تختزن قصص الباشوات والمشاهير بالقاهرة

عمارة الإيموبيليا شاهد على الزمن الجميل

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد مرور أكثر من 70 عاماً، تظل عمارة الإيموبيليا في القاهرة شاهدة على أهم الأحداث التي مرت بمصر، فقد شهدت ازدهار وانكسار الملكية، وعاصرت أحداث ثورة 23 يوليو، وبدايات تحول مصر من الملكية إلى الجمهورية ، وأيضاً عاصرت العمارة عهد الرئيس الراحل السادات وتظل شاخصة وشاهدة على عصر الرئيس مبارك بأحداثه.

لم تكن تلك البناية الكائنة بشارع شريف وسط القاهرة مجرد حوائط وجدران شيدها أحمد عبود باشا الملياردير المصري آنذاك، بل كانت (مستوعب)، لكل أطياف الرجال من ساسة ومفكرين وأدباء ورجال الفن وغيرهم كثير... ومع الإيموبيليا كانت هذه الرحلة التي قام بها «الحواس الخمس».

لعل أغرب ما تجده عند زيارتك عمارة الإيموبيليا هو توارث مهنة «الحراسة» عليها منذ اليوم الأول لإنشائها، حيث يسيطر عليها أشخاص من السودان وأسوان، فقد تولى حراستها سالم أحمد فضل الله وهو سوداني الجنسية ثم عوض محمد حسن من السودان أيضاً أما القائم على العمارة الآن فهو الحاج حسن السيد محمود من محافظة أسوان الذي روى لنا حكايته مع مشاهير العمارة، وما تبقى منهم وكيفية إدارة هذا الصرح العملاق.

بناية تاريخية

يقول عم حسن: العمارة قديمة جداً، حيث يعود تاريخ إنشائها إلى عام 1939 ، ويضيف: من واقع ما روى لي فالعمارة مصممة لمواجهة الزلازل أو أي تأثيرات خارجية مثل الغارات الجوية التي كانت تحدث قديماً.. مشيراً الى أن عمارة الإيموبيليا تعد أكبر ثالث عمارة في تاريخ مصر إذ يأتي بعدها عمارة يعقوبيان وعمارة اللواء.

والإيموبيليا بناية تاريخية شهدت تصوير عدة أفلام سينمائية بها منها فيلم «دهب» بطولة أنور وجدي. وقد ظهرت في أحد الأفلام، لا أتذكره، من بطولة مجدي وهبة وماجدة الخطيب التي كانت تقطن العمارة، ومن المشاهير الحاليين الفنان أحمد عبدالعزيز في الجناح الثاني ونجم الكاراتيه يوسف منصور وما زالت الفنانة ماجدة الصباحي تتردد على العمارة لوجود شركة الإنتاج الخاصة بها.

ويصمت عم حسن قليلاً ثم يقول: العمارة ذات نسب وحسب فهي شجرة ذات فروع، ومازال ابن الفنان محمد فوزي يسكن بها، وأيضاً حفيد أحمد باشا عبود يقيم بها أثناء تواجده في مصر.. وعندما سألته عن قيمة الإيجارات، قال: كانت ضئيلة جداً بمقياس هذا الزمن، حيث بدأت الإيجارات بـثلاثة جنيهات وستة جنيهات و14 جنيهاً حسب مساحة الشقة.

حرف (U)

وحول عدد شقق العمارة وتكوينها قال: العمارة تم بناؤها على شكل حرف (U) وهى مكونة من برجين الأول يطل على شارع قصر النيل وبه 3 أجنحة وكل جناح 14شقة، أما البرج البحري فيطل على شارع شريف وبه جناحان ويضم كل جناح من 12إلى 14 شقة، وبالنسبة للسكان فإنهم يتمركزون في البرج البحري لأن أبراج القبلي يسيطر عليها الشركات والمكاتب الإدارية.

ويلفت الحاج حسن إلى أن العمارة بها ناد للإنجليز وناد آخر يسمى نادي «إسو» تابع لوزارة البترول المصرية بخلاف النادي المصري للطيران.. متذكراً أن المطربة آسيا التي أنتجت فيلم الناصر صلاح الدين كانت تسكن الدور الثالث وحل مكانها إدارة تابعة للبنك المركزي المصري.

وبالعمارة جراج كبير للسيارات تبلغ مساحته 5500 متر تقريباً وهو مساحة العمارة بأكملها التي تكلف إنشاؤها مليون و200 ألف جنيه بأسعار الأربعينات، وكعادة البنايات الضخمة كان قديماً يدخل العمارة الشخصيات الكبيرة من سلم محدد لهم بينما يدخل الخدم ويخرجون من السلالم الأخرى، لكن هذا تغير الآن مع مرور الزمن، فكما يقول عم حسن في نهاية حديثه: (كل ده كان زمان أما الآن فالدنيا تغيرت كثيراً، لكن العمارة لم تتغير فهي مازالت صامدة لتشهد على أحداث تاريخية من عمر مصر المحروسة).

سكان العمارة يتحدثون

انتهى كلام عم حسن حارس عمارة الإيموبيليا لكن سكان العمارة الحاليين كان كلامهم أكثر إثارة، فقد وافقوا على ذكر بعض الأحداث المهمة التي ارتبطت بسكان العمارة من المشاهير بعد موافقتنا على عدم ذكر أسمائهم، حيث ذكر أحدهم واقعة تتعلق بالفنانة ليلى مراد وزوجها أنور وجدي، وتحكى هذه الواقعة أن الفنانة ليلى مراد استيقظت من نومها فجراً على صوت المؤذن وأيقظت زوجها الفنان السوري أنور وجدي قائله له: «اصح يا أنور المؤذن صوته كروان النهاردة أنا عايزه أدخل الإسلام فرد أنور وقد غلبه النوم.. قولي يا ليلى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول» ثم نامي وغداً نروح الأزهر نشهر إسلامك فنطقت ليلى الشهادة ثم قامت وتوضأت وصلت ركعتين لله». هذه الواقعة شهدها الدور الثامن بالإيموبيليا وهو نفس الدور الذي شهد انفصال ليلى وأنور وجدي.

حرب الجواسيس

أثناء سيطرة الإنجليز على مقاليد الأمور في مصر وخاصة في عهد الملك فاروق، أحبطت أجهزة الأمن المصرية أكبر شبكه تجسس في ذلك الوقت العصيب حين تم إلقاء القبض على «أليس» الفتاه اليهودية التي كانت تتخذ من عماره الإيموبيليا بالدور الخامس مقراً لإدارة الشبكة، وجمع المعلومات لصالح الألمان وتجمعت الخيوط لدى الحكومة المصرية بعد ورود معلومات سرية باستقطاب «أليس» لبعض الشخصيات المرموقة بالعمارة والحصول على معلومات مهمة وتسريبها للألمان.. وأثناء مغادرة الجاسوسة لمدخل العمارة تم القبض عليها ومحاكمتها.

الملك فاروق وعشيقته

لم يعد سراً أن يذهب «بوللى» كاتم أسرار الملك فاروق إلى بوابي عمارة الإيموبيليا ويلقي إليهم بالتعليمات أثناء مشاهدتهم الملك، حيث حذرهم أن يقولوا للمك «يا مولانا أو سيدنا أو جلالة الملك» وذلك عندما كان يتردد على عشيقته الفنانة كاميليا في الدور الثامن بحجة زيارة رجل السراي اللواء أحمد باشا كامل، حيث كان يسكن بجوارها ولم يكن يغادر فاروق الإيموبيليا إلا في الصباح مع تلك الفتاة التي زرعها الموساد للتجسس على فاروق ونقل أخباره بعد معرفتهم بولعه وشغفه بها، ولم يكن فاروق يريد أن يعرف أحد بهذه العلاقة، حيث كان يذهب متخفياً.

خلف نظارته وقبعته وبحسب التعليمات فإن بواب العمارة كان يقف له محيياً (سعيدة يا خواجة) على نقيض آخر كانت الأميرة شويكار مطلقة الملك أحمد فؤاد تذهب لنفس العمارة بالبرج القبلي للعب القمار مع إحدى صديقاتها.

ملك اليهود في مصر

لم تكن الإيموبيليا تضم بين سكانها المسلمين والمسيحيين فقط بل سيطر على سكانها اليهود وتربع الخواجة ريمون على عرش هذه العمارة، حيث كان يقطن الدور الثالث بالجناح البحري، وكان ريمون يغدق على الملكة نازلي بالهدايا والمجوهرات الثمينة من الألماس من أجل أن تضغط على الملك فاروق من أجل تنصيبه ملكاً على اليهود في مصر وكان ريمون أشهر جواهرجي بشارع عبدالخالق ثروت أحد الشوارع المحيطة بالعمارة... كان الخواجة يريد التنصيب لكونه أغنى يهودي فى مصر بل لم يعترف أصلاً بملك القطن اليهودي يعقوب قطاوي، ورجل البنوك «موصيري»، الذى كان أيضاً يقطن الإيموبيليا بجانب سلفادور شيكوريل صاحب محلات شيكوريل وأيضاً يجاورهم في نفس الدور ريمون شملا صاحب محلات شملا الشهيرة.

بين السما والأرض

عندما أخرج صلاح أبو سيف فيلم «بين السما والأرض»، كانت مصاعد عمارة الإيموبيليا هي التي أوحت لأبوسيف بفكرة الفيلم، حيث كان يوجد بالعمارة 27 مصعداً مقسمين إلى ثلاث درجات مصاعد «بريمو» للسكان، ومصاعد «سكندو» للخدم، ومصاعد أخرى لنقل الأثاث والمقتنيات.. وفي زيارة لصلاح أبو سيف لأحد أصدقائه في العمارة عرف أن الأسانسيرات دائماً ما تتعطل ويظل مصير راكبيها معلقاً في الهواء فأوحى له ذلك بفكرة الفيلم الذي جسدت البطولة به نجمة الإغراء في ذلك الوقت هند رستم وشاركها عبدالمنعم إبراهيم.

مشاهير من كل لون

كان الكاتب الكبير فكري باشا أباظة أول سكان عمارة الإيموبيليا وكان يشغل عدة مناصب منها رئاسة تحرير مجلة «المصور» المصرية، يجاوره في ذلك الدكتور عبود باشا استشاري الرمد الشهير والطبيب الخاص لكوكب الشرق أم كلثوم، أيضاً سكن العمارة المخرج هنري بركات وكمال الشيخ والمطرب محمد فوزي، والفنان محمود المليجي والمطربة أسمهان شقيقة فريد الأطرش وأيضاً كان فنان الشعب نجيب الريحاني من أوائل سكان العمارة، حيث سكن من 1939 إلى 1948 وتكريماً له تم وضع لوحة تذكارية بهذه التواريخ، ومعروف أن الريحاني هو الذي أقنع موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب بضرورة المجيء إلى عمارة الإيموبيليا والسكن فيها وترك حي العباسية القديم..

لكن عبدالوهاب تخوف من الغارات الجوية وخاصة أن الإيموبيليا قريبة من مبنى الإذاعة والتلفزيون، إلا أن الريحاني أقنع الموسيقار بأن القنابل ان تم إلقاؤها على العمارة ستنسف الأدوار العليا وأنهم يقطنون الدور الثالث فلن تصيبهم واقتنع عبدالوهاب وعمر طويلاً ليرحل في التسعينات. ولم يكن عبدالحليم حافظ ببعيد عن سكان العمارة، حيث سكنها العندليب هو وشقيقه بعدما أقنعه كمال الطويل بذلك وترك سكنه بمنيل الروض.. وأيضاً كان عبدالعزيز محمود من سكان العمارة وهو صاحب أشهر أغنية تتحدث عن التاكسي «يا تاكسي الغرام».

القاهرة ـــ دار الإعلام العربية

Email