أنشأته شرطة دبي لفحص أدق الآثار

«الكيمياء الجنائية» .. علم يكافح الجرائم

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تتصارع قوى الخير والشر منذ بدء الخليقة، ويتفنن خبراء الشر في تدبير ما يؤذي عباد الله ويضر بهم، ويسهرون على إعداد وتجهيز حقائب الجريمة حتى إذا ما بزغ نور الصباح سارعوا إلى توزيعها، ويستعينون على ذلك بالعلم والخبرة، إلا أن قوى الخير تقف لهم بالمرصاد، وتتمتع بعلم يفوق علم الأشرار، وخبرات تتعدى خبراتهم التي يتصورون أنهم قادرون بها على ارتكاب الجريمة.



وقسم الكيمياء الجنائية التابع للمختبر الجنائي في شرطة دبي يقوم بدور فعال في كشف الجرائم والتوعية ضد الممارسات الخاطئة للبعض، كما يدحض حيل وألاعيب الأشرار التي يبتغون من ورائها الحصول على مكاسب توقع الضرر بالمجتمع وأفراده الآمنين، يتسلح العاملون فيه بعلمهم وإيمانهم المطلق بأن الشر لا يفيد والجريمة لابد من كشفها وعقاب مرتكبها.

المقدم خالد حسين تقي السميطي الخبير في قسم الكيمياء الجنائية بالإدارة العامة للأدلة الجنائية وعلم الجريمة في القيادة العامة لشرطة دبي يقول إن مجال الكيمياء الجنائية لا يقتصر على الدور الأمني بل يتجاوزه إلى توعية عامة الناس بأخطار ومشكلات التعامل غير الآمن مع العناصر الكيميائية التي تحيط بنا، ويضيف أن حياتنا اليومية تعتمد بصورة دائمة على الكيمياء.

ولتعريف الكيمياء الجنائية تعريفاً مبسطاً يقول السميطي إنها استخدام التحاليل الكيميائية بمختلف أنواعها على عينات الآثار المادية من أجل التعرف على طبيعتها ومكوناتها ومدى انتمائها لشخص بعينه وتسخير ذلك لخدمة العدالة، ويضيف أن هناك تطبيقات عديدة لها في العلوم الجنائية المختلفة منها مجال التزييف والتزوير حيث تعتبر الأوراق النقدية من أهم المستندات التي تتعرض إلى التزوير لأنها تتكون من أجود مكونات الورق والأحبار والطباعة بالإضافة إلى وجود وسائل ضمان تمنع من تزييفها.

وسائل كشف التزييف

في هذا النوع من القضايا يتم الاستعانة بالتحاليل الكيميائية المختلفة التي تساعد في كشف عملية التزييف إن وجدت فيتم تحليل الأحبار المستخدمة في عملية تزييف العملات، وذلك بأخذ عينات من أحبار أوراق نقدية مشتبه في كونها ومقارنتها بأحبار أوراق أصلية باستخدام أجهزة خاصة وجهاز الميكروسكوب الإلكتروني لمعرفة مكونات الأحبار. بالإضافة إلى استخدام الأشعة المرئية والأشعة غير المرئية مثل فوق البنفسجية وتحت الحمراء التي تساعد في كشف التزييف..

وفي الآونة الأخيرة تمت الاستعانة بالتطبيقات الكيميائية المختلفة في معرفة عُمر المستند. ويشير السميطي إلى مجال فحص المخدرات مؤكداً أنه يتم الاستعانة بالفحوص الكيميائية والفيزيائية لمعرفة نوع وتركيز المخدر ومن أهم هذه الفحوصات الفيزيائية وهي التي تقيس ذوبان المادة المخدرة والمدى الذي تصل فيه إلى درجة الغليان ولون هذه المادة .. أما الفحوصات الكيميائية فتتم الاستعانة بها بصورة أكبر وذلك لسرعتها في إعطاء نتيجة مبدئية عن المواد المخدرة مثل: (الأفيونيات، البنزوديازوبين، الباربيتيورات) بالإضافة إلى سهولة استخدامها ورخص ثمنها.

وسائل الفحص

ويضيف المقدم السميطي أنه يتم الاستعانة (بالميكروسكوب) في القضايا التي تكون المضبوطات من المواد المخدرة الطبيعية مثل (الحشيش أو القات) حيث يستدل عليها من شكل الخلايا النباتية الخاصة بها، وفي المرحلة التالية نستخدم الفحوصات الدقيقة (التأكيدية) التي توضح ماهية المادة المخدرة مما يساعد على إعطاء نتيجة نهائية للمحكمة ويتم فيها استخدام أجهزة التحليل الدقيقة المختلفة لمعرفة المواد المخدرة وتركيزها، والمواد المضافة إليها. ويؤكد السميطي على دور الكيمياء الجنائية في التعرف على هوية المواد المختلفة لتوفير إجابات للتساؤلات التي تصادف أجهزة الأمن خلال البحث عن علاقة ما تربط بين قضية محددة ومشتبه فيه أو عدة مشتبه فيهم.

الأسلحة النارية

وتتسع مجالات الاستعانة بالكيمياء الجنائية لتشمل مجال الأسلحة النارية، ومن المعروف أنه عندما يقوم شخص ما باستعمال أي سلاح ناري وإطلاق النار منه فإن هذا الإطلاق سيخلف وراءه مخلفات عبارة عن الباريوم وبارود غير مشتعل ودخان بارودي وهو ما ينتج عن احتراق البارود أو الحشوة الدافعة الموجودة في الظرف، وهذا الغبار أو الدخان يطلق عليه مخلفات الإطلاق، هذه المخلفات تنتشر عادة على يد الرامي وملابس المجني عليه وبالذات حول فتحة دخول المقذوف وكذلك في مكان الحادث.

هذه المخلفات يتم رفعها من قبل خبير الأسلحة بالإضافة إلى أخذ مسحات مختلفة سواءً من السلاح إن وجد أو المجني عليه أو من مسرح الحادث ثم توضع داخل أكياس وترسل إلى مختبر قسم الكيمياء، وذلك لتحليل مكونات البارود ومقارنتها لاحقاً بعينات المشتبه بهم حيث يتم أخذ مسحات من السلاح الخاص بهم ومسحات من الملابس والأيدي.

المتفجرات

وعن استخدام الكيمياء الجنائية في مجال المتفجرات يقول المقدم خالد السميطي إن الانفجارات من الحوادث التي تحدث ضرراً هائلاً عند وقوعها، وذلك بسبب قوتها التدميرية العالية ويعتبر التحقيق في هذا النوع من الحوادث من أكثر المعاينات صعوبة، كما أنها تحتاج إلى جهد كبير في التعرف على أسباب الانفجار ومعرفة المتسبب فيه.

والمادة المتفجرة كما يقول السميطي عبارة عن (مواد كيميائية غير ثابتة) عند تعرضها لمؤثر خارجي كصعقة قوية، فإن ذلك يؤدي إلى تحولها بسرعة كبيرة جداً من حالتها السائلة أو الصلبة إلى الحالة الغازية، وعادة ما يصاحب هذا التحول المفاجئ ارتفاع كبير في درجة الحرارة يصل إلى (4000 درجة مئوية) كما يصاحب ذلك خلخلة كبيرة في الضغط الجوي مع صدور صوت مدوٍ كبير وهو ما يسمى (بالانفجار).

القنابل

يقول السميطي: في مثل هذا النوع من الحوادث لو تمعنا في الآثار والأدلة المادية التي يمكن العثور عليها في مكان الحادث فإنها لا تخرج عن مكونات القنبلة وهي أدلة مادية مصدرها مفاتيح التشغيل أو البطارية (الطاقة)، أو الحشوة المتفجرة، أو الجسم الحاوي للعبوة المتفجرة، وعلى قسم الكيمياء الجنائية بالمختبر الجنائي التعرف على مكونات القنبلة قبل انفجارها وكذلك تحديد دور المشتبه فيهم أو المتهمين في القضية بالاعتماد على الآثار المادية المرفوعة في حادث الانفجار.

أما بالنسبة للعينات التي يقوم قسم الكيمياء الجنائية بفحصها فهي المتفجرات التي لم تتأثر بالانفجار أو لم تنفجر حيث يتم فحص هذه المواد وتحديد ماهيتها وهذا النوع من العينات تكون أكثر يسراً وسهولة، وبالنسبة للعينات أو المواد التي نتجت عن الانفجار فإن خبراء الكيمياء الجنائية يستطيعون تحديد نوع المادة المتفجرة، وذلك باستخدام تقنيات وأجهزة مختلفة.

الحرائق المتعمدة

يشير الخبير خالد السميطي إلى الدور الذي تلعبه الكيمياء الجنائية في معرفة أسباب الحرائق، والتي من الممكن أن تكون متعمدة أو عرضية، ويضيف أن دور المختبر الجنائي في النوع الأول هو تحديد معجلات الحريق وهي السوائل المشتعلة والمواد المتطايرة والتي عادة ما تزيد من شدة الاشتعال وإن وجدت في مكان الحادث تعتبر دليلاً على الحريق العمد، خصوصاً عندما يكون تواجدها غير مألوف في مسرح الحادث ذلك أن الجناة عادة ما يستخدمون المواد المتطايرة والسوائل القابلة للاشتعال كمواد تساعد على الاشتعال ويعتبر الكيروسين وبنزين السيارات أكثر هذه المواد استخداماً لسهولة الحصول عليها ولكثرة استخدامها في الحياة اليومية بالإضافة إلى استخدام التنر ومواد الأصباغ.

التعرف على الجناة

وتعتبر البصمات واحدة من أقدم الوسائل المستخدمة في نظام تحقيق الشخصية والتعرف على المجرمين وكذلك وسيلة من وسائل إثبات الشخصية كما يشير المقدم السميطي، ويضيف أن هناك نوعين من البصمات في مسرح الحادث وهي أما تكون ظاهرة وهي التي يمكن رؤيتها بالعين المجردة مثل الملوثة بالدم أو الصبغ، أو البصمات الخفية والتي تتطلب استخدام مواد كيميائية مختلفة لإظهارها مثل المساحيق الخاصة.

ويشير إلى أن من أهم التحاليل الكيميائية بل وأصعبها هي تلك الآثار التي تعرف بالآثار الدقيقة التي يتم رفعها من مسرح الحادث، من أهمها الشعر سواء كان آدمياً أو حيوانياً أو الألياف مثل خيط من نسيج طبيعي أو صناعي يمكن أن يكون له علاقة بالجناة أو المجني عليهم والناتج عن طريق التلامس أو المستخدم في خطوات الجريمة، أو الزجاج المحطم، الذي قد يتواجد بمكان الجريمة أو الذي يتم رفعه من ملابس المتهم، أو آثار لعينات الأصباغ نتيجة الاحتكاك مثل حوادث السيارات. هذه الآثار المادية الدقيقة يتم تحليلها ومعرفة مكوناتها الكيميائية ومن ثم ربطها بأدلة أو آثار تم أخذها من المتهمين. وتتطلب هذه النوعية من التحاليل خبرات كبيرة في مجال التحاليل الكيميائية المختلفة.

التعامل غير العلمي مع المواد الكيميائية قاتل

يشير الاخصائيون الجنائيون إلى وجود علاقة قوية بين الإهمال في استخدام بعض المواد الكيميائية وبين حدوث حالات الاختناق، ويؤكد أن بعض هذه المواد متوافرة في منازلنا أو مكاتبنا ولكن لا نتوخى الحرص اللازم في التعامل معها. ويضرب المقدم خالد السميطي مثالاً على ذلك بحادث وقع قبل فترة حيث تم العثور على امرأة متوفاة في حمام منزلها، وكان على أجهزة الأمن التوصل إلى أسباب الوفاة، وعند فحص المواد المتوفرة في مسرح الوفاة تبين قيام هذه السيدة باستخدام حمض الكبريتيك لتسليك بالوعة الحمام.

وفي ذات الوقت كانت تستخدم مادة الديتول المنظفة في أعمال النظافة، مما تسبب في تصاعد غاز التولويين السام الذي ينتج عن التفاعل بين مكونات حمض الكبريتيك ومكونات الديتول وتبين أن النوافذ كانت مغلقة، مما تسبب في عدم تجدد الهواء في داخل الحيز الصغير للحمام وانتشار الغاز السام الذي أدى إلى الوفاة بالإضافة إلى قضايا استخدام المبيدات الحشرية ومن أهمها المادة التي تكون علي هيئة بودرة أو كبسولات تعرف بـ (فوسفيد الألمونيوم) وهذه إذا وجدت في مكان رطب فإنه ينتج عنها غاز الفوسفين السام لذا وجب التنبيه عند الاستخدام بمخاطر تلك المادة ووسائل الأمان حيث يجب تهوية المكان بعد الاستخدام.

أيمن حجازي

Email