ذكريات

الأمثال الشعبية حكم تتوارثها الأجيال

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تراثنا كنزنا. الجذر الذي مهما علت شجرة الأيام وتزينت واختلفت ألوان أوراقها، يظل يشدنا الى التربة والأصل. التراث ليس حديثاً مضجراً، انه حكايات لا تزال تنبض بالحياة، تماماً كما الجذور تنبض بماء الحياة.

وكثيرة هي التقارير التي تتحدث عن تراث الإمارات، وقليلة هي المقاربات التي لا تقع في فخ الإطالة او الضجر، في زمن انصرف فيه الشباب عن كتب التاريخ، الى محادثات »التويتر« و»الفيس بوك« وال»يوتيوب« »الحواس الخمس« أراد في رمضان أن ينبش في خزانة تراث الإمارات، أن يذهب في زيارات خاصة تستقصي وتسأل وتتذكر، مع المعنيين. جلنا في جبال، وتمشينا على شواطئ. استمعنا الى نغمات كادت أن تندثر لولا حرص مجموعة من المتحمسين الى التراث، وجهدهم في الحفاظ عليها ونقلها من جيل الى آخر. جالسنا صيادين وحرفيين وشعراء، وتوغلنا في ذاكرتهم الفردية والجماعية، في ذاكرة الحنين. في رمضان نفتح كتاب الحنين الى الماضي الجميل.

أمثال شعبية كثيرة لا تعد ولا تحصى تداولها الناس منذ القدم، فهي جزء من حياة الأمم والشعوب، تستلهم التاريخ وتتضمن الموروث وتعبر عن الفكر والثقافة®. وتعد الأمثال هي نماذج الحكمة لما غاب عن الأسماع والأبصار لتهدي النفس، فمن تدبير الله لعباده أن ضرب لهم الأمثال من أنفسهم لحاجتهم إليها ليعقلوا بها®.

ويدركوا ما غاب عن أبصارهم وأسماعهم®. ولا يغفل عاقل ما تتميز به الأمثال أيضاً بوجه عام من ناحية البلاغة بعدة ميزات أهمها:التشبيه، والإيجاز،والاستعارة والكناية، والسجع على أنواعه.

لكن يأسف القلب عند سماع مثل شعبي من قبل شباب مواطنين يطرح بأسلوب خاطئ، لذا تتحكم ضرورة الاستخدام الصحيح لأمثالنا الشعبية التي لا غنى لنا عنها في حياتنا اليومية، كما تحتم الضرورة في توظيفها بكلماتها الصحيحة، وفي إطارها الصحيح. ل»الحواس الخمس« وقفة مع مجموعة من الأمثال الشعبية ومدى أهمية توظيفها في الحياة فكان له التالي®.

القيم الفاضلة

عبد الله المازمي يوضح قائلاً إن هناك العديد من الأمثال الشعبية تحث الفرد والمجتمع على المحافظة على التقاليد الراسخة، والقيم الفاضلة مثل الشهامة والكرم والمروءة وغير ذلك من المضامين الإنسانية®.

مُضيفاً: وبالرغم من صمود ذلك الإرث إلا أنه أصيب بالتراجع بين الأجيال الجديدة الذين قل ارتباطهم بالموروثات الشعبية في رحلة البحث عن التطور وأصبحت هناك العديد من التحولات الفكرية والثقافية في ظل الانفتاح الثقافي على العالم الواسع، وإذا كان المثل يأتى مستخلصاً من التجربة والحكمة فلا بد أن يكون هناك تجدد فكري تخرج منه أمثال حديثة، لأن الأمثال نوع من الثقافة لا تخص جيلاً معيناً، لأنها وعاء ومخزون معرفي للأجيال.

استطرد قائلاً: في أحد الأيام تعرض لموقف مع شخص كان يظن بأنه صديق، واضطر لأن يقول له مثل: »الحيلة ما توصل دار«، وهي تعني أن من يظن أنه بالحيلة وليس بالعمل النزيه يمكن أن يفوز وينجح فإنه مخطئ، فالمحتال لن يصل إلى غاياته ولو تخيل له ذلك.

فيها حكم كثيرة

كما تبدي الحاجة »أم راشد« رأيها في الموضوع قائلة: »إن الأمثال هي حكمة ومخزون يعبر عن ثقافة الشعب الإماراتي وعراقته«®. وأمدتنا بالعديد من الأمثال الشعبية التي تحفظها عن ظهر قلب.

وذكرت منها: »اليمر يخلف رماد« والذي يقال تعبيراً عن أن الجمر يعطي رماداً، وبالتالي يمكن لرجل صالح أن يخلف ابناً ضالاً لا خير فيه ®. ومنها ايضاً »الحيلة ما توصل دار« وهو يعني كما أوضحت أن الحيلة سبب ضعيف وطريق ضيق لا يصل منه المحتال أي غاياته ولو تخيل له النجاح.

روح الفكاهة

أما أحلام سالم -ربة منزل- فتوضح أن القالب الذي يوضع فيه المثل بما فيه من إيجاز واختصار تغلب عليه روح الفكاهة، والخفة والظرف هو من أهم الأسباب التي تساعد على انتشار المثل وسرعة تداوله®. وهي تحرص على قول الكثير من الألفاظ التي تتناسب مع المواقف الحياتية التي تمر بها.

القيم الاجتماعية

ويقول عمران الرئيسي- موظف : إن المثل الشعبي يلعب دوراً مميزاً في إبراز القيم الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع فمن خلال تداول المثل فإن العامة يسعون إلى تعميق وترسيخ معاييرهم الأخلاقية ومن ثم تعميمها بين الناس.

مُنوهاً أن تداول الأمثال الشعبية بطريقة عفوية وطوعية تجعل منها جزءاً لا يتجزأ من التراث الحضاري. مُشيراً إلى بعض الأمثال منها : »السمجة الخايسة تخيس السمج كله« وهو من الأمثال التي تدعو إلى عدم مخالطة السفهاء وعديمي المروءة®. وذكر أيضاً »من خان عن داره قل مقداره« وهو مثل يدعو إلى التمسك بالأرض.

الجيل الحديث لا يتداول الأمثال الشعبية

وتعلق الوالدة سهيلة عبدالله على موضوع الأمثال الشعبية مُحلقة بنا في منحى آخر وهو اعتقاد الكثيرين أن الأمثال الشعبية هي فن نسائي قائم بحد ذاته ومحوره الرئيسي هو مشاكسة الرجل، إلا أن الشعوب وجدت فيها لغة رمزية تستطيع من خلالها دخول المعترك السياسي وما فيه من مشاكل وأزمات لا تنتهي.

مشيرة وبأسف شديد أن الجيل الحديث هو من الشباب الذين لا يهتمون بالأمثال الشعبية، الأمر الذي يثير بعض المخاوف من اندثار الثقافة الشعبية، نتيجة لتقاعس الجيل الحالي، وقصور في أدوار بعض أجهزة الإعلام في توصيل رسالتها التنموية والثقافية.

وتذكر الطنيجي مثلاً تضطر لقوله في الكثير من الأحيان وهو: »اربط صبعك وكلٍّ بينعت لك دوا«، والذي يُقال لبعض الناس ممن يتطوعون لإلقاء النصيحة في أمور قد لا يفهمون فيها شيئاً، وبالتالي يدعو كل إنسان أن يعمل بما يناسبه.

وذكرت أيضاً »الغرقان يتعلق بالشبو« ويعني أن المحتاج يتوسل بكل طريقة يستطيع من خلالها تأمين حاجته ولو كانت سبباً ضعيفاً ، إذ إن الغريق يتعلق بالشبو (الطحلب) مع إدراكه أنه لا يمكنه إنقاذه، وهو كناية عن تعلق الإنسان بكل الأسباب التي تساعده على النجاة عندما يواجه موقفاً صعباً في حياته.

مجموعة من الامثال الشعبية

»تموت الديايه وعينها على السبوس«. هذا المثل يدل على الطمع والمقصود به طمع الإنسان الذي اقترب من الموت ومع ذلك مازال يركض وراء الدنيا ومتاعها. »احفظ الحتحات لين أيقول لك الزمان هات«. بمعنى أن الحتحات وهو الشيء المتفرق فربما احتجت له يوماً من الأيام ولا يجديك الندم بعد التفريط.

»جديم البريسم ولا يديد الصوف«. أي أن الأسبق في السن أسبق إلى الفضل وخير ممن بعده كما أن قديم البريسم خير من جديد الصوف. »ظاهر من الخب وطاح في الطوي«®. فهو شخص تعيس الحظ كلما خرج من مشكلة وقع في أدهى منها وأشد®.

»كل عود فيه دخان«®. أي لا تحقر أحداً فكل إنسان له كرامته وربما دافع عنها بشدة لا هوادة فيها إذا أحس بالإهانة. »لا هشة ولا بشة ولا ملمعاني طشة«®. أي أنه لا سرور يبدو على وجهه ولا بسمة بشر ولا قليل من فعال طيبة.

دبي - مريم إسحاق

Email