واقع

سكان المقابر عيش حزين في وكر للجريمة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

حياة بائسة حزينة®. لا صوت فيها يعلو على صوت الموت والحزن®. أجراس الموت تدق ليلا ونهارا®. وخرافات الأشباح والعفاريت تسيطر دائما هناك، سكان هذه المناطق لا يرون أمامهم سوى جثث موتى، ولا يسمعون سوى صراخ أهلهم وذويهم، حتى وسيلة المواصلات الوحيدة التي يرونها هى سيارة نقل جثث الموتى، واللون الأساسي الذي يمر على أعينهم هو اللون الأسود®.

إنهم »سكان المقابر« هؤلاء الأحياء الأموات، فهم على الرغم من أنهم يعيشون فوق ظهر الأرض وليسوا في باطنها إلا أن عيشتهم لا تختلف كثيرا عن أصدقائهم وجيرانهم الأموات®.»الحواس الخمس« رصد قصصا إنسانية لسكان المقابر فماذا قالوا؟ كل شيء يقوله سكان المقابر يرتبط بالموت ®. حتى ملامح وجوههن وعيونهم تنطق بهذه اللغة ®. في البداية تقول نبوية صلاح أحدى سكان القبور 84 عاما: إن الحياة التي تعيشها هنا هي وزوجها عم أحمد وابنتيها ساميه ووفاء لا علاقة لها بالحياة الطبيعية، مستطردة:

أنا وبناتي الصغار وزوجي طوال النهار لا نسمع سوى صراخ وبكاء ولا نرى سوى دموع، وتروي قائلة: عندما أستيقظ صباحا لا أجد زوجي بجانبي وأقوم أجده هناك يحفر قبورا جديدة لأموات جدد، فأذهب لأساعده، وتكمل »أستيقظ كل يوم على هذه الأصوات الحزينة وكأنها نغمة منبه«.

وتضيف : حياتي أنا وأسرتي هنا صعبة جدا -نحن لا نعرف الضحك ولا الابتسامة ،بل التراب يلتف من حولنا من جميع الجهات، ووقت الغداء نجلس أنا وزوجي وبناتي حول الأطعمة الرخيصة.

ونجلس بجانب أحد القبور لتناول الطعام، فلا يوجد لنا أصدقاء أو معارف أو جيران سوى الموتى، لدرجة أننا نشعر أحيانا أننا أموات معزولون عن الحياة بل عن الكلام أحيانا، لا يأتي الناس إلينا إلا لدفن موتاهم ولا يتحدثون معنا إلا إذا كان محور الحديث هو البكاء والصراخ، حتى إذا أعطونا أموالا يطلبون منا شراء زرع أخضر لنضعه بجانب جثثهم التي أحضروها .

وتضيف نبوية: بناتي عندما يذهبن إلى المدرسة لا يسمعون من صديقاتهن إلا حديثا عن الموتى والعفاريت فلا حديث اخر يكون مع أبنائي سوى الحديث عن الموت والجثث، وعندما تأتي ساعات الليل ، نسمع صوت نباح الكلاب، أشعر بشيء من الرعب والخوف، أشعر بأن الأموات سيقومون ليلا ينتقمون منا لأننا نزعجهم طوال اليوم ولا ندعهم يعيشون في هدوء ووحدة.

ولكن ماذا سنفعل إذا تركنا سكننا هذا وإلى أين سنذهب، فالسكن هنا على الرغم من تعدد صعوباته إلا أنه أهون من النوم على الرصيف، وتضيف: المسؤولون نسونا تماما وأسقطونا من حساباتهم وكأننا أموات، ولكن نحن نعيش أياما سوداء، لا حياة فيها ®. ماذا سنفعل ؟!

حوار في مقبرة

ويضيف عم لطفي 56 عاما أعيش هنا مع أسرتي في المقابر طريق الفيوم لدرجة أنني عندما أغادر المقابر قليلا ، أشعر بأنني كنت ميتا ، فالجميع هنا يخافون مني ويعتبرونني » جالب الموت« كما يناديني البعض، فأنا هنا أعيش حياة بائسة ظالمة لا أمتلك أموالا لكي أشتري سكنا.

لذلك اخترت عيشة الأموات لأنها أرخص وأهدأ من عالم الأحياء ، ويضيف ون الحياة هنا صعبة جدا لا يوجد بها أحدا سوى جثث الموتى، ولا نتحدث مع أحد، ولا أصوات نسمعها سوى صراخ نهارا ونباح كلاب ليلا ، ليس هذا فقط بل عندما تحل ساعات الغروب ، يأتي إلى هنا بعض الشباب ليتناولون المخدرات بل يأتي البعض إلى هنا لارتكاب الفواحش وأخذ حقن الإدمان، فأقوم من نومي لأطردهم بعيدا وأقول لهم هذا منزلي ابتعدوا®.

ويواصل حديثه قائلا: عندما تحل ساعات المساء أتذكر أنا وأسرتي كل خرافات وقصص الأشباح والعفاريت والأموات الذين يعودون مرة أخرى للحياة، فنشعر أنا وأسرتي بخوف شديد، ولكنني أتمالك نفسي أمام أبنائي حتى لا يخافون أكثر ، ولكن الذي يخيفني بكثير هو هل سنبقى أنا وأسرتي هنا في هذا المكان أحياء وأيضا أمواتا، أم سيشعر بنا البعض ويشعر بصعوبة حالنا وفقرنا ؟

فأنا لم أطلب مساكن مرتفعة ولا أموالا كثيرة كل ما أطلبه أن يتذكر الناس دائما أننا أحياء وليس أمواتا يجب أن نعيش حياة كريمة حتى لو كانت بسيطة أو فقيرة، فمن يتحمل أن يعيش حياة الأموات، حيث لا أحد يسمع ولا أحد يجيب ، لكني لن أجد حلا أو ملاذا أو صحبة سوى مدافن موتانا .

بطالة شديدة

إلى هنا أكد الدكتور محمد الجوهري أستاذ علم الاجتماع أن حياة القبور ما هي إلا هروب للقاطنين فيها من الحياة الطبيعية فلا يستطيع هؤلاء أن يتحملوا أعباء الحياة الطبيعية ولا أسعارها، ولذلك لا يجدون ملاذا سوى الغرف الصغيرة الموجودة في المدافن والقبور.

هذا بالإضافة إلى البطالة الشديدة والمرتفعة في مصر، فالجميع يبحث عن وظيفة ليعيش على رزقها، ونظرا لوجود البطالة فهم لا يجدون سوى العمل في المقابر لدفن الموتى أو قراءة القرآن أو حراسة المقابر والجثث ويربحون من وراء هذه الأعمال جنيهات معدودة وقليلة.

أما عن سمات هؤلاء، فهم يشعرون دائما بالوحدة والخوف من أشباح الموتى، وهذه كلها خرافات غير صحيحة ولكنها تسيطر ليس فقط على سكان القبور ولكن على المصريين عموما ، فهذه الخرافات تسيطر على سكان القبور نظرا للعزلة الاجتماعية التي يعيشون فيها داخل عالم الأموات، لذلك يعتقدون أشياء كثيرة خاطئة مثل العفاريت والجن والأشباح بل يقولون إن هذه الأرواح تخرج ليلا وتصدر أصوات مرعبة وهذا أيضا غير صحيح، بل نابع من خيالات هؤلاء والتي دائما تتصل بالمقابر والدفن والتراب.

ويضيف: لو توفرت لهؤلاء فرص جيدة للعمل والعيش لما سكنوا القبور ولما اختارو حياة الأموات، فكل ما يبحث عنه هؤلاء هو مأوى ومسكن بعيدا عن الرصيف الذي أصبح سريرا للبسطاء من الناس.

القاهرة - دار الاعلام العربية

Email