ما أجمل أن يكرمك شعب تحبه، فانيسيا ريد جريف تحصل على «الأوسكار» رغم أنف الصهاينة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاحد 21 شعبان 1423 هـ الموافق 27 أكتوبر 2002 خمس وستون سنة من الحياة وأربعون سنة من السينما عاشتها فانيسيا من دون أن تتقيد حريتها، ومن دون أن تتخلى عن ثوريتها ومن دون أن تتنازل عن دقتها في اختيار أعمالها صاحبة التاريخ السينمائي المشرف، والأدوار شديدة التميز التي التصقت بأذهان كل عشاق الفن السابع، هي في الوقت نفسه صاحبة الآراء الصريحة والمواقف شديدة الاحترام التي أنتصرت فيها صراحة ومن دون أي مواربة للقضية الفلسطينية وللحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. من تلك الأراء، وهذه المواقف كانت بدايتي معها حين التقيتها في القاهرة فور تلقيها تكريم مهرجان القاهرة السينمائي لها، وسألتها عنها فقالت: لقد تعودت طوال عمري ان لا أعبر سوى عن قناعاتي الشخصية، مهما كلفني ذلك، ومهما كانت النتيجة، كما أن آرائي لا تكون مجرد آراء مجردة أو ثرثرة سياسية، فأنا عادة أبلورها في خطوات عملية وفعلية ففيما يتعلق بالقضية الفلسطينية مثلا، قمت في العام 1977 بتقديم فيلم تسجيلي من إنتاجي باسم « الفلسطيني» وهذا العمل تتجاهله كثير من المطبوعات والموسوعات التي تتحدث عن أعمالي أو عن تاريخي الفني. ـ وهل أحدثت تلك الأراء مضايقات بالنسبة لك على المستوى الفني أو الشخصي؟ ـ بالنسبة لي، لا يختلف المستوى الفني عن الشخصي في شئ، وأما بالنسبة لسؤالك فقد كانت هناك ما تشبه حركة منع ضمنية وعلنية أحيانا تجاه التعامل الفني معي، فمثلا الغى أوركسترا بوسطن حفلتين كنت أنوي إقامتهما في بوسط بالتعاون مع الاوركسترا، لكني لم أستسلم لذلك، بل قمت بمقاضاة الأوركسترا وكسبت الدعوى التي أقمتها ضده. ـ لكن البعض قالوا أن فانيسيا تراجعت عن أرائها المناصرة للشعب الفلسطيني عام 1980 حين شاركت في فيلم من إنتاج محطة سي.بي.اس الأميركية، ذلك الفيلم الذي كان عنوانه « اللعب بالوقت» والذي يقدم صورة مكررة لعمليات تعذيب اليهود في معسكرات النازي، فما تعليقك ؟ ـ لن أعلق بغير ما قلته حين تسلمت جائزة الأوسكار، وكان بعد عام واحد من إنتاجي فيلم الفلسطيني، وكانت رابطه الدفاع اليهودية شديدة الضغط على وقتها، لقد قلت وقتها أنني فخورة بقرار محكمي أكاديمية الفنون والعلوم لشجاعتهم في الوقوف ضد السفاحين الصهاينة وتحديهم بمنحهم هذه الجائزة لي. وتصمت فانيسيا ريد جريف قليلا قبل أن تضيف: أنه لمن دواعي فخري أن أينت انسدورف في كتابها «ظلال لاتمحي.. السينما والهولوكست» هاجمتني وهاجمت الفيلم وهاجمت المحطة أيضا بسبب قيامي بهذا الدور وانتقدت إسناد دور اليهودية نزيلة معسكرات التعذيب لممثله تساند بصورة صريحة منظمة التحرير الفلسطينية التي وصفتها الكاتبة بأنها إرهابية. ـ نأتي إذن للسينما،وأسألك كيف تختارين أدوارك ؟ ـ معروف عني أنني أدقق جدا في اختيار الاعمال التي أشارك فيها، وكذلك في اختيار المخرجين، ويشرفني أن التعامل مع ريتشارد أتنبوو، ومايكل أنجلوا أنطونيوني وسيدني لوميت وفريد زينمان وكاريل رايس، وهربرت روس،ومايكل أبتد وتوني ريتشارد سون.. وغيرهم من المخرجين العظام، لقد اكتسبت الكثير من الخبرات وتعلمت كثيرا من هؤلاء المخرجين إضافة إلى أنني سعيدة جدا بكل الافلام التي قدمتها. ـ لو سألت فانيسيا ريدجريف عن أحب أدوارها إليها، فماذا تجيب ؟ بصدق شديد أقول لك أنني أحب كل أدواري، فقد تعلمت من والدي أن الفن والتمثيل رسالة نبيله وقيمة كبرى وأنه يجب أن يقول شيئا من خلال الأدوار التي يؤديها الممثل، وقد حرصت على أن أكون مثله وأسير في الطريق نفسه، لذلك كنت أحرص في كل عمل أشارك فيه أن يكون حاملا قيمة فكرية ما، وأنا فخورة جدا بأن الافلام التي شاركت فيها إلى الآن أثارت كثيرا من القضايا الفكرية والاجتماعية والإنسانية والسياسية أيضا. ـ وماذا عن دور جوليا الذي نلت عنه جائزة الاوسكار ؟ ـ أن هذا الدور له طبيعة خاصة عندي، فقد أظهرت فيه جزءا من شخصيتي الحقيقية، وأردت من خلالها أن اؤكد على أن المرأة يمكن أن تكون ذات فاعلية اجتماعية وسياسية بدرجة شديدة الإيجابية في الوقت نفسه الذي يمكن أن تكون فيه شديدة العاطفة فأنا في هذا الدور أقدم شخصية تعتنق مبادئ ثورية وتقرر مناهضة الفاشية والنازية في كل من فينيسيا وبرلين ،وقامت في الفترة السابقة للحرب العالمية الثانية بتهريب اليهود والمنشقين السياسيين في ألمانيا وكانت جوليا تتمتع بثقة شديدة في النفس وروح ثورية عالية وهذا ما كان يجذب إليها صديقتها ليليان لدرجة أنها قبلت أن تشاركها نشاطاتها السياسية ووافقت على تهريب نقود من فرنسا إلى ألمانيا ومن أجل أن تكتسب جزءا من قوتها، ولكنها عندما تعود تكتشف أن جوليا قتلت على أيدي النازيين. ـ هل نفهم من ذلك أن فيلم جوليا هو أقرب الافلام إليك ؟ ـ بالطبع أنا أحب هذا الدور جدا، لكنني أحب أدواري الأخرى وأحب أفلامي كلها أيضا، فأنا لدي أفلام أخرى شديدة الأهمية منها مثلا فيلم « رجل لكل العصور» الذي تم اختياره في إحدى الموسوعات البريطانية كواحد من أفضل خمسين فيلما في السينما الإنجليزية على الإطلاق، وكان أيضا أول فيلم إنجليزي يحصل على خمس جوائز أوسكار ويرشح لسبع منها، وعن الفيلم نفسه نال بول سكوفيلد الذي لعب شخصية توماس مور جائزة اوسكار أحسن ممثل وكان يستحقها عن جداره لأنه أدى دورا لايمكن أن تنساه ذاكرة كل من شاهد هذا الفيلم. ـ تحدثت عن فيلم « رجل لكل العصور» وهو فيلم تاريخي يتناول الصدام الفكري والعقائدي الذي حدث بين توماس مور والملك هنري الثامن، ولنا ملاحظة على أن الجزء الأعظم من أعمالك هو أفلام تاريخية، فكيف تفسرين لنا ذلك ؟ ـ أن التاريخ هو ذاكرة الشعوب.. ودروسه تظل ذات فاعلية كبيرة في الحاضر والمستقبل ، وإلى جانب اهتماماتي السياسية والإنسانية فأنا أدرك أيضا أهمية التاريخ وأهمية تقديمه، إضافة إلى ذلك فإن الأفلام التاريخية تتطلب أخلاصا لتقاليد فن الأداء والتمثيل الكلاسيكي، وهو ما أعتقد أنه متوافر لدي نظرا لنشأتي في أسرة مسرحية عريقة، ولبدايتي المسرحية ولإستمراري في العمل المسرحي ـ فانيسيا ريد جريف كانت أحد الأعضاء البارزين والمؤثرين في حزب العمال الثوري وطالما ناضلت من خلاله عن قضايا عمالية وقضايا أخرى، ولفانيسيا وجهة نظر وآراء ومواقف سياسية عديدة بشأن قضايا مجتمعية وبشأن السياسات البريطانية، هل يمكنني أن أسألك عن تأثير ذلك على مسيرتك الفنية؟ ـ بداية أحب أن أوضح شيئا في غاية الأهمية، وهو أن الفنان هو نبض مجتمعه ومرآة صادقة لما يحدث داخله من متغيرات، وأن الفنان هو الذي يستطيع بحساسية أن يرصد هذه المتغيرات ويشير إلى ما يمكن أن تحمله من سلبيات وأخطاء. هذا في البداية، بعد ذلك دعيني أؤكد لك أنني كنت حريصة على أكون نفسي سواء في الحياة أو في الفن ، لذلك كنت أرحب دائما بالاشتراك في أي عمل فني يناقش واقع بلادي ويطرح قضايا مجتمعي وسياسات دولتي، بين هذه الاعمال مثلا فيلم «ويذربي» الذي قدم نقدا للأوضاع الاجتماعية والممارسات السياسية في إنجلترا الثمانينيات ولكن بصورة بها كثير من الحساسية الفنية وبشكل ذكي في الطرح. ـ وأخيرا، ما تعليقك على تكريم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لك؟ ـ بالطبع، أنا سعيدة جدا أن يأتيني هذا التكريم من دولة عربية أحبها قدر محبتي للعرب وقدر تعاطفي معهم وتألمي لآلامهم، وإذا كنت عاجزة عن وصف مشاعري الآن، أكتفي بأن أقول: ما أجمل أن يقوم بتكريمك شعب تحبه». القاهرة ـ نيرة صلاح الدين:

Email