الزواج بالإكراه أو الزواج الجبري أو القهري هي مسميات لنوع من الزيجات يقوم على المصالح أو القبلية أو يحكمه الإرث أو المال بصفة عامة، ورغم أننا في عصر العولمة والانفتاح على العالم المتقدم ما زلنا في عالمنا الثالث متمسكين في بعض العادات والتقاليد التي في كثير منها مخالفة للشريعة الإسلامية®.

فكثير ما نسمع عن رجل خطب لابنه فتاة على غير رضائه فقط بدعوى الحسب والنسب كما يقولون بأن تكون ابنة وزير أو رجل أعمال كبير أو سفير، لتبدأ معركة الطرفين فيها خاسران، فإذا رفض الابن وقرر أن يكون هو صاحب الاختيار خسر الأب، وإذا وافق على رأي والده خسر نفسه.

ولكن في أغلب الحالات البنت تكون هي الضحية التي لا مفر أمامها إلا الخضوع لسكين والدها أو وليها ليختار لها دون أن يكون لها رأي أو كلمة باعتبار ذلك في مفهوم الكثيرين من هؤلاء أن الفتاة لا رأي لها وكأننا في عهد العصور الوسطي.

وبالرغم من أن مثل هؤلاء الآباء أو أولياء الأمور يطلعون يوميا على كوارث مثل هذه الزيجات الجبرية من فشل وتفكك أسرى وقضايا تنظرها المحاكم كل يوم وأبناء يعانون حياة النكد.

وحالات الانتحار العديدة التي سجلتها مضابط الشرطة أو الهروب من عش الزوجية بعد فترة وجيزة من إجبار الفتاة على الزواج من رجل لا ترغب فيه، فضلا عن جرائم قتل الأزواج التي شهدتها كثير من المحاكم المصرية وفي دول عربية عديدة وغيرها من المآسي، فإن البعض لا يسمع ولا يرى غير نفسه وصوت مصالحه تحت شعار »مصلحة البنت«.

قصة مأساوية

واحدة من قصص الزواج الجبري، تتعلق برجل أعمال كبير فكر في مكاسب جديدة ولم يجد أمامه إلا خزائن رجل أعمال كبير من أصدقائه بعد أن شاهد ابنته في أحد الأندية وقرر تزويجها لابنه، ودون أن يرجع لابنه صاحب الحق الأصيل في القرار طلب يدها من والد الفتاة الذي هو أيضاً وجد ضالته في ثروة صديقه واتفقا على كل شيء وعندما فاتح الرجل ابنه رفض بشدة الفكرة لارتباطه بإحدى زميلاته في الجامعة.

وهو تخرج قبلها بعامين وهي في السنة النهائية وعندما عرف الأب بأن الفتاة التي يرغبها ابنه فقيرة ووالدها موظف في إحدى المصالح الحكومية هاج وماج وهدد وتوعد ولكن الابن أصر على رأيه، وقرر الاستقلال بنفسه، لو دعا الأمر إلى ذلك®.

لم يكن أمام الأب إلا أن يبدأ في الضغط على والد الفتاة من جهة والفتاة من جهة أخرى للابتعاد عن ابنه وتهديدهما باستمرار مما جعل والد الفتاة يتراجع خوفا على ابنته من بطش والده، ورغم محاولات الشاب الكثيرة فهم وأدرك أنه في مأزق حقيقي خاصة بعد أن اختفت الفتاة عن حياته، خوفا على والدها المهدد من رجل الأعمال والد حبيبها، وهنا فرح الأب واعتقد أنه نجح تماماً، وعقد العزم على مفاتحة ابنه في ذلك اليوم في أمر الزواج من بنت صديقه، ووصل إلى منزله ليسمع رأى ابنه بعد جهود كبيرة بذلها ليتخلص فيها من حبيبته ونادى عليه غير أنه لم يجب، فدخل حجرة ابنه ليجده معلقا على نجفة غرفته فاقدا الحياة.

هذه القصة نموذج من قصص كثيرة تحملها صفحات الحوادث في الصحف العربية عامة وأحياناً الأجنبية، وهذا النوع من الزواج الذي تفرضه المصالح أو العادات القبلية أو الجهل بالدين نشهده أيضا عندما يكون في عرف قبيلة ما عدم السماح للفتاة بالزواج إلا من قبيلتها، وللولد الحق في الزواج ممن يشاء.

وهذا ما تعتبره كثير من المنظمات الحقوقية انتهاكا لحقوق هؤلاء ومخالفاً للاتفاقيات الدولية وحقوق الطفل التي تحظر كل أشكال التمييز ضد المرأة أو الزواج بالإكراه والمبكر، وكثير من هذه المنظمات والدراسات أكدت أن الظاهرة مستمرة حتى اليوم، وهذا ما يهدد مستقبل الكثير من الأسر التي تسير على هذا النهج.

حسابات الآباء

هذه الظاهرة معقدة تحكمها المصالح أو القبلية أو تقاليد من يدعون أنهم من الأسر الراقية، ولكن الظاهرة الأخطر، التي تعد اليوم هي الغالبة، هي الزواج المبكر أي قبل بلوغ الفتاة السن القانونية للزواج، وتلك الفتيات لا قرار ولا قدرة لهن على اتخاذ قرار لصغر سنهن، خاصة أنهن يخضعن لحسابات الآباء الذين يعتقد البعض منهم أن زواج الفتاة مبكراً أمر ضروري حفاظا على الشرف.

»تامر الحجي« يعمل مع والده في متجر في أحد الأحياء في مصر وقصته حزينة وذلك عندما عرض عليه والده الزواج من ابنة صديقه التاجر. لم يرفض الابن ولم يفكر إذا كانت أيضا هي رغبتها أم لا®.

وعلل ذلك بأنه تعود ألا يرد لوالده طلبا حيث كان قاسيا معه، وتعرضت الفتاة لضغوط وخضعت، وتم الزواج لكنه فوجئ بزوجة متمردة رافضة تماماً هذا الزواج، واستمر الزواج ثلاث سنوات أثمر طفلة واحدة، ولكنه طيلة هذه السنوات الثلاث لم يكن بينهما حوار أو مودة وكل ما بينهما صمت مستمر إلا عند الضرورة، والكل يؤدي واجبه تجاه الآخر، ولم يجد أمامه مفرا إلا طلاقها، وخلّفا بذلك معاناة جديدة لابنتهما بزواج الأب من امرأة أخرى، وزواج الأم من آخر لتبقى الصغيرة تائهة بين أحضان جدتيها المسنتين.

قصة زوجة

«سامية.م.أ« في الحادية والعشرين من العمر ـ عاملة نظافة في أحد المصانع، وجهها شاحب يعبر عن مأساة تعيشها تروي قصتها المأساوية قائلة »كنت في السادسة عشرة من عمري، وفي بداية المرحلة الثانوية عندما واجهني والدي بخبر وقع عليّ كالصاعقة حيث قال لي (جهّزي نفسك للزواج ولا تذهبي إلى المدرسة بعد اليوم).

وتستطرد: كانت كلماته واضحة وحاسمة لم أستطع الرد من شدة المفاجأة جلست إلى والدتي لأعرف ماذا يحدث فقالت لي إن والدك قرر تزويجك لابن عمك (صالح)، والأسبوع القادم عقد القران، وسألتها عن المدرسة فقالت (البنت إذا تعلمت أو لم تتعلم في النهاية لبيتها)، قلت لها (صالح مثل أخي وأنا لا أريده فلم أفق إلا بصفعة على وجهي من أمي التي هددتني بأنني إذا كررت هذا الحديث ستقتلني وقالت لي (أتريدين لوالدك أن يصبح أضحوكة في القرية؟)، وقبل أن أصل لسن السابعة عشرة كان قد تم الزواج.وتواصل سامية مأساتها قائلة:

في العام الأول أنجبت ابني أحمد، وبعدها بعامين أنجبت سعاد ابنتي وسط أجواء مليئة بالكراهية وصلت بنا إلى الطلاق، واتهموني بأنني السبب فيما حدث، ورفض والدي الإنفاق على أولادي، ورفض زوجي منحي أي نفقة، وضاق بي الحال وليس لديّ شهادة أعمل بها فلجأت إلى هذا المصنع لأوفر لابني وابنتي لقمة العيش رغم أنني ما زلت أعيش في منزل والدي الذي لا يحدثني وقال لي لولا (كلام الناس لطردتك من المنزل)«.

أما أمجد وهو شاب في الثلاثينيات من العمر فقال »تزوجت من امرأة تكبرني بعامين اختارها والدي الذي رفض حتى الاستماع لرأيي، على اعتبار أنه أعطى كلمة لوالد العروس، وعندما رآني منزعجاً يومها طلب مني ألا أرفض، وقال إن رفضي يعني انتهاكاً لكرامته وتوسل لي بألا أكسر ظهره أمام الناس، فوافقت والآن أدفع الثمن وأعيش مع امرأة لا تطيعني ولا تحترمني وتعايرني بأنني الرجل الذي كان من المفترض أن يرفض الارتباط بامرأة لا تحبه ولا ترغب فيه وأصبح منزلنا كله كراهية ونكدا وقال أحمد الله أنها أجهضت الحمل الوحيد الذي تم خلال 5 سنوات عمر زواجنا«.

كابوس

أكثر الذين يعانون من مثل هذه الزيجات ويكنّ ضحايا بكل ما تحمل الكلمة من معنى هن الفتيات وأغلبهن واجهن مصيراً مظلماً بعد الطلاق، ومن بين هؤلاء »فاطمة.آ.ن« قالت إنها تزوجت بالإكراه عندما رفضت الرجل الذي حاولوا فرضه عليها.

وهي تعلم أن سيرته ليست حسنة، فهو يمارس كل ما هو مخالف للأخلاق والقيم ويتعاطى المخدرات بشراهة وغليظ القلب وغير محبوب من جيرانه، كل ما في الأمر أن شقيقته متزوجة من شقيقي.

وعندما تقدم والده لوالدي لخطبتي إليه بعد أن رفضته كثير من الأسر لسوء أخلاقه وافق والدي تحت ضغوط كثيرة تلمّح إلى تهديد مستقبل شقيقي مع زوجته، ولعبت زوجة أخي دورا كبيراً في هذه الضغوط، وضعف والدي واضطر للموافقة ورفض أبي أي رأي آخر بل ضربني ضرباً مبرحاً. ورغم أن والدتي لم تكن راضية بهذه الزيجة لكنها أقنعتني بأن أرضخ وأنحني للرياح فوافقت.

وتستطرد: الغريب أن الرجل الذي يفترض أن يتزوجني يعلم تماماً رفضي له وقد أبلغته قبلها بذلك إلا أن الضغوط كانت أكبر مني فتزوجته ولكنه لم يغفر لي رفضي له، فكان يعاملني معاملة مهينة ويضربني وأنجبت منه ثلاث بنات أكبرهن الآن في العاشرة من عمرها وأخيراً قُبِض عليه في قضية مخدرات وحُكِم عليه بالسجن 6 سنوات.

وأنا أعاني اليوم كثيراً في تربية البنات، ووالدي دخله محدود ودخل شقيقي بالكاد يغطي احتياجات أسرته الصغيرة، فاضطررت للعمل عاملة في إحدى المدارس، والغريب أن أهلي رفضوا فكرتي في طلب الطلاق بالمحكمة وقالوا »عيب!«، كنت آمل أن أرتاح من هذا الكابوس ولكنهم بعد كل هذا يستكثرون عليّ حتى الرغبة المشروعة.

ظلم للمرأة

ولأهل الدين رأي أيضا حيث يقول الشيخ حمدان إسماعيل، أحد علماء الدين، إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال »الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صمتها«، وذكر »إن رجلا زوج ابنته وهي بكر من غير أمرها فأتت النبي- صلى الله عليه وسلم- ففرق بينهما«.

وقال: »للنكاح شروط منها رضا الزوجين،ولذلك لا يصح إجبار الرجل على نكاح من لا يريد ولا إجبار المرأة على نكاح من لا تريد حيث نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن تزوج المرأة بدون رضاها سواء كانت بكراً أم ثيباً، إلا أن الثيب لا بد من نطقها بالرضا، أما البكر فيكفي سكوتها لأنها قد تستحي من التصريح بالرضا«.

وأشار إلى أن فرض ولي الأمر زوجاً على ابنته وإجبارها على مثل هذه الزيجة فيه ظلم للمرأة واستهانة بعواطفها وإهدار لرأيها، لأن الإسلام كرمها رداً على إهانات عهود الجاهلية، وهذا أيضا سينعكس على استقرار الحياة الزوجية نتيجة استحالة العشرة ويتحمل ولي الأمر وزر ما فعله بالابن أو الابنة.

ولعلماء الاجتماع رأي، حيث أكدوا أن المشكلة والمسؤولية ليست على ولي الأمر وحده، بل هناك شركاء أصليون في هذه الجرائم الزوج والشاهدان الذين تقع عليهم مسؤولية كبيرة، فليس هناك رجل يخاف ربه يمكن أن يقبل الزواج من امرأة لا تريده، فعليه أن يتأكد من أنها راضية به كزوج.

والعلماء أكدوا أن شهادة الشاهدين في هذه الحالة آثمة وكان عليهما التحري والتأكد من موافقة الطرفين على الارتباط ببعضهما بالرضا، ذلك أن الشهادة مسؤولية لا يستطيع حملها إلا الذين يخافون الله في الناس وفى أنفسهم.

القاهرة: دار الإعلام العربية