قدمتها فرقة مسرح بارافنتو السويسري بابوظبي، حالات من الجوع والحب.. تجاوزت حاجز اللغة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاحد 14 شعبان 1423 هـ الموافق 20 أكتوبر 2002 قدمت فرقة مسرح بارافنتو السويسرية الليلة الماضية بالمجمع الثقافي في ابوظبي عرضا لمسرحيتها «حالات من الجوع والحب» وسط حضور جماهيري كبير من ابناء الجالية السويسرية والاجنبية والعربية في أبوظبي. تجري احداث المسرحية في مدينة البندقية (فينيسيا) في القرن السابع عشر وتعرض مختلف اساليب «كوميديا ديلارتي» الشهيرة والشخصية الرئيسية في المسرحية هي آرلوكان وهو خادم فكاهي وظريف وكسول ولكنه متحمس وغبي وذكي في الوقت نفسه ومتغطرس ولكنه آخرق، انه اشبه بجحا ولكن في نسخته الايطالية. وفرقة مسرح بارافينتو التي قدمت العرض متخصصة في «كوميديا ديلارتي» وهو نمط مسرحي فكاهي فريد يرتبط بالثقافة الايطالية ويعتمد بشكل اساسي على بعض اساليب التعبير مثل الحركة (الايماء والرقص) والموسيقا والاقنعة والحركات البهلوانية وبفضل استخدام هذه الاساليب فان كوميديا ديلارتي استطاعت تجاوز حاجز اللغة ويمكن فهمها بسهولة من قبل الاشخاص الذين يتحدثون الايطالية وهي عالجت مختلف جوانب الحالات الانسانية بمرح وعاطفة. القصة يدخل ارلكينو ويتذمر لعدم تذوقه الطعام منذ اربعة ايام ثم يدخل بريجيلا متذمرا كذلك لانه لم يتناول الطعام منذ ثلاثة ايام، حيث يلتقي الاثنان ويتعرفان على بعضهما البعض ويتظاهر بريجيلا بأنه قد جنى ثروته في اسبانيا ويتظاهر ارلكينو بانه يحمل نقودا ويخطط كلاهما لتناول وجبة كبيرة احتفالا بالتقائهما صدفة، حيث يتخيلان كل صحن بادق التفاصيل وعندما يحين وقت طلب الوجبة يعترفان لبعضهما البعض انهما لايملكان اية نقود ومن شدة الجوع يغمي على بيرجيلا ويظن ارلكينو انه مات فيغمى عليه ايضا. كابوس: يظهر فورتونا لكليهما في المنام مع مجموعة من الفتيات اللواتي يقدمن العديد من اصناف الطعام الشهي، وعندما ينتهي الحلم يشعر ارلكينو بالسعادة لدى معرفته ان بريجيلا لم يمت، ويشعر كلاهما بالجوع فيقررا الخروج للاكل في مطعم والتسلل الى خارج المطعم عندما يحين وقت تسديد الحساب. كلاهما يخرجان تدخل كالوجينا خادمة بانتالونه، لتبحث عن خادمة اخرى لبانتالونه لانه سيستقبل ضيوفا. المركيزة مارفيسيا رابونزولي التي عشقها بنتالونه لسنوات عدة، وافقت على الزواج منه بعد ان اصبحت ارملة. يتقاطع المنظر التمثيلي لكولومبينا بالصراخ والضجيج ويطرد ارلكينو وبريجيلا من المطعم قبل ان يتمكنا حتى من لمس طعامهما ثم يلمح بريجيلا كولومبينا حبه القديم ويخبرها انه قد جنى ثروته في اسبانيا وان لديه خادما وهو ارلكينو حيث يساير ارلكينو هذه الخدعة التي سرعان ما تنفضح وتقرر كولومبينا ان تساعدهما فتجد نفسها انها انجذبت الى ارلكينو بشكل عفوي وتصطحب كولومبينا معها ارلكينو على انه الخادم الذي تبحث عنه لبنتالونه ويعد ارلكينو بريجيلا ان يزوده بنصف كمية الطعام التي يحصل عليها وتقدم كولومبينا توصياتها لارلكينو ليقبله بانتالونه. تغيير المشاهد منزل بانتالونه يصل ارلكينو ومن لهفة بانتالونه المتقدم في السن للمركيزة فانه لا يمنح ارلكينو الفرصة ليقدم نفسه ويعتقد انه ابن المركيزة. تدخل كولومبينا وتدرك ارلكينو اللبس الذي حصل وفي هذه اللحظة يدخل كولومبينا بريجيلا الى المنزل متنكرا بزي المركيزة. منذ وصول المركيزة المزيفة، انتاب بانتالونه شعور بالحيوية اعاد اليه شبابه في حين يضطر بريجيلا الى ان يستخدم كل الحيل الممكنة لتجنب ملاطفات بانتالونه، لم تسنح الفرصة بعد لارلكينو وبريجيلا لكي يأكلا وعندما يصل ابن المركيزة الحقيقي، يعتقد بنتالونه انه الخادم الذي ارسلته كولومبينا. تبدو الآن الفوضى عارمة ويقوم ابن المركيزة الحقيقي بتنظيف المنزل اما المزيف (ارلكينو) فتتم معاملته كضيف، وفي النهاية يتم الانتهاء من سوء الفهم وعندها يرغب بانتالونه باعتقال المزيفين غير ان كولومبينا تقنعه ان يدعها تتزوج ارلكينو في نفس الوقت الذي يتزوج فيه بانتالونه من المركيزة مارفيسيا. المسرح الجوع والحب ليس لهما حدود مكانية او زمانية ولا يتأثران بالفروقات الاجتماعية، الا ان الحب لم يعد له وجود في المجتمع الاستهلاكي الحديث فقد تم استثناء صورة الانسان الجائع، الذي تتمثل مشكلته الوحيدة في البحث عن الطعام من الكوميديا المعاصرة، حتى في مناطق العالم التي يشكل فيها الجوع مأساة يومية فان الدراما تستثني الجائع بأن تحرمه من الدور الرئيسي في العمل ومع ذلك ففي وقت من الاوقات كان حتى الافراد الذين لا يعانون من الجوع يستمتعون بالروح الابداعية للمعدة الخاوية، فقد كان الخيال والابداع اهم العناصر التي لايمكن الاستغناء عنها لابتداع الحكايات الطويلة والخدع اللازمة للحصول على الطعام. والمسرحية التي يقدمها مسرح بارافينتو بنص كتبه لويزيلاسالا واخرجه اليساندرو مارشيتي، يعتمد حبكة تعود الى اوائل القرن السابع عشر حين كان التبذير والتعاسة يتعايشان وكانت السرقة جريمة عقابها الموت وفي البندقية التي يرد ذكرها مرة واحدة في المسرحية وتغيب تماما عن الديكور (قد تكون داكار) تحتد المنافسة بين ارلكينو وبريجيلا: ايهما لم يذق الطعام لفترة اطول؟ يفوز ارلكينو بفارق يوم واحد. يفرض الجوع آثاره المدمرة بالهذيان والموت والتي تشكل مجتمعة كابوسا يلي ذلك، اللقاء مع كولومبينا واكاذيب بريجيلا او حب كولومبينا لارلكينو من النظرة الاولى واخيرا الاحتيال، ولكن اجمل شيء في المسرحية هو ان الاحتيال ليس مخططا له بل وليد اللحظة، فالحقيقة هي ان بانتالونه الاخرق بشكل ميئوس منه حيث يمنع ارلكينو بشكل مستمر من ايضاح الموقف وهذه هي النقطة التي تجذب الترقب وتطلق جو الكوميديا. وفي هذه المسرحية «حالات من الجوع والحب» يعمل مسرح بارافنتو ضد التيار فالجهود المبذولة لتحقيق التأثيرات الكوميدية هي ثانوية الى جانب «حقيقة» الرسالة اذ لا شيء اعتباطياً، ان جمال واصالة القوانين التي تحكم كوميديا ديل ارتيه، مطبقة بشكل صارم مع الاخذ بالاعتبار تسليط الضوء على الشخصية الكوميدية للعمل ككل بشكل مدهش. ان العثور على الابداع في الفقر وفهم الرابطة الطبيعية التي تربط هذين المفهومين في الحياة الانسانية وتصوير الحب وهو يصيب كصاعقة في الوقت ذاته كاحساس عميق مليء بالعاطفة والتسامح، وهي بعض القراءات لحالات من الجوع والحب التي تظهر من خلال اللغة الرائعة والرفيعة والمضحكة والمثيرة للشفقة المستخدمة في كوميديا ديل آرتيه. ابوظبي ـ عبدالرزاق المعاني:

Email