من ذكريات مريم فخر الدين ـ الحلقة الرابعة ـ محمود ذو الفقارعاقبني بإنتزاع ابنتي بعد الطلاق، فيلم « حكاية حب » عرّفني بكبار السياسة والفن والأدب

ت + ت - الحجم الطبيعي

الخميس 26 ذو الحجة 1423 هـ الموافق 27 فبراير 2003 في عام 1951 كان عام المجد والشهرة في حياة مريم فخر الدين فلم تكد تنتهي من فيلمها الأول حتى وقعت بطولة فيلمين جديدين وهي الفتاة المراهقة التي لم تنضج بعد تحاصرها الأضواء ويجري وراءها المنتجون وتغرى بآلاف الجنيهات لكن قوة الأب وثقافته كانتا سر ارتفاع اسمها في دنيا الفن على أن ذلك لم يدم كثيرا ففتاة بهذا القدر من الجمال وهذا النجاح لم يكن ليهملها الرجال ولا يفكرون في الزواج منها حتى ولو كان عمرها ست عشرة سنة. تقول مريم فخر الدين عن حياتها في تلك الأيام البعيدة: لقد حققت أسما لمع سريعا خاصة بعد نجاح فيلم «ليلة غرام» والذي كان أجري عنه 1000 جنيه مصري، وفي ستة أشهر قدمت فيلمين آخرين هما «المساكين» و«لاتنام» واجري زاد عن الفيلم الثاني 500 جنيه، وعن الثالث 500 أيضا ووالدي كان يشترط عدم وجود قبلات ولا أحضان في الفيلم. وكان يأخذ أجري ويوقع بالنيابة عني لأنني قاصر ويضع اجري في حساب خاص فتحه باسمي في البنك وقال لي: طول ما أنت في بيتي فلوسك لك ولا يدخل منها مليم لا في جيبك ولا في المنزل. وعندما تزوجت أعطاني دفتر شيكات ورقم حسابي في بنك مصر الجيزة والذي كان أمام منزلنا. نقاش انتهى بالزواج وتضيف مريم: عندما جاء الفيلم الرابع «الشك القاتل» طلب والدي أجرا لي قدره ثلاثة آلاف جنيه ورفض محمود ذو الفقار هذه الزيادة، وظل «شهراً كاملاً» كل يوم يأتي لزيارتنا للتأثير على أبي في خفض الأجر وعندما اخفق فاجأ أبي بقوله: ماذا لو تزوجتها كم سأدفع؟ فرد عليه والدي بجديه: هذه حكاية ثانية ـ سأسألها لك؟ وجاء والدي إلى البلكونة وقال لي: محمود ذو الفقار يريد أن يتزوجك ما رأيك وكان يكبرني بحوالى 23 عاما فقلت لوالدي: أنا لم أره جيدا فدخلت لأراه فوجدته رجلا يرتدي بدلة كحلي وقميصا أحمر وفاتح زراير القميص فقلت لبابا: موافقة. وأنا لم أخد بالى أنه أكبر مني بهذه الدرجة الكبيرة لان شكله كان راجلاً عادياً، وأي ست في الدنيا لازم تتزوج راجل. فوافقت ودفع محمود ذو الفقار مهرا لي 300 جنيه. كان نفسي أعمل فرح وألبس فستان لكن محمود قال: أنا لا أجلس في «كوشة» مع عيلة فوافقت. وبعد شهر من زواجي توفي والدي في حادث بالسيارة فتبناني محمود ذو الفقار ـ وكنت سعيدة معه بأشياء كثيرة منها أنني صرت أرد على التليفون، وعندي «أشيك» الفساتين الاوروبية وأغلاها وكان يغير لي السيارة كل عام كما كنت أذهب للبلاجات. كانت شهرة محمود ذو الفقار كمخرج وشهرة مريم فخر الدين كممثلة سببا في أن يعيشا حياة سعيدة أمام المجتمع والناس بعيدا عن جوهر المأساة في هذه العلاقة التي ستكتشفها مريم بعد سنوات من زواجها وعندما تصل لمرحلة النضج وراحت المجلات الفنية تسلط الأضواء على حياتها وتنشر تفاصيلها وأسرارها خاصة بعد ولادة ابنتهما إيمان والجميع اعتبرها زيجة مثالية نادرة، لم يكن احدا يعلم ما يختلج بصدر مريم فهي لم ترتد ثوب زفاف، ولم تلتقط الصور التذكارية مع عريسها لتضعها في ألبومها تلك الصورة التي تعتز بها كل زوجة ولعل هذا ما دفع البعض إلى الكتابة عن حياتها بقليل من الفانتازيا والسخرية ففي مارس 1952 نشرت الكواكب موضوعا مصورا عنهما تحت عنوان يعيشان على طريقة «تلاميذ المدرسة» وجاء فيه: «أن الحياة بين الزوجين الصادقين مريم فخر الدين ومحمود ذو الفقار تسير على طريقة تلاميذ المدرسة فهما يذهبان الى الأستديو سويا، ويعودان سويا أما داخل شقتهما الأنيقة، فهما يتبعان نظم فرق الكشافة التي تقوم على التعاون إذا بدا لمريم أن تشتغل «بلوفر» سارع محمود بمد ذراعيه لفرد الصوف وإذا طاب لها أن تجهز طبقا من «الملوخية» هرول محمود الى أغصانها الخضراء يغسلها ثم «يقرطفها» أما البيت نفسه فهو عش هادئي جميل ونشرت مع الموضوع صور لهما معا تصور تفاصيل حياتهما الزوجية. كانت مريم بالنسبة لمحمود ذو الفقار الفرخة التي تبيض ذهبا أجرها في ازدياد، تاركة الأمور يصرفها كيفما يريد وهي تقول: كان عندما يعرض علي فيلم أقول للمنتج أو المخرج اذهب لمحمود ذو الفقار وهو الذي كان يوافق على السيناريو وما على إلا توقيع العقد ويقبض هو أجري بدون أن أعرف قيمته فكنت أثق فيه وأتعامل معه على أنه والدي. انقلاب ومع إسناد بطولة فيلم «حكاية حب عام» (1959) الذي لعبت بطولته أمام عبد الحليم حافظ انقلبت حياتها رأسا على عقب وبدأت تعيد تفكيرها في علاقتها بمحمود ذو الفقار وفي ثقتها به وهي تقول عن هذه التجربة الفاصلة في حياتها: «عندما بدأت فيلم حكاية حب مع عبد الحليم حافظ أصبحت من المع النجمات في الاستديو هات، وبدأ يأتي لزيارتي نجوم كبار في السياسة والأدب والصحافة». ويوما حضر عندي يوسف السباعي في الأستديو وقال لي: مبروك ـ وجلس معي وحكيت معه وكذلك على أمين وشقيقه مصطفى أمين وإسماعيل الحبروك وجاء لي مخرج «حكاية حب» حلمي حليم وقال لي: «مش عيب عليكي يا مريم كل الناس دية تيجي لتهنئك وأنتي متعزميش عليهم بأي حاجة ـ أنتي بخيلة؟ فضحكت وقلت له: وكيف يحدث ذلك وأنا كل مصروفي ربع جنيه فقط؟ أجيب لهم منين قيمة الضيافة؟ فقال لي: معقولة انت نجمة وأجرك 3 آلاف جنيه فحكيت له حكاية محمود الذي يحصل على كل فلوسي وبالاتفاق معه قدم لي فكرة كانت هي التي تسببت في طلاقي والفكرة هي أن أتفق مع المنتج على الفيلم الجديد شريطة أن يكون أجري 6 آلاف جنيه من دون علم زوجي وأن أعطيه 3 آلاف وأحصل أنا على الباقي سرا. وأثناء تصويري فيلم «حكاية حب» جاء لي منتج وعرض على فيلما جديدا فقلت له أريد أجرا 6 آلاف جنيه فوافق فوقعت العقد وأخذت الأجر وأعطيت محمود 3 آلاف واحتفظت بالباقي لي. وقتها وقعت في مشكلة كيف احتفظ بهذه الفلوس خاصة وأنا معي سائق السيارة والذي كان جاسوسا علي لصالح محمود فمرة قلت أروح أزور والدي في المقبرة الله يرحمه فأخبره السائق فعرفت أنه جاسوس علي وإذا ذهبت لأضع الأموال في البنك سيكشف له ذلك وبكل تلقائية وضعت الأموال في شراب وربطته وو ضعته خلف مرآة ضخمة كانت على الحائط. وكلما احصل على أموال أضعها في شراب بنفس المكان. وكان محمود حريصاً ان يأخذني معه في كل سفرياته، وفي صباح أحد الأيام وكنا سنسافر لبيروت معا لمدة عشرة أيام اعتذرت منه بحجة ان عندي تصوير ولن أستطيع السفر معه فسافر بمفرده وأخرجت الشرابات التي وضعتها على مدي عام ونصف فوجدت نفسي جمعت ثروة كبيرة وصلت الى 40 ألف جنيه مصري. وشعرت في هذه اللحظة بأني اتظلمت من محمود ذو الفقار وبدأت أفكر في طريقة للانتقام منه لأنه أخذ أموالي طيلة هذه الأعوام فقد كرهته وشعرت بالحقد عليه وقررت أن أتخلص منه وأبعده عن حياتي. وفي أحد الأيام قابلت صاحب العمارة التي يقيم بها فسألته عن شقة خالية بالعمارة فقال لي توجد شقة أخيرة بالعمارة التي كنا نسكن فيها في الدور الرابع وهي رقم (13) وقال لي تأمينها 45 جنيه وإيجارها 45 جنيه فدفعتها له وصارت لدي شقة. وبدأت أقرأ الإعلانات المبوبة فأحضرت مهندس ديكور وكنت أترك محمود ينزل للمكتب واحضر المهندس ليصنع ديكور الشقة حتى فرشتها بالأثاث الذي أريده وعندما انتهيت منها استغليت نومه في أحد الأيام وأخذت ابنتي والمربية والملابس وقلت للطباخ أحمد: لما يصحي ألبيه قل له مدام مريم ذهبت الى شقتها. وأحضرت «ترباس» وركبته على الباب، وعندما استيقظ نزل على باب الشقة وخبط بشدة وتفوه بأفظع الشتائم لكني لم أرد عليه ولم افتح له فانصرف الى مكتبه وعندما عاد لم يستطع دخول الشقة وشعر بجرح في كرامته أمام البوابين فذهب وأرسل مساعده عبد العزيز جاد ومعه المفتاح ليجمع له ملابسه وأقام عند أمه. وفي أول الشهر جاء صاحب العمارة وأعطيته إيجار شقتي. وحدثني عن إيجار شقة «الروف» فقلت له: هذه الشقة باسم مين؟ قال: محمود ذو الفقار فقلت له أنا مريم فخر الدين. قال لي: يامدام الشقة مفتوحة فأخذت الأثاث ووزعته على العمال الفقراء في الاستديو، وعندما عرف محمود ذو الفقار بذلك أرسل لي ورقة طلاقي. الصدمة القاسية على أن محمود ذو الفقار شعر بصدمة قاسية لدرجة أنه لم يتزوج بعدها وسعي بكل السبل لا ستعادتها ولم يكن ذلك ممكنا لأنها كانت المرة الثالثة في الطلاق بينهما ولكنه سعى لتعكير صفوها وذلك عن طريق أبنتهما إيمان والتي كانت مرتبطة جدا بوالدتها لدرجة أنها كانت تقلدها في كل شيء حتى أنها ظهرت معها في دور ابنتها على الشاشة في فيلم «ملاك وشيطان». فأخذ منها محمود طفلتهما وعندما تزوجت بعد انتهاء العدة بثلاثة شهور من الدكتور الطويل مساعد الطبيب الألماني الذي كان يعالج مريم بالإسكندرية أودع إيمان بمدرسة داخلية بعد ذلك أنجبت مريم ابنها الوحيد محمد من الدكتور الطويل والذي خفف عنها أزمتها في ابتعاد إيمان عنها والتي كانت بمثابة عقاب من محمود ذو الفقار لمريم وهو عقاب حرمانها من الأمومة الذي اراد به أن يجرحها في أعز ما تملك لتدخل بعدها في مآس متتالية. في الحلقة الخامسة من ذكريات مريم فخر الدين تتذكر مريم سفرها الى لندن وهي محملة بـ 11 حقيبة تحت اعتقاد الاشياء غير متوفرة في اوروبا. حلقات يكتبها ـ محمد سليمان:

Email