في الوقت الذي فر فيه أهالي نيكاراغوا من لهيب بركان كونسبسيون كان الأجانب يشعرون بالسعادة، ونوع من السحر والافتتان
ينظر العالم إلى نيكاراغوا كدولة تعاني من الاضطرابات، ويرى أنها سقطت في هوة الحرب الأهلية والثورة. وعادة ما يقارن زائرو هذه البلاد بين تاريخها السياسي، وجبالها القفر ، وبراكينها ذات النشاط المستمر، والتي تعد معلم الجذب الرئيسي للسياح الأجانب.وعندما ثار تهديد في الآونة الأخيرة باندلاع بركان كونسبسيون، غيّر عشرات السياح الأجانب مسار رحلاتهم من كوستاريكا وهندوراس ليحجزوا مقاعد أمامية ليشاهدوا على الطبيعة الانفجار الوشيك للبركان.كونسبسيون جبل ضخم، يبلغ ارتفاعه 1610 أمتار، ويقع في جزيرة أوميتيبي وسط بحيرة كوسيبولكا العظمى التي تصل مساحتها إلى 8624 كيلومترا مربعا، بالقرب من الحدود مع كوستاريكا.
وتعد جزيرة أوميتيبي أكبر جزيرة داخل بحيرة في العالم، كما كوسيبولكا البحيرة الوحيدة من نوعها التي توجد بها أسماك القرش التي تعيش في المياه العذبة.وفي أوائل مارس الماضي تعرض سحر وجمال الجزيرة للذبول عندما بدأ بركان كونسبسيون ينفث رماده وغازاته، وتزايدت هذه الانبعاثات خلال الأيام التالية مما دفع معهد دراسات الأرض إلى رصد أحوال البركان بشكل أكثر دقة.وذكرت تقارير آنذاك أن ارتفاع أعمدة الرماد وصل إلى نحو ألف متر وأن كونسبسيون، الذي يعد أحد سبعة براكين نشطة في نيكاراغوا يطلق 500 طن من ثاني أوكسيد الكبريت يوميا، مما يمثل زيادة كبيرة مقارنة بالمتوسط اليومي، السابق وهو 40 طنا.
وأصدرت إدارة الدفاع المدني التابعة للجيش «إنذارا أخضر» وبعثت بوحدة من 165 جنديا إلى المنطقة.
فر الكثيرون من الزوار المحليين من جزيرة أوميتيبي بعد أن شعروا بالخوف من وجود العسكريين بالمنطقة، في حين ألغى آخرون حجوزاتهم بالفنادق، غير أن السائحين الأوروبيين والأميركيين عبروا بحيرة كوسيبولكا العظمى التي تعيش فيها أسماك القرش من أجل العثور على مقعد في مكان بارز أملا في أن يشاهدوا حدثا من الصعب أن ينسوه.
يتذكر عامل بقسم الاستقبال بفندق فيلا باريسو وهو واحة من الكبائن المشيدة من الأخشاب وجذوع النخيل، ويقع أمام شاطئ سان دومينجو، أحداث تلك الفترة فيقول إن أهالي نيكاراغوا هم الذين فروا من منطقة البركان ولكن الأجانب كانوا يشعرون بالسعادة، وبنوع من السحر والافتتان وقالوا ان اندلاع البركان يعد مشهدا مثيرا.
ويشير بيللي آرسيا، رئيس العمليات بإحدى شركات النقل بالزوارق، والتي تنظم رحلات إلى جزيرة أوميتيبي، إلى تراجع عدد الزوار خلال الأيام التي أعلنت فيها حالة الطوارئ، ويقول إن أحد الجوانب المضيئة في هذه الأحداث أنه تم تسليط الضوء على الجزيرة.
ووجه أصحاب الأعمال بالجزيرة اللوم للصحافيين والجيش بسبب تقديم ما اعتبروه معلومات «غير حقيقية» عن مخاطر الانفجار العنيف للبركان.
وقد شكا أحد سكان جزيرة أوميتيبي من نشر قوات من الجيش بالمنطقة وقال إنه لا يفهم سر كل هذه الضجة التي أثيرت حول البركان، لأن هذا هو الحال بالمنطقة على الدوام ولم يحدث شيء أكثر من ذلك كما انه من الطبيعي أن «يسيء البركان السلوك».
وعلى الرغم من ذلك، حذر خبراء البراكين من حدوث إزاحة للحمم البركانية داخل فوهة بركان كونسبسيون وحدوث تغيرات معينة في الهزات الأرضية التي لا ينبغي الاستهانة بها.
وقد وضع الفنيون معدات داخل البركان لقياس حجم الغازات والهزات الأرضية، إلى جانب كاميرا رقمية تم ربطها بالموقع الإلكتروني لمعهد دراسات الأرض حتى يتم رصد نشاط بركان كونسبسيون لحظة بلحظة.
ووضعت هيئة الحماية المدنية خطة اخلاء من مرحلتين يمكن من خلالها إجلاء سكان الجزيرة الذين يبلغ عددهم 40 ألفا ونقلهم إلى بلدات مثل جرانادا وكارديناس ومستوطنات على الضفة الغربية للبحيرة العظمى.
ويتوقع أن يستغرق تنفيذ مثل هذا الإجلاء أقل من خمسة أيام، وعلى الرغم من أن الانبعاثات البركانية بدأت في التراجع بنهاية مارس الماضي، إلا أن مجموعة من علماء الجيولوجيا والبراكين الأسبان وصلوا إلى جزيرة أوميتيبي لإجراء دراسات متخصصة حول أنشطة الاندلاع البركاني في المنطقة.
ومن المقرر أن تسهم تقاريرهم في تحليل ما حدث ومساعدة السلطات المحلية على اتخاذ إجراءات للعمل عندما «يسيئ البركان السلوك» مرة اخرى، وهو ما سيحدث قريبا من من دون شك.
«الحواس الخمس»- «د ب أ»


