الارتباط بالحياة اليومية في السينما البريطانية الجديدة (2 ـ 3)

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاربعاء 25 رجب 1423 هـ الموافق 2 أكتوبر 2002 ترصد الناقدة والمؤرخة موزان هيوارد في هذه الحلقة ثمرة التقاء اصحاب السينما الحرة بكتاب وممثلين أعربوا عن رغبتهم في الارتباط بالحياة اليومية للمجتمع الانجليزي وان هؤلاء قد وصفوا بـ «حوض المطبخ» باعتبارهم ينتمون الى جماليات المدرسة الطبيعية، حيث برز ممثلون جدد مثل ألان بيتس وتوم كورتني. كان فيلم «الطريق الى المدينة» اخراج جاك كليتون هو الذي حدد بداية الحركة عام 1959. حتى وإن كان الأمر يتعلق، كما تؤكد نيناهيبين، بفيلم انتقالي، ذلك انه على الرغم من وقوع أحداثه في الشمال الصناعي بما في ذلك لكنة الكلام، وعلى الرغم من تأثره الشديد بالمستوى الاجتماعي، إلا انه ظل مخلصاً لتقاليد الماضي عن طريق الاستعانة بالنجوم والعودة لحياة المجتمع الراقي وأسلوب تقديم المشاهد الغرامية. من بين فهود السينما الحرة الأصيلة، يعد طوني ريتشاردسون أكثرهم غزارة في الانتاج بما انه صور أربعة أفلام أثناء السنوات الأربع للموجة الجديدة البريطانية بينما لم يخرج ريز واندرسون إلا فيلماً واحداً لكل منهما وأخرج شليسنجر فيلمين. يندرج أسلوب أفلامهم الطويلة في الخط الرئيسي للسينما الحرة، ونجد ان والتر لاسالي هو مدير تصوير اثنين منهما، ليست الأفلام الملونة وإنما الأبيض والأسود. ظل المونتاج معتمداً على التجاور ولكن لم تعد له الوظيفة نفسها، كما يلاحظ اندرو هيجسون. لم يعد المهم خلق جو جماعي وإنما التأكيد على الخبرة الفردية. من الممكن ان يعادل هذا التطور تغيراً سياسياً ما: في الواقع، نمت السينما الحرة تحت حكم الاغلبية العمالية، التي منحها مفهوم الدولة ـ حاملة العناية الالهية ـ أملاً جماعياً في بلد عصفت به الحرب. وقد تم كبح جماح هذه السياسة على يدي الحكومتين المحافظتين اللتين تعاقبتا الواحدة تلو الأخرى في فترة الموجة الجديدة البريطانية التي ردت الاعتبار لليبرالية. فيما يخص السرد نستطيع التمييز بين خطابين: الخطاب الأول تقليدي عن الطبقة العمالية والثاني أكثر معاداة للامتثالية. ولكن في الحالتين تعتمد البنية على المشهد أو المقطع وتكون وجهة النظر ذاتية دائماً، هي وجهة نظر الفرد. في النوع الأول من أنواع الخطاب تكون القصة دائماً نفس القصة: شاب يرغب في ان يحيا حياة ماجنة وان يستفيد من الحياة أقصى استفادة، لا يهتم أبداً بعمله ولا بالآخرين وينصب اهتمامه كله في شيئين اثنين: الجنس والبيرة. لكنه في النهاية يصلح من نفسه. هناك نموذجان مثاليان على ذلك هما «مساء السبت وصباح الأحد» (اخراج ريز ـ 1960) و«حب ليس ككل حب» (اخراج شلسنجر ـ 1962). في الفيلمين ينحدر كاتب السيناريو من نفس الوسط الذي يصفه مما يضفي على رؤيته ثقل الحياة المعيشة. نستطيع بشكل ما ان ندرج فيلم «الاجساد البرية» (اخراج ريتشاردسون، 1959) ضمن هذه الحركة ولكن مع مراعاة ثلاثة فروق: اولاً ان الكاتب جون اوسبورن مؤلف المسرحية التي اخذ عنها الفيلم، ليس من اصل عمالي، ثانياً ان البطل هنا ليس الاعزب الذي يبدأ حياته بالطيش لكنه متزوج بالفعل (وهو عنيف مع زوجته الى حد انه يصيبها بالعقم) وثالثاً نفس هذا البطل يناصب المؤسسة العداء باستمرار (لا شك ان اوسبورن اراد مغازلة جمهوره البورجوازي). عندما يكون الخطاب الضمني في الفيلم هو خطاب رافض للامتثالية، لا يتسم السرد بنفس التكرارية، لكنه يعتمد دوماً على شخصيات هامشية او متطرفة. وهو ما نجده في الافلام الاربعة الاكثر تمثيلاً لهذا الاتجاه: «طعم العسل» و«وحدة لعدّاء» (وكلاهما من اخراج ريتشارد سون سنة 1961) و«ثمن رجل» (اخراج اندرسون، 1962) و«بيلي الكاذب» (شلسنجر، 1963). في الفيلم الأول، تحيا فتاة مراهقة (كاتبة السيناريو امرأة) تعاني من اهمال ام غريبة الاطوار، على حافة الفقر: تحمل من بحار زنجي لا يلبث ان يختفي ثم تعثر على عمل وتلتقي بأحد الشواذ بلا مأوى فتقيم معه ويبدأ في رعايتها. لكن الام تعود وتطرد الشاب لتحتل مكانه. في فيلم «وحدة العدّاء» يجد شاب منحرف نفسه في اصلاحية للأحداث ونعرف عن طريق الفلاش باك ان اباه توفى في حاث عمل وان امه انفقت كل مبلغ التأمين لشراء جهاز تلفزيون ثم اتخذت لنفسها عشيقاً. ولكي ينتقم من وضعه الاجتماعي ويهزأ من المؤسسة يتعمد البطل الخسارة في مباراة مع مدرسة رفيعة المستوى في سباق الضاحية وهي مدرسة مجاورة لاصلاحية الاحداث فتثور عليه ادارتها. في هذين الفيلمين، يظل الفرد وحيداً ويحيا على هامش المجتمع. في المقابل، في فيلم «ثمن رجل» يجد لاعب رجبي نفسه ملفوظاً من وسطين كان من المفترض ان يلوذ بهما على المستويين المهني والعاطفي، ويمنعه مزاجه الحاد من التواطؤ معهما.

Email