تراث

الخبز الإماراتي ذكريات الطفولة وتنوع المائدة الشعبية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تراثنا كنزنا. الجذر الذي مهما علت شجرة الأيام وتزينت واختلفت ألوان أوراقها، يظل يشدنا الى التربة والأصل. التراث ليس حديثا مضجرا، انه حكايات لا تزال تنبض بالحياة، تماما كما الجذور تنبض بماء الحياة.

وكثيرة هي التقارير التي تتحدث عن تراث الإمارات، وقليلة هي المقاربات التي لا تقع في فخ الإطالة او الضجر، في زمن انصرف فيه الشباب عن كتب التاريخ، إلى محادثات »التويتر« و»الفيس بوك« وال»يوتيوب«.»الحواس الخمس« اراد في رمضان أن ينبش في خزانة تراث الامارات، أن يذهب في زيارات خاصة تستقصي وتسأل وتتذكر، مع المعنيين. جلنا في جبال، وتمشينا على شواطئ.استمعنا الى نغمات كادت أن تندثر لولا حرص مجموعة من المتحمسين الى التراث، وجهدهم في الحفاظ عليها ونقلها من جيل الى آخر. جالسنا صيادين وحرفيين وشعراء، وتوغلنا في ذاكرتهم الفردية والجماعية، في ذاكرة الحنين.

في رمضان نفتح كتاب الحنين الى الماضي الجميل.»الرقاق، الجباب، المحلا، الخمير« وغيرها الكثير هي عبارة عن أنواع مختلفة من الخبز المعروفة في دولة الإمارات، حيث لم تستطع المخابز العالمية أن تضاهي طعمها.ويكاد لا يفارق المائدة الإماراتية، فأمهاتنا عجن الدقيق مع المحبة وخبزنها لأبنائهن فكان سر النكهة يكمن في الأيادي التي صنعت الخبز.

بدأنا نحن إلى الخبز الحار الذي تصنعه أمهاتنا والذي يمتاز بالنكهة الطيبة والرائحة الشهية، كتب كثير من الشعراء فيه حيث قال محمود درويش في قصيدته »أحن إلى خبز أمي، وقهوة أمي«.

وعند الحديث عن الخبز الإماراتي وأنواعه ترتسم ابتسامة رائقة على وجوه المتحدثين فهم يستعيدون ذكريات الطفولة ولذة الخبز التي تبقى ما بقيت الذاكرة، فيقول الموظف عبد الرحمن بقيش:

لا تزال رائحة الخبز الحار الذي تصنعه أمي عالقة في بالي حيث كنت احلق حولها وأخوتي منتظرين قطعة الخبز الذي نتلذذ بطعمه ورائحة السمن البلدي تنبعث خلالها، وهناك أنواع متعددة للخبز تختلف باختلاف المواسم، ففي الشتاء كان خبز الخمير هو السائد لأنه يدهن بالسمن ويعطي قوة وطاقة لآكله، بينما يكون خبز الجباب والمحلا مرغوبا في فصل الصيف ومن أشهر أنواع الخبز التي عرفت في جميع الإمارات خبز الرقاق الذي تعرفه كل البيوت وصار الآن موجودا في المخابز.

وتتحدث أم علي عن خبز الرقاق فتقول: خبز الرقاق هو أشهر أنواع الخبز، ويكون عجينة خفيفة مصنوعة من الدقيق والماء والملح يؤخذ منها بحجم قبضة اليد ويفرش على الطابي الساخن وهو يحتاج خبرة في طريقة فرده حيث تعودت النساء فرده بطريقة احترافية.

وتترك العجينة حتى تنضج وتجف فترفع من النار بالمحماس، ويوضع عليها السكر والسمن وتؤكل، والناس تفضل خبز الرقاق المنزلي حيث تحرص كثير من الأمهات على إعداده على الحطب بالطرق التقليدية، وخبز الرقاق لا يخمر لذا يمكن عجنه وإعداده مباشرة لذا تعد المرأة ما يكفي أسرتها في كل مرة.

وتقول فاطمة الكتبي ربة منزل: كنت ومازلت اعد أنواعا مختلفة من الخبز الذي يحبه أبنائي، حيث أعد خبز الخمير وأعجنه في الليل وأتركه ليتخمر حتى الصباح ثم اخبزه وفي السابق لم يكن هناك خميرة تباع في الأسواق فقد كنت أضع قطعة من عجين الخمير جانبا لتستخدم في اليوم الثاني.

ويحضر الخمير بمزج الماء الدافئ مع التمر حتى يذوب بعد أن يمرس باليد ثم يصفى الخليط من الشوائب ويضاف إلى الجينة المحفوظة من اليوم السابق ثم يخلط مع الدقيق ويعجن ويترك حتى الصباح ثم يقطع إلى عدة قطع ثم يبسط على شكل دوائر وتوضع القطع واحدة بعد الأخرى على الطوباي وتقلب حتى تنضج.

ويقول أبوعبدالله صاحب مطبخ الليلة السعيدة في الشارقة: إن الخبز الإماراتي يتميز بمذاقه الطيب كونه يؤكل حارا ويمكن أن يضاف إليه البيض أو الدبس.

ولا ننسى خبز التنور الذي كان يعد من البر ويخبز في تنور موجود في كل بيت وخصوصا في الجبال، وكذلك عرف الناس خبز الرقاق الذي يؤكل مع البيض أو الجبن أو يستخدم في عمل الفريد، ونحن في المطبخ نستخدمه في الفريد أو مع اللحم المشوي وتغطية القوزي.

وعند مشاركتنا في الفعاليات الشعبية هناك الكثير من الناس ليست لديهم الخلفية الكاملة عن أنواع الخبز فهناك المرشوش والتضاريب وهي عبارة عن نهاية العجينة.

وتهتم أم عبدالله بإعداد مختلف أنواع الخبز في بيتها إذ تقول: هذه الأنواع عرفناها من أهلنا وهي تحضر في وقتها ونعرف مكوناتها وقد تعودت أن أعدها لأبنائي وهم الآن يجتمعون عندي يوم الجمعة فيجدون أنواع الخبز والأكلات الشعبية موجودة بانتظارهم، وأنا أعد خبز الجباب الذي يختلف قليلا عن الخبز المحلا بأنه يكون متخمر قليلا فحين تخبز الخبزة تتكون فيها ثقوب نتيجة التخمر.

بينما يكون المحلا أخف منه الجباب وأرق، ويصنع المحلا بإعداد عجينة رخوة سائله يتم رفعها بملعقة كبيرة وكنا في الماضي نستخدم علبة معدنية صغيرة نأخذ كمية من العجينة ونصبها على الطابي وتبسط بالملعقة وكنا نستخدم عودا من سعف النخيل لبسطها، وحين تنضج من الجهة السفلية تقلب على الجهة الأخرى ويضاف إليها البيض، والآن أصبحت النساء تضيف مطيبات وأشياء مختلف للخبز المحلا.

ويتحدث سالم الكتبي عن نوع آخر من الخبز فيقول: يعد القرص من انواع الخبز المعروف عند البدو وهو من أطيب الأطعمة عندهم يجهز على الجمر الذي يعد من خشب السمر أو الغضا ثم تعجن عجينة القرص من خبز البر وتكون صلبة ثم تعمل على شكل قرص يوضع مباشرة في النار لمدة عشر دقائق إلى خمس عشرة دقيقة، وبعد أن ينضج يتم تنظيفه من الرماد وقطع الجمر ثم يكسر داخل قدر، ويكون جاهزا للأكل.

وتقول الوالدة فاطمة محمد: »أيام أول« لم تتوفر عندنا أسواق وجمعيات ولم نكن نشتري الطحين من السوق فقد كان الرجال يزرعون البر في »الوعب« وهي أماكن مستوية ومعدلة لزراعة الحنطة في مواسمها التي تعتمد على الأمطار، وحين يأتي موسم الحصاد تجمع سنابل الحنطة الجافة وتنظف وتسحق حتى ثم تخزن في »الينز«.

ونقوم يوميا بأخذ ما يكفينا لنطحنه بالرحى التي تكون ثقيلة جدا لكن المرأة في الماضي تعودت العمل الشاق، لذا بعد أن تطحن البر تعجنه لتخبزه بالتنور الذي يكون موجودا في بيتها، وكانت الناس في الشتاء تضع موقدا للنار يشبه التنور داخل البيت وتوضع فوقه »التالوة«.

أو الطوباي ويخبز عليه خبز الخمير، وهكذا كانت حياتنا سهله ليس فيها تلك الأطعمة التي تكون مليئة بالدهون وتجلب لنا الأمراض، فحين نخبز خبزنا نعرف مكوناته كما نسمع اليوم كل يوم عن الأكل الجاهز والمواد الكيميائية الموجودة فيه عافانا الله من أضرارها.

دبي - مريم إسحاق

Email