذ شخصية الأميركي او الانجليزي على اطلاق وانما قد تكون هناك في المعالجة الدرامية شخصية اميركية شريرة واخرى طيبة وكذلك الحال مع الشخصية الانجليزية. الكاتب مدحت العدل مؤلف فيلم «أميركا شيكا بيكا» يقول لا شك أن بشاعة العدوان الأميركي والمشاهد التي تبثها وسائل الاعلام يوميا للضحايا المدنيين سوف تؤثر على صورة اميركا ليس في العالمين العربي والاسلامي فقط بل في العالم كله لدرجة أن الكثيرين قد يعيدون النظر في صورة الحضارة الأميركية اذا كان لهم حضارة لأن هذه البشاعة التي نراها لا تدل سوى على الهمجية وتؤكد أن القائمين بهذه الممارسات لا توجد لديهم أي حضارة فقد أعادوا التاريخ مئات السنوات للوراء لعصور الاستعمار والعدوان على الشعوب المسالمة. وعن تأثير ذلك على السينما وصورة الأميركي يقول مدحت العدل لا شك أن الحرب سوف تؤثر كثيرا فقد كنا في السابق نرفض الانبهار بثقافة الهامبورجر الأميركية الاستهلاكية الفارغة كما صنعت في فيلم «أميركا شيكا بيكا» الذي قدمت من خلاله الوهم الأميركي أما الآن فالقضية اكبر من مجرد الانبهار بقشور ولكن يتعلق برفض الهجمية والبربرية وترويع الآمنين وقتل وتشريد الاطفال. ويقول النجم محمود حميدة بطل فيلم «الآخر» الذي قدم صورة الأميركي المستغلة والصانعة للارهاب مايحدث الآن يفوق كل خيال ويعبر عن الهمجية ويكشف الوجه الأميركي القبيح في مواجهة اعرق حضارة في وجه الارض ويضيف حميدة قائلا لا أعتقد أن السينما سوف تستوعب مايحدث الآن لأن مايحدث يحتاج الى تأني والى كثير من الوقت حتى يمكن تحليله والرد بموضوعية على الصورة الزائفة التي قدمتها السينما والتي تسقط الآن مع سقوط المدنيين وارتفاع النسبة المؤيدة لهذه الحرب الظالمة في المجتمع الأميركي نفسه ممايؤكد أن هذا الشعب لا امل فيه ويجب على العرب أن يعيدوا كل حساباتهم. أما المخرج السينمائي منير راضي الذي سبق له أن صور الحكم الأميركي في فيلمه الشهير «زيارة السيد الرئيس» فيقول قبل الحرب الدائرة حاليا كانت مشاعري الشخصية تحمل العداء والكره للسياسة والادارة الأميركية لكن بعد ان بدأت الحرب لم اكن أتصور أنهم بهذه الفظاعة والوحشية وبالرغم من أن الشخصية الغريبة معروف عنها انها لا تعاني الازدواجية الا أنه اتضح لي بعد هذه الحرب أنهم شديدي الكذب والخداع والنفاق والقسوة والازدواجية فنحن نعلم أن الحرب قاسية ولكنها ليست الى هذه الدرجة التي تقحم فيها المدنيين العزل وأتصور أنني عندما افكر في عمل فيلم آخر أعالج فيه الشخصية الأميركية سيكون مختلف تماما عن السابق وسأوضح فيه صورة الشيطان الأميركي ويضيف منير راضي قائلا عندما قدمت فيلمي «زيارة السيد الرئيس» اقتربت من الحلم الأميركي الأقرب للوهم الذي يزرعونه ويتركون ضحاياه وكنت اقدم ادانة للشخصية التي تعيش في هذا الحلم الكاذب ولا توجه جهدها للانتاج وبالتالي تستحق أن تكون تحت السيطرة الأميركية اما الآن فالمسألة اكبر ولكن المشكلة الحقيقية أن الشعوب العربية لا تزال ساكنة ومستكينة حتى بعد أن استبان لها هذا الوجه بالغ القبح أما الناقد ورئيس المركز القومي للسينما علي أبوشادي فيرى أن السينما المصرية في الوقت الراهن عجوز عاجزة لا يعول عليها في معالجة أية قضايا حتى ولو في معالجة قضايانا الاجتماعية الداخلية العادية فما بالك بطرح القضايا السياسية المهمة ويقول أتمنى أن تقدم السينما نوعا من الحوار الراقي والمعالجة القائمة على تحليل القضايا بشئ من التعمق ولكن لا أتوقع ذلك لأني ارى أن الذين يكتبون سينما الآن لا يعنيهم هذا وعلى اقصى تقدير يمكن أن تستبدل شخصية الأميركي في السينما بشخصية أي شرير آخر. ويضيف علي أبوشادي أن أميركا التي عالجها يوسف شاهين مثلا في فيلمه «المهاجر» والتي انقذت مصر من العدوان الثلاثي ليست هي بالتاكيد أميركا التي تسيطر عليها الآن الفاشية والنازية والأصولية الدينية التي تصل نسبة الموافقين على حرب العراق فيها الى 74% وبالتالي فإن الوجه الأقرب الآن هو أميركا التي قدمها شاهين في فيلمه «الآخر» ويقدمها الآن في «الغضب» الذي يصوره حاليا والتي غضب منها بعد أحداث 11 سبتمبر ولا أدري بعد هذه الحرب القذرة هل تطور غضب جو منها الى كره أم لا وأتمنى أن يكون قد تطور هذا الغضب الى كراهية ويستطرد أبوشادي قائلا رغم ذلك أتمنى أن يكون هناك نوعا من الحوار الدرامي مع هذه الشخصية الأميركية عند معالجتها سينمائيا وأن لا يتم التعامل معها ككتلة صماء مثل تعاملنا مع المجتمع الاسرائيلي مثلا القائم على فكرة الشيطان لأن المجتمع الأميركي يختلف فكما أن هناك مشجعين للحرب ومشعلين لها فهناك مناهضين ايضا وفي المجتمع الأميركي توجد شخصية رامسفيلد الى جانب الكثير من الشرفاء الذين يرفضون السياسة الأميركية مثل المخرج مايكل مور وغيره فأتمنى التعامل مع الاخر بقدر من الفهم. ويتفق الكاتب فايز غالي في التقليل من شأن السينما وقدرتها على اثارة قضايا متسائلا هل نمتلك سينما في مصر حتى نقدم فيها صورة الأميركي أو غيره ويقول أن السينما المصرية تعرضت لمخطط حتى لا تكون فاعلة أو قادرة على تقديم أي موضوعات اجتماعية او غيرها . سويضيف قائلا لست من المؤمنين بنظرية المؤامرة ولكن انتحار السينما المصرية كان مخططا اقتصاديا لأنها كانت السينما الوحيدة المنافسة للسينما الأميركية في العالم العربي والشرق الأوسط فقد كان الفيلم المصري هو الأول في السوق العربية وتراجع أمام الفيلم الأميركي الذي استولى على دور العرض ويستطرد فايز غالي قائلا للاسف ان الاميركان قادرون من خلال السينما على محو الصورة الاجرامية لهم من الاذهان وتحويل خستهم ونذالتهم وجبنهم وقدرتهم على الكذب والخداع الى بطولة وشرف وتقديم انفسهم على انهم أصحاب حق وانهم مبعوثي العناية الالهية لنشر الحرية والديمقراطية في العالم وتشويه الآخرين. القاهرة ـ نيرة صلاح الدين:

Email