السبت 27 شعبان 1423 هـ الموافق 2 نوفمبر 2002 انه حقا رقم صادم، ويجعلنا نتحسس قلوبنا خوفا على مصير السينما المصرية، والأخطر من الرقم تلك المعادلة التي اذا سحبناها على أي فيلم نكتشف أن كل الأفلام تخسر.. حتى وان حققت الملايين، فيما يجعل صناعة السينما في العالم العربي صناعة خاسرة، تهدد كل من يقترب منها بالافلاس. الرقم الذي نقصده هو أن السينما المصرية خسرت 30 مليون جنيه في الأفلام الثمانية التي تم عرضها في موسم الصيف، ومازال عرض بعضها مستمرا. أما المعادلة فهي تحسب مايدخل جيب منتج الفيلم أو يخرج منه بعد حذف تكلفة الفيلم ونسبة دار العرض ونسبة الموزع وما يدفعه من ضرائب من ايرادات الفيلم. قراءة في ايرادات أفلام موسم الصيف تقول ان فيلم (اللمبي) حقق 22 مليون جنيه، وفيلم (مافيا) حقق 14 مليونا و(أمير الظلام) حقق 9 ملايين، و(صاحب صاحبه) حقق 55 ملايين، و(محامي خلع) حقق 52 مليونا، (وهو فيه ايه) حقق 83 ملايين و(سحر العيون) حقق 35 ملايين، فيما لم يحقق فيلم (فلاح في الكونجرس) غير 250 ألف جنيه. وتفاصيل المعادلة تقول ان دار العرض تحصل على 50% من الايرادات وان الموزع يحصل على 20% فيما لا يتبقى للمنتج غير 30% يدفع منها الضرائب رغم انه كان قد تحمل وحده تكاليف انتاج الفيلم من اجور ممثلين الى أجور الفنيين والمعدات والطبع والتحميض، مضافا الى كل ذلك بالطبع أجر المؤلف والمخرج! ربما يكون فيلم (اللمبي) هو الوحيد الذي خرج منه منتجه رابحا، أو كان نصيبه من الايرادات حوالي ستة ملايين جنيه، دفع منها مليونين هي كل تكلفة الفيلم الانتاجية، محققا صافي ربح يقترب من الاربعة ملايين جنيه، وهناك بالطبع ربح متوقع يتمثل في حصيلة التوزيع الخارجي للفيلم، وحق عرضه في القنوات التليفزيونية الارضية والفضائية، اضافة الى الفيديو والـ C.D ، وإن كان الاخيران لن يحقق منهما شيئا بعد ان تسرب الفيلم، وبيع تقريبا وقت عرضه على الأرصفة! أما فيلم (مافيا) الذي يليه مباشرة في الايرادات فإن منتجه الى الآن لم يستطع تغطية، تكلفته الانتاجية، فرغم ان الفيلم حقق 14 مليونا، الا ان تكلفته الانتاجية فاقت السبعة ملايين جنيه. وبتطبيق المعادلة، فإن ماحصل عليه منتجه لم يتجاوز أربعة ملايين جنيه وهو مايعني انه مازال بحاجة الى مليونين لتغطية التكلفة الانتاجية، ربما يحصل على جزء منها من التوزيع الخارجي للفيلم، وربما حصل على جزء آخر من حق العرض في القنوات التليفزيونية، لكن المتوقع ان ايراد الفيديو لن يحقق شيئا لأن هذا الفيلم هو الاخر تم تسريبه، ويباع على C.D وعلى أشرطة فيديو منذ فترة. الحسبة نفسها تنطبق على بقية الأفلام، والنتيجة التي سننتهي اليها لو حسبنا كل فيلم على حدة، هي أن أفلام موسم الصيف حققت حوالي ستين مليون جنيه، وان ماتكبده المنتجون من خسائر يقترب من الثلاثين مليون جنيه! حمى الأجور! منذ سنوات ليست بعيدة، كان يكفي ان يحقق الفيلم مليون جنيه ايرادات ليخرج المنتج رابحا، بل في حالات أخرى كان يضمن الربح لو حقق الفيلم نصف المليون، فماذا حدث اذن في الفترة الأخيرة؟! يجيبنا المنتج محمد حسن رمزي بأن الأفلام قديما كانت لا تتكلف كل هذه الملايين التي نسمع عنها، مشيرا الى انه لكي تنتج فيلما بمستوى عادي هذا الايام فانك تحتاج على الاقل الى اربعة ملايين جنيه. ويشرح رمزي: لقد زادت أجور النجوم بشكل خيالي، وبعد ان كان اعلى سعر لا يتجاوز مائة ألف جنيه لنجوم الصف الأول أصبحنا نسمع عن مليون ومليونين، كما ان اسعار الفنيين هي الاخرى تضاعفت، لثلاثة أو أربعة.. أو عشرة اضعاف في بعض الاحيان، فأجر المخرج زاد من خمسين ألف لمخرجي الصف الأول في أحسن الاحوال الى نصف مليون جنيه، وفي الغالب فإن مدير التصوير يحصل على أجر لا يقل كثيرا ان لم يتساو معه، هذه الزيادات صاحبها بالضرورة زيادة في أجور الفنيين، وقبلهم قفزت أسعار الورق، أقصد أجور المؤلفين، فبعد أن كان سعر أعلى سيناريو لا يزيد عن العشرين ألف جنيه اصبح الآن ربع مليون جنيه، بل وفي احدى المرات حصل سيناريست على مليون جنيه مرة واحدة. فضلاً عن ارتفاع سعر الدولار وتكاليف الطباعة في الخارج. هناك بعد اخر شديد الأهمية يوضحه المنتج الكبير واصف فايز، وهو أن الفيلم المصري لم يعد مطلوبا في الخارج، وهو بهذا الشكل فقد سوقا كانت تسهم بشكل كبير في تغطية التكاليف وفي تعويض خسارة المنتج من العرض الداخلي، اضافة الى تحقيق هامش ربح مناسب، اضافة الى قراصنة الافلام، واصبح الفيلم متاحا على أشرطة فيديو أو على أسطوانات مدمجة (cd)، وهو مايفقد المنتج موردا ماليا مهما لذلك: لم يعد امام المنتجين غير النسبة التي يحصلون عليها من ايرادات دور العرض، وحصيلة عرض الفيلم في المحطات التليفزيونية وبهذا الشكل تكون الخسارة محققة حتى لو حقق الفيلم عشرين مليون جنيه! الشئ نفسه يؤكده المنتج حسين القلا مشيرا الى أن الانتاج في مثل هذه الظروف أصبح مغامرة غير مأمونة، فالكل يغالي في أجره، والاسعار اصبحت مرتفعة بشكل لا يحتمل. على ان المنتج محمد العدل له رأى مختلف تماما، فبدأ كلامه بترديد مثل شائع يقول من يركب البحر لا يخشى الغرق، ومن يفكر في دخول مجال الانتاج السينمائي عليه الا يكون معنيا بالربح، فقط عليه أن يكون صاحب رسالة، وعليه ان يدرك أن ارباح فيلم قد تذهب لتعويض خسارة فيلم آخر، او بمعنى ثان، فإن عليه ان يتوقع خسائر وان يدرك انه يمكنه تعويضها لو استمر. هذه هي خلاصة تجربتي مع الانتاج السينمائي، فهدفنا الاساسي هو تقديم سينما هادفة، ولا يعنينا قدر الأرباح التي نحققها، أهم شئ هو أن نتمكن من الاستمرار، وهذا والحمدلله مااستطعنا فعله. القاهرة ـ نيرة صلاح الدين: