أمل جديد لقصار القامة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصبح علاج «قصر القامة» أمراً ممكناً بالفعل، ولكن ذلك يأتي بعد تشخيص كل حالة بشكل دقيق. وإذا كان علاج الأمراض العضوية، يتم من خلال التحكم بها، إلا أن علاج هذه المشكلة الناتجة عن نقص الهرمونات، يأتي عن طريق إعطاء هرمونات تعويضية بكميات كافية وتحت إشراف الطبيب المختص. أما في حالة ما إذا كانت الإصابة ناتجة عن أمراض العظام، فتصبح الأدوية أو الجراحة هي العلاج الأمثل. غير أن العلاج بالمورثات لم يدخل حتى الآن في علاج قصر القامة. وعن الجديد في هذا المجال يقول الدكتور عبدالله الأشول رئيس شعبة أمراض الوراثة والغدد الصماء بمستشفى الملك فيصل التخصصي: لقد أظهرت بعض الإحصاءات أن حوالي 70% من حالات قصر القامة ترجع إلى عوامل وراثية، ولم يتوصل لعلاج فعال لها حتى الآن. وإن كان اكتشاف نقص بعض الهرمونات في وقت مبكر من عمر الإنسان يساعد على العلاج، عن طريق إعطاء الطفل هرمون النمو حتى يصل إلى مرحلة البلوغ كما يُستمر في تزويده بهرمون الغدة الدرقية مدى حياته. وفيما يخص هذه الحالة قمنا بإجراء دراسة بالتعاون مع البروفيسور جوزيف مارتيل من جامعة لييج في بلجيكا، استغرقت ثلاث سنوات، خضعت خلالها ثلاث عائلات سعودية يعاني ستة من أطفالها قصر القامة الناتج عن نقص في هرمون الغدة الدرقية والبرولاكتين. وبعد أن توصلنا إلى معرفة الجين المورث (بيتيجن-1) الذي يسبب قصر القامة، أعطينا هؤلاء الأطفال هرمون الثيروكسين وهرمون النمو، وقد ظهر من النتائج وجود تحسن ملموس، ومازال الأطفال يخضعون للمتابعة المستمرة في عيادة الغدد الصماء تحت إشراف مباشر. أحب أن أوضح هنا أن النمو ينقسم إلى قسمين: النمو الطولي، وهذا يعتمد اعتماداً كلياً على الهرمونات. والنمو الوزني (نقص في الوزن أو زيادة) وهذا النوع لا تدخل فيه الهرمونات إلا بنسبة ضئيلة جداً أقل من (3 إلى 5%). لذا يجب معرفة إن كان الطفل يعاني نقصاً في النمو الطولي أو في الوزن قبل عمل أي إجراءات طبية، وسوف نركز على النمو الطولي حيث نجد أن هناك أسباباً عديدة تؤدي إلى قصر القامة منها: ـ عوامل وراثية: أي أن العائلة أو فرعاً منها يعاني قصر القامة وهذه تنتقل إلى الأبناء والأحفاد. ـ قصر القامة الذاتي: وهو التأخر في النمو الطولي في السنوات الأولى، ومع بداية البلوغ تبدأ عجلة النمو بالتسارع ويصل الطفل إلى الطول الطبيعي في النهاية. على أن تكون التحاليل المخبرية في كلتا الحالتين سليمة 100%. ـ وجود أمراض مزمنة عند الطفل مثل: الروماتيزم، الربو، التهابات مزمنة، الكساح، فقر الدم بأنواعه، أمراض الكبد، والكلى. ـ اختلال في عملية الامتصاص في الجهاز الهضمي وأنواعه كثيرة. ـ اختلال في وظائف الغدد الصماء:،ابتداءً من الغدة النخامية في الرأس والتي تعتبر «المايسترو» لوظائف الجسم الحيوية، وتفرز بتحفيز من (الهايبوثلامس) ستة هرمونات من الفص الأمامي واثنين من الفص الخلفي. ـ عدم استجابة خلايا الجسم لهرمون النمو المُفرز من قبل الغدة النخامية نظراً لاعتلال المستقبلات الخاصة باستقبال هرمون النمو في خلايا الكبد والتي تؤدي بدورها لإفراز الهرمون IGF1 وهو أهم هرمون لأنه يؤدي إلى نمو العظام والأجزاء الأخرى من الجسم. فيما يعرف «بمتلازمة لارون». قد يكون كل ما تحدثنا عنه سابقاً من إفرازات واستقبالات الهرمونات كلها تعمل بصفة طبيعية ولكن هناك خلل في العظام حيث أن أطراف العظام التي تنمو مع الزمن وتحت تأثير الهرمونات الموضحة أعلاه لا تستجيب مهما كان هناك من هرمونات، وهذا يؤدي إلى قصر شديد في العظام وخاصة الأطراف «الأرجل والأذرع» ويسمى «قصور العظام الوراثي» وهو من أصعب الحالات علاجاً. إن اكتشاف قصر القامة يكون من قبل الوالدين عادة حيث يكون الطفل أقل حجماً من أقرانه أو عند زيارة الطفل للطبيب لوعكة صحية أو لإجراء تطعيمات يكتشف أنه أقل من الطبيعي، ومن هنا تأتي أهمية الزيارات المستمرة للطبيب في سن الطفولة فيمكن اكتشاف بعض الأمراض مثل أمراض الغدد التي لا توجد لها أعراض مُلفته للنظر. عندما يثبت أن الطفل قصير القامة حسب الرسم البياني الموضح في مكتب الطبيب تجرى الفحوصات المبدئية وهي عبارة عن تحاليل مخبرية مثل وظائف الكبد، الكلى، وبعض الهرمونات، وأشعة لمعرفة العمر العظمي وأشعة للرأس لمعرفة حجم الغدة النخامية وما إذا كانت سليمة أم لا، ثم يعاين المريض إذا كانت حالته مستقرة بعد 4 إلى 6 أشهر في العيادة نفسها ويقاس طوله ووزنه وكذلك نسبة زيادة نموه في الأشهر الماضية، وهذه قد تكون أهم نقطة، وغالباً يختلف نمو الأطفال حسب السن: ـ من السنة الأولى إلى السنة الرابعة: من 10 إلى 12 سم في السنة. ـ من السنة الرابعة إلى السنة الثانية عشرة: من 4 إلى 6 سم في السنة. ـ بعد السنة الثانية عشرة أو البلوغ: من 8 إلى 10 سم في السنة. هذا هو المتوسط ولا يعني ذلك أن هذه الأرقام دقيقة ولكن تعطي الانطباع عن معدل الطول في هذه الأعمار. إذا كانت زيادة الطول أقل بكثير، فإن المريض قد يحتاج إلى أن يخضع لتحاليل هرمونات أكثر دقة لمعرفة نسبة هرمون النمو وهرمون الغدة الدرقية والـ IGF1، وهذه عبارة عن تحاليل ديناميكية يخضع لها المريض في المستشفى تحت إشراف استشاري الغدد والنمو. بعد استكمال التحاليل والأشعة يمكن للطبيب تصنيف حالة المريض إذا كان السبب راجعاً لنقص في الهرمونات أو قصور في العظام أو قصور في أحد أجهزة الجسم الأخرى، وحسب هذا التصنيف يمكن علاج المسببات، فإذا كانت هناك أمراض مزمنة يجب السيطرة عليها مثل الربو، الروماتيزم... إلخ وتخفيف العلاجات التي تؤدي إلى إعاقة النمو مثل «الكورتيزونات» حبوباً كانت أو بخاخات. إذا كان هناك أي نقص في الهرمونات فيجب المبادرة بالعلاج بإعطاء هرمون الغدة الدرقية، (الثايروكسين)، أو هرمون الكورتيزون أو أهم هرمونات النمو وهو هرمون النمو ، وهذا الهرمون يعطى عن طريق الإبر تحت الجلد من 4 إلى 6 مرات في الأسبوع بكميات تتناسب مع وزن المريض، وطوله وهو خال من الأعراض الجانبية ونتائجه ممتازة جداً في السنين الأولى من تعاطي الهرمون، ولكن يجب المتابعة المستمرة من قبل الطبيب المعالج على الأقل كل 3 إلى 4 أشهر لمعرفة نسبة النمو وما إذا كانت هناك أعراض جانبية للعلاج. أما علاج قصور العظام وهو الأصعب علاجاً فلا يستجيب المريض لهرمون النمو مثل المرضى الآخرين، ويوجد علاج جراحي وهو تطويل الأطراف بعمليات معقدة ومكلفة ولا ينصح بها، ولكن بعض المرضى يرغب في عملها مهما كلفت، لذا نرى أنه لابد من استشارة طبية عن هذه العمليات والمراكز التي تعملها. نشير هنا إلى أن دور الوراثة في قصر القامة مهم جداً حيث ان بعض القصور في الغدد الصماء يكون وراثياً ويظهر في أكثر من فرد في الأسرة الواحدة، ونادراً ما يكون الأب أو الأم متأثرين وحديثاً تم اكتشاف العديد من المورثات المسببة لقصر القامة محلياً وعالمياً، ولكن هذا لا يعني أن العلاج بالمورثات الآن موجود ولكن نأمل في المستقبل أن يكون هناك حل بديل للعلاج بالإبر. فالأبحاث العلمية تتجه في الوقت الحالي إلى الوراثة وعلم المورثات فيما يتعلق بأمراض العصر مثل السرطانات، السكري، ضغط الدم... إلخ. ومن ثم إمكانية علاجها بالمورثات أو الهندسة الوراثية.

Email