قوص قرية بمحافظة قنا بصعيد مصر كان لها مكانة كبيرة في العصور الإسلامية فقد كانت عاصمة لإقليم مصر العليا وكان واليها يحكم كل مناطق ومدن الصعيد في الوقت الذي كان فيه الوجه البحري مقسما بين ثلاثة ولاة هم: والى الشرقية ووالى الغربية ووالي الأسكندرية. وقد زار قوص كثير من الرحالة ووصفوها في كتبهم مثل الرحالة الفارسي ناصر خسرو الذي زار قوص في عام 441 هجرية وقال عنها: رأيت فيها أبنية عظيمة من الحجارة تبعث على العجب وهي مدينة قديمة محاطة بسور من الحجر وأكثر أبنيتها من الحجارة الكبيرة التي يزن الواحد منها عشرين أو ثلاثين ألف من المن 600 مثقال والعجيب أنه ليس على مسافة عشرة أو خمسة عشر فرسخا منها جبل أو محجر ويتساءل الرحالة فمن أين وكيف نقلوا هذه الحجارة؟ أما الرحالة المغربي ابن جبير فقد زار قوص في عام 579 هجرية وقال عنها: «هذه المدينة حافلة بالأسواق متسعة المرافق كثيرة الخلق لكثرة الصادر والوارد من الحجاج والتجار اليمنيين والهنديين وتجار أهل الحبشة لأنها محط للجميع وملتقى الحجاج المغاربة والمصريين والإسكندريين ومن يتصل بهم ممن يمرون بصحراء عيذاب في طريقهم إلى الحج». وحول دور قوص كعاصمة اسلامية لصعيد مصر في العصور الوسطى أعدت الدكتورة عائشة عبدالعزيز التهامي الأستاذ بقسم الآثار الإسلامية بكلية الآداب جامعة جنوب الوادي في دراسة تحت هذا العنوان توضح فيها ان قوص كانت أعظم مدن الصعيد وهي تقع شرق النيل وبنيت بعد انهيار قفط وضعف مكانتها في زمن أحد ملوك القبط ويدعى سدان بن عديم بن البودسير مشيرة إلى ان قوص اشتهرت إلى جانب بناياتها وبساتينها وموقعها الإستراتيجي سواء في أوقات السلم أو الحرب بكونها مدينة تجارية فقد كانت تستقبل التجار من بلاد اليمن والهند والحبشة بمراكبهم التجارية المحملة بشتى أنواع البضائع من الفلفل والبهار والصمغ والحراير والعنبر والمسك والبخور وكانت هذه البضائع تنقل من ميناء عيذاب إلى قوص على ظهور الإبل ومنها تنقل في النيل إلى الفسطاط وكان يصدر منها المصنوعات المصرية إلى بلاد المشرق وكانت قوص أيضا مدينة زراعية وعرفت بإنتاج الشعير والذرة وقصب السكر والقمح والعنب بالإضافة إلى أجود أنواع الفاكهة والرياحين ورطب البلح الذي قيل فيه انه ليس نوع من أنواع التمر بالعراق إلا وفي صعيد قوص مثله وفيه ما ليس في العراق وأنه لا يوجد تمر يصير تمرا قبل ان يكون رطبا إلا بالصعيد. وتؤكد الباحثة ان الطرق التجارية إلى قوص كانت آمنة وقد ظهر ذلك بصورة واضحة في زمن الحروب الصليبية كذلك تمتعت هذه المدينة بالأمن الداخلي مشيرة إلى انه بجانب الموقع المتميز لقوص على النيل من الناحية التجارية والإقتصادية فقد كانت مركزا حربيا ودفاعيا حيث استخدم هذا الميناء في بناء وصناعة السفن والمراكب الحربية في القرن الخامس الهجرى وكانت أيضا دارا لضرب النقود أو مصنعا لصك العملة وقد تم العثور على الكثير من العملات المدفونة في عام 622 هجرية في عهد الظاهر بيبرس وترجع هذه العملات إلى العصر الروماني. وتشير الدراسة إلى ان الفاطميين أنشأوا مصنعا لصك العملة في قوص لتسهيل عملية تحصيل الرسوم والضرائب الجمركية على البضائع التي تمر في هذا الميناء موضحة ان من المعروف ان سك العملة احد علامات الملك والخلافة ورمز من رموز السلطة وقد عثر المستشرق الفرنسي جاراسان على عملات ذهبية في أكوام ترابية وراء المسجد العمري في قوص ترجع إلى عهد الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله لكن لم يصلنا من هذه العملات سوى دينار ذهبي واحد تم صكه في دار ضرب قوص ونقش عليه اسم الخليفة الآمر بأحكام الله سنة 517 هجرية وهي عملة فريدة ومحفوظة بمتحف الفن الإسلامى بالقاهرة. وتؤكد ان قوص كانت ملتقى للحجاج المصريين والمغاربة والأندلسيين حيث كانوا يتجمعون منذ أيام الفاطميين قبل سفرهم في مكان خارج القاهرة يعرف ببركة الجب ولا يتوجهون إلى مكة إلا من صحراء عيذاب يركبون النيل من ساحل الفسطاط إلى قوص ثم يركبون الإبل من قوص إلى عيذاب ثم يركبون مراكب خفيفة تجوب بهم البحر الأحمر إلى ساحل جدة ومنها إلى مكة. وتضيف الباحثة كان من الطبيعى لمدينة تجارية بهذا الشكل ويفد إليها الحجاج من كل صوب وحدب ونزولهم بها وإقامتهم فيها ان تزخر بالكثير من الفنادق والخانات والوكالات والبيوت الفاخرة لإستقبال هؤلاء الزوار لكن لم يتبق منها غير وكالتين فقط وحالتهما من الداخل متردية الأولى تسمى وكالة عودة وتقع في مواجهة المسجد العمري ومدخلها عبارة عن كتلتين حجريتين الجزء العلوى على هيئة عقد ثلاثى مفصص تزخرفه أشكال نجمية بيضاء أما الجزء السفلي فيخلو من الزخرفة ويحتوي على ضلفة كبيرة لباب معدنى به سقاطة ويفصل الكتلتين الحجريتين إزار خشبي كبير داخلي مستطيل الشكل يحتوي على أربعة بحور متداخلة ومزدوجة في سطرين داخلها كتابات بخط النسخ عبارة عن أدعية دينية يفصل بينهما ثلاث دوائر داخل كل منها شكل نجمي وفي طرفي الإزار الخشبى حشوتان خشبيتان صغيرتان بارزتان عن سمت الجدارين الجانبيين ويشتملان أيضا على بحرين مزدوجين بداخلهما كتابات نسخية أما الوكالة الثانية فتسمى وكالة محروس وتقع الآن بحارة البومة من شارع القيصرية وهي تشبه وكالة عودة في بنائها وتصميمها أيضا هناك معصرة حجرية أثرية لعصر النباتات الطبيعية واستخلاص الزيوت منها وكان بقوص الكثير من هذه المعاصر. وحول النواحي الثقافية في قوص تؤكد الباحثة انها كانت مزدهرة ثقافيا خاصة في العصر المملوكي فقد بلغ عدد المدارس فيها 16 مدرسة من بين 75 مدرسة كانت موجودة في مصر في ذلك الوقت مشيرة إلى ان مدراس قوص كانت تستقبل طلاب العلم من مختلف الجنسيات وكان يتوافد عليها العلماء والمتصوفة من الشرق والغرب وكانت مدارس قوص لا تقل شهرة عن مدارس القاهرة والأسكندرية كما كان لنزول المقرئين المغاربة بهذه المدينة دور كبير في ازدهار مدرسة القراءات فيها وفي الصعيد بصفة عامة موضحة ان هذه المدارس قامت أيضا بوظيفة المساجد في صلاة الجمعة وكان يقع على عاتقها مسئولية محو أمية الأهالى وتعليم الأطفال الأيتام القراءة والكتابة وتحسين الخط العربى كما ضمت قوص العديد من الزوايا ودور الحديث والمساجد الجامعة التي قامت بدور رئيسي في نشر المذهب السني في مصر العليا وقد أشار المستشرق الفرنسي جاراسان إلى ان مجتمع قوص الإسلامي كان ظاهرة فريدة في تاريخ مصر العليا خلال القرون الوسطى. وتشير إلى ان قوص كانت أيضا بلد العلماء والفقهاء ومن أهم علمائها العلامة أبوالفضل بهاءالدين زهير المكي القوصي النشأة المعروف بالبهاء زهير صاحب الديوان المشهور ومنها أيضا الإدفوي وقد وصل عدد العلماء والأدباء والشعراء ورجال الدين الذين ينتسبون إلى قوص أكثر من مئتي شخصية كذلك تبوأت المرأة في قوص مكانة علمية رفيعة ومن أشهر النساء فيها تاج النساء ابنة عيسى بن علي ورقية بنت محمد بن علي بن وهب وأختها خديجة بنت علي. وتعرض الدراسة للمسجد العمري وهو أقدم مسجد أنشئ في قوص في العصر الفاطمي سنة 473 هجرية ويتكون من صحن مكشوف مستطيل الشكل تحيط به الأروقة وأكبرها رواق القبلة الذي يحتوي على خمسة بوائك ذات عقود مدببة ويحتفظ المسجد بالعديد من عناصره الزخرفية لكن عناصره المعمارية فقدت الكثير من معالمها الأساسية خاصة المئذنة بسبب التجديدات والترميمات التي شهدها في العصور المختلفة مشيرة إلى ان من أهم العناصر الزخرفية المنبر الخشبي الذي يعد واحدا من أقدم ثلاثة منابر خشبية كاملة على الطراز الفاطمي لاتزال باقية حتى الآن وهو من خشب الساج الهندي المحفور حفرا بارزا والمزخرف بالحشوات المجمعة التي بدأت في الظهور في أواخر العصر الفاطمي ويرجع علماء الآثار أهمية هذا المنبر إلى اللوحة التأسيسية التي كتبت بالخط الكوفي المزهر فوق بابه ومثبت عليها تاريخ انشائه سنة 550 هجرية في عهد الخليفة الفائز بنصر الله وقد أضيف لهذا المنبر اضافات عديدة في عصور مختلفة مثل الدرابزين والأبواب والدرجات الأولى. ويشار إلى ان المسجد يحتوى أيضا على محراب جصى من العصر المملوكي يشتمل على عناصر زخرفية نباتية مورقة ـ أرابيسك ـ وزخارف هندسية وأشكال نجمية بديعة التكوين تشبه زخارف المحراب المملوكي الموجود بجامع عمرو بن العاص ويحيط بالمحراب كتابة بخط الثلث المملوكي وهناك أيضا مقصورة في نهاية رواق القبلة وهي من خشب الخرط الذي انتشر استعماله في العصر المملوكي وبها حشوات سداسية الشكل ذات زخارف محفورة حفرا عميقا وداخل هذه المقصورة كرسى المصحف من الخشب المزخرف بالحشوات المجمعة والمطعم بالصدف والعاج ويزخرف الكرسى شريط من الكتابة بخط النسخ المملوكي من آية الكرسي ونص كتابى آخر. وتضيف الباحثة ان بالركن الشمالى الشرقى قبة جصية تحتفظ بحالتها المعمارية والزخرفية منذ العصر الأيوبي وهي منفصلة عن الجامع وترتكز على أربعة عقود يعلوها في الأركان صفان من المقرنصات وزخرفت القبة من الخارج بتضلعات يتخللها فتحات ذات أشكال سداسية على هيئة نجوم وقد أنشأ القبة وجدد بعض أجزاء الجامع مقلد بن على بن نصر في العصر الأيوبي سنة 568 هجرية وقد اجريت لهذا المسجد الذي كان ينافس مسجد عمرو بن العاص بالقاهرة تجديدات في العصور الأيوبية والمملوكية والعثمانية وفي عهد الخديوى توفيق. وتشير الدراسة إلى انه اكتشف في قوص مجموعة من التحف الخزفية والفخارية والزجاجية والخشبية والمعدنية من أهمها القمقم الزجاجي ذو البدن البيضوي الشكل المسطح من الجانبين وله رقبة قصيرة تستدق قرب الفوهة ويزخرف البدن شريط عريض به رسوم آدمية لموسيقيين وعازفين في جلسات الطرب وذلك بالمينا الحمراء والزرقاء والبيضاء وبعض آثار التذهيب ويكتنف هذا الشريط العريض من أعلاه وأسفله عناصر زخرفية نباتية ومثلها حول الرقبة ويعلو شريط به كتابة نسخية نصها: مما عمل برسم الباب الأجل بدرالدين محمود دام عزه محددة بخطوط رفيعة بمينا حمراء أيضا من أهم التحف التي عثر عليها في قوص السلطاني الخشبية ذات الغطاء والأبريق النحاسى المكتوب بالذهب والفضة وعليه اسم الأمير طبطق.