يعتبر الفنان السوداني كمال ترباس من أشهر المطربين في السودان، كما أنه صاحب أعلى أجر يناله مطرب في تاريخ الغناء السوداني، قامة فنية تحظى بثقل وجماهيرية، استطاع خلال مسيرته الطويلة أن يثري وجدان الشعب السوداني.
واشتهر بعمامته الكبيرة حتى أصبحت مرتبطة بشخصيته، وفي حواره مع «الحواس الخمس» ينفي ترباس أن يكون السلم الخماسي هو السبب الرئيسي في عدم انتشار الأغنية السودانية أو عدم تذوقها عربيا، مؤكدا أنها تحظى بوجود متميز في كثير من البلدان العربية، وأنه يجهز حاليا لمشروع جديد وكبير مع عبادي الجوهر ومحمد عبده والملحن عادل الصالح، وتحدث عن موضوعات عدة على المستويين الشخصي والفني، فإلى التفاصيل.قدمت من مدينة «كسلا» في شرق السودان وحققت نجاحا سريعا في بدايتك، هل تعتقد أن كسلا كما يقولون هي الملهمة الحقيقية لمبدعيها؟
كسلا قدمت للفن السوداني أعظم الشعراء والمغنين والملحنين لا أريد ذكر أسمائهم حتى لا أنسى أحدهم، فهي حقيقة ملهمة، وعندما حضرت من كسلا إلى الخرطوم كنت قد أعددت نفسي بشكل جيد؛ لأنني كنت أدرك صعوبة المنافسة في الخرطوم، لكنني حملت معي كل الصور الجميلة التي اشتهرت بها هذه المدينة الجميلة من مناظر خلابة وطباع محببة وحنان كبير، وذوق فني فريد.
لكن ما قادني إلى هذه المكانة المتميزة هو صوتي؛ لأنني لم آت مقلدا لأحد بل جئت بمدرستي الخاصة التي استوعبت إمكاناتي الصوتية جيدا؛ لذلك كنت على أعتاب الشهرة من أول حفل.
يُقال إنك لا تقبل تلحين النصوص الغنائية بسهولة؟
حقيقة أهتم بالكلمة جدا، ولا أقبل أي نص إلا إذا تذوقته وأحسسته، وحرضني على تلحينه أو تقدميه لملحن، أهتم أيضا بمطلع النص الذي يجذب الناس، وغالبا يأتي من تعاملاتهم العادية في الشارع، وأغلب الشعراء الذين يكتبون لي أصبحوا يفهمون ما أريد وما أشعر.
تعاونت أخيرا مع الشاعر الرقيق عبدالعال السيد وأثمر التعاون عن أغنية «أنت المهم» التي سادت الشارع السوداني؛ ماذا عن هذه التجربة؟
حقيقة عبدالعال السيد شاعر متميز، قدم لي «أنت المهم» وبمجرد استلامي النص كنت أغنيها تلقائيا مع كل شطر أقرأه، لذلك عندما قدمتها حازت على إعجاب الناس، وحصلت على لقب أفضل أغنية سودانية لعام 2009، وأتوقع أيضا أن تفوز في 2010 على الرغم من أنني حريص على تقديم أغنية جديدة هذا العام، وأتمنى أن تكون من كلمات عبدالعال السيد نفسه.
حاليا «أنت المهم» على ألسنة كل السودانيين؛ ما أبرز الانطباعات التي تلقيتها عن الأغنية؟
أطرف ما في الأمر أن هذه الأغنية أصبحت وسيلة للتعبير عن المشاعر بين العشاق والأزواج، وعندما تجدهم يتحدثون فجأة يقول أحدهم للآخر «أنت المهم وجميع الناس ما تهمني»، والأطرف أن أحد المطربين الشبان عندما كان يغني في أحد الأفراح طلبت العروس منه أغنية «أنت المهم» وظلت تردد معه فاستغرب الزوج أن عروسه لم تهدها له، فظن أنها تقصد شخصا آخر فطلقها مباشرة.
تتأنى في إخراج أعمالك الجديدة كثيرا، وحاليا لديك الكثير من الأغنيات الجديدة لم تطرحها في السوق، لماذا؟
هناك نصوص بعضها لم يكتمل؛ لأنني عندما أتلقى نصا أناقشه مع الشاعر بدقة حتى نتفق على أي تعديلات، وحاليا لدي أعمال مكتملة للشعراء أشرف الكردينال، أزهري عوض الكريم، علي الكوباني، السر قدور، وعبد العال السيد جاهزة وسأقدمها في الوقت المناسب، كما أنني أعد لألبوم جديد سيضم عددا من أغنياتي الجديدة..
هناك من يقول إن السلم الخماسي أصبح العائق الأساسي لوصول الأغنية السودانية للأشقاء العرب؟
أختلف مع هذا الرأي كثيرا، مثلاً في مصر عندما غنى محمد فؤاد «الليل الهادي» للفنان السوداني شرحبيل أحمد، وغنى محمد منير للفنان محمد وردي، تجاوب الشعب المصري والعربي مع هذه الأغنيات، بل أصبحوا يرددونها بالسلم الخماسي نفسه. إذن المشكلة نحن كسودانيين يفترض أن نعرِّف العرب بأنفسنا وبثقافاتنا، فالموسيقى لغة عالمية يتعاطاها الجميع بلا حواجز.
هذا ما دعاك للتفكير في مشروع مشترك مع مطربين سعوديين؟
هذا المشروع لم يكن مخططا له، فعندما أزور أي مكان أقابل أصدقاء لي، فقمت خلال زيارتي الأخيرة للمملكة العربية السعودية بزيارة للفنان عبادي الجوهر، تحدثنا عن إمكانية التعاون من خلال أعمال مشتركة تكون بداية لكسر الحاجز النفسي تجاه الأغنية السودانية، فرحَّب كثيرا بالفكرة وتحمَّس لها، بعدها أجريت اتصالاً بالفنان محمد عبده الذي رحَّب أيضا بهذا التوجه، واتفقنا على مشروع يمكن أن يكون عبارة عن ورشة عمل فنية يسهم فيها كل بخبرته واسمه الكبير، كما التقيت بالملحن عادل الصالح في الاستديو الخاص به، وأبدى استعدادا كبيرا للتعاون معنا.
هل تعتقد أن المطرب السوداني يمكنه أن يغني أغنية غير سودانية؟
كثيرون يعتبرون أن السلم الخماسي حاجز أمام السوداني لتقديم لهجات أخرى، وحتى كلمات كثير من الشعراء العرب رددها مطربون سودانيون وأنا منهم، فمثلاً قدمت أغنية من كلمات الشاعر اللبناني «إيليا أبو ماضي» وغنيت له أغنية «يا عروس الأرض يا ذات الجناح»، وهي الكلمات نفسها التي قدمها محمد عبده وطلال مداح مع اختلاف اللحن.
أهم الشعراء الذين تعاملت معهم؟
لا يمكن أن أعد لك الشعراء الذين تعاملوا معي فهم مئات، لكن في الفترة الحالية هناك شعراء متواصلون معي باستمرار مثل الكوباني، الكاردينال، عبدالعال السيد، والدكتور أزهري عوض الكريم، لكن رغم علاقاتي القوية مع هؤلاء الشعراء عندما أتلقى نصا أنظر إلى الكلام أولاً قبل اسم الشاعر.
إذن.. كيف تختار نصوص أغنياتك؟
الاستهلال في النص يشدني جدا، وهذا الشيء أجده في قصائد الشعراء الذين تعاونت معهم أمثال الدكتور علي الكوباني، السر قدور، أشرف سيد أحمد الكاردينال، الدكتور أزهري عوض الكريم، والتيجاني حاج موسى، وقبلهم كانت لي شراكة فنية متميزة مع الشاعر الراحل عوض جبريل أثمرت نحو 50 أغنية ناجحة.
أخيرا.. ما سر تميزك بالعمامة الضخمة؟
بالفعل هي تميزني عن الآخرين، لكنها ليست «نيولوك» كما يردد البعض؛ لأن النيولوك يتغير حسب المزاج أو المكان لكنني اعتدت على هذه العمامة منذ بداياتي وأصبحت بالنسبة لي عنواني الأبرز.
*********************
وليد زاكي الدين: الأغنية السودانية تتمتع بخصوصية نادرة
الفنان وليد زاكي الدين من المطربين السودانيين الذين فرضوا وجودهم على الساحة الغنائية السودانية بقوة، واستطاع في وقت وجيز من بداياته أن يخط له منهجا ومسارا خاصا به من حيث الكلمة واللحن، فشقَّ طريقه إلى الصف الأول وحاز على نجومية عالية.
والمثير في الأمر أن زاكي الدين لم يبدأ بمجرد تقديم نفسه في مطلع التسعينات بالتقليد، على الرغم من أن التقليد لا يعد عيبا لأي مطرب في بداياته، ولكنه قدَّم أغنياته الخاصة من خلال لونية نادرة ومميزة شارك من خلالها في الكثير من المهرجانات الإقليمية والعالمية وحقق تفوقا واضحا، والآن يعد من أهم مقدمي برامج المنوعات في السودان بعدما نجح في استقطاب كل الجمهور السوداني لمشاهدة برنامجه الرائع والأعلى مشاهدة «كل الجمال» الأسبوعي الذي يقدمه في الفضائية السودانية.
وخلال المساحة التالية التقينا المطرب السوداني وليد زاكي الدين والذي تحدث عن كثير من القضايا الفنية، وهذا نص الحوار:
أنت نجحت كمطرب ثم قدمت، ولا يزال، برنامجك الناجح «كل الجمال» وأيضا تواصل دراساتك العليا، كيف توفَّق في كل ذلك؟
طبعا التوفيق أمر من عند الله، ولكنني أحرص دائما على اتخاذ قراراتي بهدوء وبعد تفكير طويل وحسابات منطقية، والحمد لله استطعت أن أوفَّق في كل هذه النشاطات، ولو شعرت لحظة واحدة أن واحدة من هذه النشاطات ستجيء على حساب الأخرى لتوقفت للمراجعة، فأنا تخرجت في جامعة أم درمان الأهلية، إدارة أعمال، ثم جامعة السودان كلية الموسيقى، ثم دراسات عليا، ولن أتوقف طالما أحقق نجاحا.
الموهبة والدراسة
بماذا شعرت من خلال الدراسة من حيث الإضافة لك؟
الدارسة تضيف إلي الموهبة كثيرا على الرغم من أنها هي الأساس، كما أن الدراسة تجعل الفنان يتوسع في أفكاره الفنية، وتجعله يكتشف أشياءً في موهبته لا يمكن أن يكتشفها الإنسان إلا بالدراسة؛ حيث تجعله يمتلك أدواته الطبيعية والصحيحة.
هل تعتقد أن رصيدك الغنائي تأثر كثيرا بانشغالك بمجالات أخرى؟
سبق أن قلت إنني إذا شعرت بتأثر أي نشاط سلبا بسبب نشاط آخر ستكون لي وقفة واضحة، فأنا قمت بتسجيل عشرة ألبومات غنائية منذ بدايتي، وهو رقم كبير في ظل ظروف إنتاج الكاسيت والقرصنة، وقد حققت نجاحا كبيرا وهذا بحمد الله سبحانه وتعالى، وهذا يعني أنني أمضي بخطوات محسوبة.
ما هي آخر أعمالك الغنائية؟
لدي أعمال وطنية وآخر عمل قدمته يحمل عنوان «هو موطني» للشاعر عبدالرحمن مختار، وألحان محمد زين العابدين.
خصوصية الأغنية السودانية
هل تعتقد أن السلم الخماسي يمكن أن يُعيق وصول الفن السوداني إلى العرب في المستقبل؟
هذا حديث غريب؛ لأن السلم الخماسي سلم عالمي وله شخصيته ولونيته المميزة؛ ولذلك فإن استمرار السلم الخماسي في السودان يؤكد خصوصية الأغنية السودانية وتميزها، بل أصبح هذا السلم يزحف نحو الغناء العربي، ويُلاحظ ذلك في أغنيات فرقة «ميامي»، وأيضا محمد منير ومحمد فؤاد جميعهم تغنَّوا بالسلم الخماسي ونجحت أعمالهم، فلكل دولة لونيتها فنحن كسودانيين نجحنا بفرض أغنياتنا في أغلب الدول الإفريقية وكثير من دول العالم المتقدم.
الغناء السوداني بدأ ينتشر في العديد من دول الخليج.. ما هو تقييمك لهذه الظاهرة؟
أعتقد أن الجاليات السودانية في الخليج أسهمت في تعريف أشقائهم في الخليج باللهجة السودانية؛ وذلك من خلال تنظيم الحفلات السودانية والاحتكاك المباشر معهم، وهذا قد أسهم في انتشار الفن السوداني على الرغم من أنه لايزال محدودا هناك.
الغناء الخليجي
هل فكرت في الغناء باللهجة الخليجية؟
طبعا، لأنني أستمع لكل أنواع الفنون في العالم، والغناء الخليجي يُعد من الفنون المميزة؛ لذلك فرض شخصيته على كل العالم، وقد قمت بعدة محاولات للغناء باللهجة الخليجية والعربية الفصحى وهي محاولات أعتبرها ناجحة، وسأستمر حتى أفاجئ جمهوري بألبوم غنائي أو كوكتيل من الأغنيات من بينها الخليجي، خاصة وأن الغناء الخليجي له جمهور عريض في السودان، وأنا اعتدت أن أستمع كثيرا للفنان الخليجي حسين الجسمي، عبدالمجيد عبدالله، راشد الماجد، محمد عبده، طلال مداح وغيرهم من نجوم الأغنية الخليجية.
نلاحظ أن هناك كثيرا من الفنانين السودانيين بدأوا يتغنّون باللهجة الخليجية؟
نعم، هناك عدد من المطربين بدأ يهتم بهذا الجانب منهم الفنان معتز صباحي ومحمد الجزار، وأعتقد أنهم نجحوا كثيرا في ذلك، خاصة أن العالم أصبح منفتحا على بعضه. شهدت السنوات الأخيرة دخول أعداد كبيرة من الشباب مجال الغناء في السودان.. هل تعتبرها ظاهرة إيجابية؟
لا أعتقد دخول الشباب الوسط الفني يمكن أن يكون ظاهرة سلبية، فهناك كثير منهم يحمل ملامح صوتية جديدة على الأذن السودانية، ولكن عليهم بصقل موهبتهم بالدراسة والتجويد؛ لأن الغناء يعتبر مسؤولية اتجاه المجتمع ويجب أن يكون لهم هدف ورؤية تسمح لهم بالقيام بدورهم كاملاً، وأن يدركوا أن الفن رسالة مهمة من متطلباته إصلاح المجتمع وتوجيهه إلى الصواب دون الانتقاص من الحالة الطربية والفنية شيء.
الحركة الغنائية
هل تعتقد أن غياب الدعم الحكومي عن الفن السوداني كان أحد الأسباب الرئيسية وراء عدم انتشاره؟
الحكومات في العالم أجمع غير مسؤولة عن دعم الحركة الغنائية إلا في حدود الفرق المختارة لتمثيل الدولة في المحافل الخارجية، ولكنها من الممكن أن تساهم في بناء مراكز للشباب والمسارح، وهناك اتحادات ومؤسسات أهلية وأكاديمية تسهم في التطوير والتنوير لتفتح للمطربين آفاقا وتواصلاً خارجيا عبر المهرجانات والمشاركات الخارجية، أما فيما يتعلق بعدم انتشار الأغنية السودانية في الوطن العربي فهذا أمر له مسببات كثيرة ونتحدث فيها باستمرار، وإن كنا كمطربين سودانيين نتحمل جزءا مهما من هذا الخطأ.
هل تعتقد أن مسيرة التطور للفن السوداني تسير وفق منهج تراه مناسبا؟
السودان دولة غير منفصلة عن العالم، والأغنية السودانية مرت بمراحل عديدة إلى أن وصلت إلى مرحلة الأغنية العصرية التي تطلق عليها الدولة «الأغنية الشبابية» وهي أغنية لها خصوصيتها، ولدينا معاهد متخصصة وجامعات لتدريس الموسيقى على أعلى مستوى وهي تقوم على مناهج معترف بها، وكثير من طلاب العالم يدرسون في هذه المعاهد والجامعات السودانية المتخصصة.
بماذا تختلف الأغنية السودانية عن غيرها؟
اختلاف الأغاني السودانية عن غيرها بالسلم الذي عرفت به وهو السلم الخماسي، وكذلك فإن الأغنية السودانية وليدة تراث عظيم وتنوع ثقافي نادر، ما أكسبها مزيدا من الخصوصية وهذه ميزة تدعو للفخر.
الفن الشعبي
كيف تتعامل مع النقد.. هل تراه قائما على أسس تضيف للفنان أم أن السودان في حاجة إلى المزيد من الجهد لتفعيل هذا المجال؟
الفنان دائما يكون شخصية متاحة للنقد، ولا بد من حركة نقدية لجميع أنواع الفنون حتى يكون هناك تجويد ومراجعة، وكما نعلم فإن النقد هو الساق الثانية للإبداع ولدينا في السودان نقاد على مستوى رفيع، ولكن أغلبهم اتجهوا إلى أعمال أخرى لعدم تقييمهم، ونتمنى من القائمين على الأجهزة الإعلامية والصحف أن يحتوا هؤلاء فهم ثروة قومية.
هل تعتقد أن الغناء الحديث في السودان قد غطَّى على دور الفن الشعبي بازدياد أعداد المطربين في مجال الغناء الحديث؟
الفن يعكس ثقافة البلد وشكل الحياة الحقيقية اليومية والفن الشعبي يقوم بالدور نفسه، ولكن ربما لظهور مطربين من الشباب بأعداد كبيرة قد حاز على مساحات واسعة وغطى على أغلب مطربي الفن الشعبي، ولكن هذا لايمنع من أن نقول إن الفن الشعبي يستطيع أن يعبر الحدود ويجد القبول من الشعوب الأخرى؛ لأنه يمثل ثقافات مرتبطة بمجتمع وبيئة معينة، وعند استماعي للفن الشعبي المصري أستطيع أن أتعرف إلى ملامح الشعب المصري وكذلك الخليج وغيره، ومعروف أن فرقة الفنون الشعبية السودانية حققت جوائز عالمية كبيرة وكثيرة في كل المهرجانات العالمية.
القاهرة ـ دار الإعلام العربية

