مناسبة

رحيل نبيلة النابلسي يعمق جراح «أمومة سوريا»

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن رحيل الفنانة نبيلة النابلسي حدثاً عابراَ في الوسط الفني السوري، ذلك لأن الراحلة نفسها لم تكن عابرة في منجزه الدرامي، سواء بما أنجزته من أدوار في السينما والمسرح والتلفزيون، أو بما بنته من علاقات اجتماعية وإنسانية مع أبناء الوسط، لدرجة أن الكثيرين من أبناء الوسط يتفقون على أن نبيلة النابلسي كانت أماً لهم بعيداً عن الكاميرا، بالمقدار ذاته الذي كانت فيه أماً لهم أمام الكاميرا.

مشوار الراحلة نبيلة النابلسي الفني ينقسم إلى محطتين رئيسيتين، بينهما توقفت لنحو ثماني سنوات، كرستها لتأسيس بيت الزوجية وإنجاب ولدين هما سامر وأنس. فنانة سينمائية مهمة: في المحطة الأولى تكرس أسم الفنانة نبيلة النابلسي كفنانة سينمائية مهمة، تميزت في بعض أدوارها بالجرأة في القطاع الخاص، بينما ارتبط اسمها بأهم الأفلام السينمائية التي أنتجها القطاع العام في سورية، بداياتها كانت على يد مكتشفها نبيل المالح الذي راعه كاريزما السحر والأنوثة في وجه الشابة نبيلة، فعرض عليها التمثيل في فيلمه المخاض من ثلاثية فيلارجال تحت الشمسلالا عن رواية للشهيد غسان كنفاني، بعدها بدأت مسيرة الأعمال السينمائية لتعمل مع مخرجين من سورية ومصر ولبنان.

وتسجل في سيرتها الفنية أسمها في عدة أفلام سينمائية منها في القطاع العام فيلاالعارلالا للمخرج وديع يوسف، ولالاوجه آخر للحبلالا للمخرج محمد شاهين وفي القطاع الخاص شاركت في الكثير من الأفلام مثل فيلا دمي ودموعي وابتسامتيلالا للمخرج حسين كمال ولالانساء للشتاءلالا للمخرج سمير الغصيني..بالإضافة إلى عدد من أفلام دريد ونهاد، وأخيراً شاركت في ثمانينيات القرن الماضي فيلم فيلاناجي العليلالا للمخرج عاطف الطيب.

فنانة صادقة..وعفوية:

عجلة الإنتاج السينمائي سرعان ما توقفت في القطاع الخاص السينمائي السوري، بينما عملت بالحد الأدنى في القطاع العام، الأمر الذي دفع الفنانة النابلسي، والتي لم تكن تحب العمل في التلفزيون أبداً للقول أنه حان وقت الزواج والأمومة، فتوقفت عن العمل منذ منتصف السبعينيات حتى قررت العودة إلى العمل ولكن هذه المرة من بوابة التلفزيون.

فعملت بداية مع المخرج غسان جبري في مسلسل فيلادموع الملائكةلا للكاتب محمود دياب والمخرج غسان جبري عام 1983، وكانت تعتقد وقتها أن عملها التلفزيوني لن يكون سوى محطة مؤقتة تشغل نفسها فيها ريثما تعود عجلة الإنتاج الدوران، ولم تكن تعلم حينها أن نجوميتها الحقيقة ستكون من خلال دراما هذا الجهاز التي تمقتها، إذ سرعان ما أضحت نبيلة واحدة من الأسماء المهمة في الوسط الدرامي السوري، من الأكثر الفنانات اللواتي اضطلعن بتقديم أدوار الأمهات بصدق وعفوية.

أم ..خارج دائرة التنميط

الأدوار الأم في تجربة نبيلة النابلسي الفنية لم تكن سوى خيار أرادته في سن مبكرة، لدرجة تروي فيها أنها كانت تضطر في أدوار الأم الأولى التي قدمتها للجوء إلى المكياج لتبدو مقنعة أكثر، ومع تقدم العمر كانت أدوار الأم تبدو الأكثر التصاقاً بالراحلة النابلسي.

وقد نجحت بالخروج بها من دائرة التنميط الذي جاء تارة من خيارات المخرجين وتارة من النصوص ذاتها، فكانت في كل مرة تضفي من روحها ما هو مختلف على النص المكتوب، لتخرج علينا بشخصية أم جديدة لا تشبه ما قدمته من قبل من أمهات ، على هذا النحو قدمت نبيلة النابلسي في التلفزيون العديد من الأعمال الدرامية منها «حمام القيشاني».

و«لك ياشام» و«الفراري» و«الأرجوحة» و«أحلام لاتموت» و«بيت العيلة» و«الفصول الأربعة» و«الحور العين» ومسلسل «أحقاد خفية» ومسلسل «ليس سراباً» الذي كان آخر ما قدمته قبل أن يقعدها المرض في بيتها نحو عامين.

أما في المسرح قدمت الراحلة عدة أعمال مسرحية هي «لحظة من فضلك» و«مطلوب مسؤول»، و«ناس التي تحت»، و«شباب آخر زمن» و«خيوط العنكبوت» وكان آخر أعمالها المسرحية مسرحية «بكرا أحلى» التي قدمتها لذووي الاحتياجات الخاصة، إضافة إلى العديد من الأعمال الإذاعية.

خسارة للفن العربي

في التاسع والعشرين من تموز نعت نقابة الفنانين الفنانة الكبيرة نبيلة النابلسي التي توفيت عن عمر ناهز 62 عاماً بعد معاناة طويلة مع مرض عضال...

وفي اليوم الثاني شيعت دمشق الراحلة إلى مثواها الأخير بحضور كثيف من الشخصيات الرسمية والفنانين والأصدقاء والمعجبين تقدمهم وزير الإعلام السوري الدكتور محسن بلال الذي اعتبر أنه برحيل الفنانة نبيلة النابلسي فيلا يفقد الفن العربي واحداً من خيرة أركانه، فهي خسارة لسورية وللأسرة الفنية كاملة لما لها من بصمات ونقاط مضيئة في الحركة الفنية السورية ولما قدمته خلال عملها وحضورها في منازل العائلات العربية من أعمال راقية.

وقال نقيب الفنانين أسعد عيد إن فيلاالفنانة الراحلة كانت من مؤسسي الحركة الفنية السوريةلالا، مشيراً إلى أنها فيلاكانت تنتقي أدوارها بدقة ولاسيما الإنسانية منها في شخصية الأم وهي إنسانة شفافة، مسامحة، معطاءة وتعشق الحياة، وعلى تواصل دائم مع جميع أصدقائها الفنانينلالا.

الفنان صالح الحايك رأى أن فيلا فاجعتنا كبيرة بخسارة فنانة بحجم نبيلة النابلسي من حيث تقديمها كم من الأعمال الهامة على أصعدة الفن كافةلالا، لافتاً إلى أن فيلاهدفها الأول بالتمثيل كان إسعاد الناس، وقد ناضلت واجتهدت لتحقيق ذلكلالا.

ووصف المخرج مأمون البني الراحلة نبيلة النابلسي بأنها فيلا كانت إنسانة رائعة جداً بدأت حياتها الفنية بحرفية عالية فعلى الرغم من عدم دراستها للمسرح فقدت دخلت القلوب في أول تجربة تلفزيونية لها وكان قرارها أن تكون نجمة وكان لها ذلكلالا.

بدوره قال الفنان فراس إبراهيم إنه فيلايعجز اللسان عن وصف مدى حزني على رحيل فنانتنا نبيلة، واصفاً إياها بأنها فيلا أيقونة من أيقونات الدراما السورية، وهي فنانة خاصة جداً وغطاءً للجميع فهي الأم، الأخت والابنة.

وقالت الفنانة أمل عرفة «عندما سمعت الخبر لم أصدق كان فاجعة حقيقة بالنسبة لي كنت أتمنى رؤيتها قبل الوفاة لكن يد القدر سبقتني، إنا لله وإنا إليه راجعون»، بينما أستذكر الفنان مصطفى الخاني أخر عمل التقى به مع الفنانة نبيلة النابلسي وكان في مسلسل «يوم ممطر آخر» مشيراً إلى أنها «كانت شخص يزرع الفرحة وطيبة القلب، ورحيلها كان مفاجئ بالنسبة لي، وعلمت مؤخراً أنها طلبت رؤيتي قبل وفاتها بثلاثة أيام ولكن للأسف بحكم سفري الدائم لم تسنح لي الفرصة».

المخرج المسرحي تامر العربيد اعتبر أن «الفنانة نبيلة النابلسي خسارة كبيرة للوسط والحركة الفنية، فنبيلة لم تكن مجرد ممثلة تلعب أدوار فقط إنما كان لها رسالة إنسانية سامية»، وأضاف الدكتور عربيد:

«كان لي تجربة شخصية تجمعني معها كمخرج قبل أن يقعدها المرض وهو آخر ظهور لها على المسرح تحت عنوان «كرا أحلى» وكانت موجهة لذوي الاحتياجات الخاصة، فكان لها دور إنساني، فميزة عملها صدقها في الأداء».

ومن جهته، قال المخرج محمد الشيخ نجيب «رحم الله نبيلة النابلسي، فقد شاركت مع الأم نبيلة كممثل ولكن للأسف لم تسنح لي الفرصة أن تشاركني كمخرج في أعمالي، برحيلها فقد الوسط الفني أحد المؤسسين السوريين على صعيد الدراما السورية وأم حنون صادقة على الصعيد الإنساني».

دمشق- ماهر منصور

Email