BAD COMPANY رؤية أميركية بحتة تنتمي لافرازات الحرب الباردة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الخميس 26 رجب 1423 هـ الموافق 3 أكتوبر 2002 قبل التعرض لقصة الفيلم علينا ان نستحضر في اذهاننا بعض التوجهات التي تتكيء عليها صناعة السينما الاميركية من ناحية التماس الفعلى مع سياسة الولايات المتحدة كحامية للبشرية في شتى بقاع العالم وكمنقذة للكرة الارضية من الفناء ومن عبث اعداء الانسانية، هذه التوجهات رأيناها في اكثر من فيلم عن الاطباق الطائرة والمخلوقات الغريبة «الوهمية» التي تتفتق عن ذهنية اميركية ليتصدى لها العقل «البطل» ويحبط اهدافها، غير ان مفهوم الامن الداخلي لم يغب عن السينما الاميركية فرأيناها تتبنى افتراضية الاستهداف الخارجي «الحاقد» على المكتسبات العظيمة للعقل البطل، وفي هذا السياق جاءت قصة فيلم صحبة سيئة بطولة كريس روك وانطوني هوبكنز وغابريل مانشت ومن اخراج جويل شوماخر. وتدور احداث القصة في قالب لا يخلو من كوميديا الموقف التي اعتمد عليها الفيلم بشكل اساسي حيث يعمل كل من جايلورد وكيفن بوب كعميلين للمخابرات المركزية الاميركية في مدينة براغ، ويحاولان اتمام عملية شراء قنبلة نووية من السوق السوداء الروسية حيث يلتقيان بزعيم جماعة «اليد السوداء» ويتوصلان الى اتفاق لاتمام الصفقة على ان يكون الاستلام والتسليم بعد عشرة ايام، وقد استطاع كيفن ان ينجز المرحلة الاولى متنكراً في شخصية تاجر تحف تحت اسم «مايكل تيرنر» ولكنه يقتل برصاصة اثناء محاولته انقاذ حياة مدير الـ «سي اي ايه» وهنا فقط تبدأ احداث الفيلم الفعلية حيث تعرض مهمة اكمال الصفقة على جاك شقيق كيفين التوأم، ليوافق بعد عدة محاولات للاقناع مع انهم لم يخبروه بالحقيقة كاملة ولا عن المشاكل الخاصة بأخيه الذي لم يره ابدا ولا يعرف في الاصل ان كان له اخ ام لا، غير ان جاك الشاب العاطل الذي يقتات على بيع التذاكر احيانا ولعبة الشطرنج التي يدفع الخاسر فيها مبلغا من المال، تهجره صديقته انطلاقا من انها تريد بناء اسرة سوية، ولان جاك في نظرها انسان لا يعتمد عليه وغير قادر على تأمين حياة كريمة تقرر الانتقال الى عمل جديد في مدينة اخرى، وكما قلنا في البداية ان الفيلم يعتمد على ابعاد امنية داخلية فإن النهاية لابد وان تكون متوقعة وهي الانتصار لفكرة المواجهة وافشال المحاولات الاعتدائية من خلال الفردية للاشخاص العاديين وهذه هي الاضاءة الوحيدة التي حاول كاتب القصة ان يوصلها للمتلقي بهدوء وذكاء، اذ ان من يعيش على هامش المجتمع يمكن ان يقدم خدمات جليلة لا تقل اهمية عن الادوار التي تقوم بها شخصيات لها مواقعها القيادية الكبيرة وذلك ما حدث في احدى محاولات الاقناع بأن الحب الذي نكنه «للحبيبة الفرد» لا يقل اهمية في الشكل العام عن الحب الذي نكنه للوطن وان قنبلة بامكاننا تعطيل فاعليتها هي موجهة في الاصل الى اكثر من حبيبة. وبعيداً عن العبارات الكثيرة التي جاءت في سياق الفيلم بقصد أو بدون قصد على ان الاميركي مكروه في الخارج ومستهدف على الدوام وما الى ذلك عن اشارات هي عبارة عن مجموعة رسائل موجهة بعناية لمن افترض الفيلم بأنهم يلعبون في الخفاء بعد التوقيع على معاهدات نزع الاسلحة وانتهاء بالحرب الباردة، ليهددون امن المجتمعات على ان المبررات التي يسوقها الفيلم في هذا الاتجاه ضعيفة للغاية ولا تتوافق مع سرعة الاحداث في الجزء الاخير، وكأن عملية الاخراج والسيناريو قد انشغلا تماماً بالمفارقات الكثيرة التي وقع فيها جاك عند دخوله الى عالم غريب عنه، لنصحو بعد عقود على افتعال احداث تمثل الذروة، فجاءت النهاية باهتة لا تتفق مع الخيار الاول للفيلم. واذا كان الفيلم قد اعتمد بشكل كلي على المفارقات التي يقع فيها الشبيه عندما يتقمص شخصية غريبة عنه، فإن القصة لم تقدم حبكة مقنعة لماهية «التوأم» كما ان السيناريو لم يهتم بمعالجة هذه الاشكالية بشكل اقرب الى المنطقية، لتأتي بعد ذلك مدة الايام التسعة التي يفترض فيها ان تتم دراسة الشخصية المطلوبة وتقمصها بصورة لا تدع مجالاً للشك فيها حتى من اقرب الناس اليها وهي الصديقة «الحبيبة» وهنا نجد ان القفز على الاحداث ووضع المشاهد عنوة امام افتراضيات مسلم بها قد اضاع الكثير من المتعة والتشويق او التعاطف انسانيا مع شخصية عادية تعيش حياتها ببساطة. فنيا ليس هناك ما يستحق الحديث عنه، فاستخدام الكاميرا كان عاديا للغاية واذا كان لابد من اشارة فهي لبداية الفيلم التي ركزت الكاميرا فيه على رقعة الشطرنج وسرعة انتقال القطع وهي تريح بعضها البعض في اشارة الى ان العصر الحديث لا ولن يعترف بالعقول الخاملة والغلبة فيه للاذكياء ومن يمتلكون سرعة البديهة والاستفادة من اخطاء الآخرين. عز الدين الاسواني

Email