«اللمبي».. فيلم متواضع يكشف خلل ذائقة الجمهور

ت + ت - الحجم الطبيعي

السبت 28 رجب 1423 هـ الموافق 5 أكتوبر 2002 نكاد نجزم ان افلام المقاولات التي سادت منذ السبعينيات واتكأت على قصص ضعيفة مع الاعتماد بشكل اساسي على مشاهد الاغراء والرقص ستعود بقوة غير انها في هذه المرة لن تتكيء على شيء محدد يمكن الامساك بماهيته ليجد المشاهد نفسه امام وهم اسمه شاشة سينمائية وسيخرج من قاعة العرض كما دخلها مهدراً ساعتين من وقته قضاهما محملقا في الفراغ اللهم سوى بعض النكات غير الاخلاقية او المشاهد المفتعلة، ودليلنا على ذلك النجاح الجماهيري الذي تحققه الافلام المتواضعة فنيا واذا كان الاسقاط يعني اننا امام جمهور مسطح فهذا صحيح لكن ليس بمعزل عن ملابسات الواقع المرير الذي يحبط بنا على جميع الاصعدة التي تحيل المشاهد او المتلقي بشكل عام ليتبنى ما يحقق له متعة «الهروب» من ذاته ومحيطه، وفيلم «اللمبي» يعتبر نموذجاً لما نقول ومؤشراً خطيراً يحدد الاتجاه العكسي الذي يسلكه الجمهور، اما الاخطر فهو وجود شركات انتاج متحفزة لالتقاط كل ما هو متواضع لاعادته بصياغة اخرى يضمن لها مكاسب مادية خرافية على حساب مجموعة من القيم الاجتماعية و«الفنية» التي تربت عليها الاجيال وحتى لا نظلم الفيلم بمجرد الحديث النظري او التأثر بالكتابات التي لاحقته سوف نتعرض لما جاء فيه بعد مشاهدة راعينا فيها الحياد. كما نعرف ان لكل عمل فني قصة يدور حولها سواء بطرح مشكلة او بايجاد حلول لظاهرة معينة يكملها البناء الدرامي «الفني» والخطاب السينمائي الجاد، وللاسف فإن احداث الفيلم بعيدة تماماً عما نقول ولا يوجد اي نص حقيقي يمكن متابعته حتى يتم التعرض له، فالاحداث عبارة عن مجموعة مشاهد غير مترابطة او متجانسة بطلها الاوحد شخصية «مغيبة» عن الوعي تعيش على هامش المجتمع وهي شخصية اتكالية غير قادرة على الفعل بل تعتمد في حياتها على ردات الفعل، و«اللمبي» هو الشخصية المحورية التي تدور من خلاله الاحداث بتباين علاقته مع الام «فرنسا» وخطيبته «نوسة» وجاره الموسيقي «بخ» غير ان هذه العلاقات لم تكن واضحة المعالم من حيث البعد الانساني او حتى الاجتماعي لعدم وجود حوار جاد يترجم المعاني، حتى علاقة الابن بالام لم تسلم من التشويه باعتماد مفهوم «الفهلوة» و«الافيهات» السطحية المتبادلة بقصد اضحاك المشاهد لا اكثر والغريب ان الفيلم من جميع النواحي وقع في مجموعة من المتناقضات المكشوفة التي لا تمر على تلاميذ مبتدئين في عالم السينما وكأن «فكرة» الفيلم لم تعرض على مصمم الملابس اذا كان هناك مصمم بالفعل، حيث اننا لم نر «اللمبي» المفترض انه فقير ومعدم إلا وهو في قمة «الشياكة» والاناقة، فملابسه متناسقة وجديدة في جميع المشاهد ولحيته مهذبة على الطريقة الشبابية «العصرية» وهذا لا يتفق بالمرة مع طبيعة الشخصية، والادهي من ذلك ان هذا الفقير يستدين مبلغا كبيرا يفوق امكانيات السداد فقط لكي يرمم منزله هكذا يطرح الفيلم «عقدة» غير عملية ليضع لها الحل في جمع «النقطة» المستحقة من الجيران والاصدقاء التي تصل الى عشرين الف جنيه، فكيف للفقير «اللمبي» أو لوالده الذي كان يقتات من وراء بيع السندويتشات كل هذا المبلغ؟ والاغرب ان العروس «نوسة» توافق على «حضور» الفرح لكي يتسنى لعريسها ان يجمع «النقطة» اذن لا وجود لقصة الحبكة الدرامية غائبة، الحوار متدن وبالتالي اذن لماذا حقق الفيلم النجاح الجماهيري والعائد المادي الكبير؟ للاجابة عن هذا السؤال لابد وان نسجل متابعتنا وملاحظتنا «المقصودة» للتصفيق الطويل الذي صاحب ظهور اسم الفيلم على شاشة العرض ومن ثم اول لقطة لـ «اللمبي» وقبل ان ينطق بكلمة واحدة كان الضحك والتصفيق مسيطراً على القاعة، وكأن الجمهور قد جاء بقصد الضحك فقط، وليس مهماً ما سيشاهده او يسمعه. بقيت كلمة حق لابد وان تقال وهي عن الطاقة العفوية الصادقة عند الممثل محمد سعد التي تحتاج لوضعها على محك الاختبار الفعلي باسناد ادوار اعمق من التي قدمها، وهو قادر على الاداء بشكل جيد انطلاقا من قدراته التعبيرية الهائلة واستطاعته الانتقال المفاجيء من حالة الى اخرى. واذا كان من كلمة اخيرة فهي للفنانة عبلة كامل والفنان حسن حسني ليس من المعقول بمكانتكما الفنية وتاريخكما الناصع ان تشاركا في عمل فني متواضع كهذا! عزالدين الاسواني

Email