يكثر الحديث عن الإسكندرية وشاطئها المسحور وتاريخها المليء بالأسرار، وحالتها الخاصة التي تثير في نفوس الكثيرين رائحة الحب، إلا أن التجوّل وسط تخوم المدينة المتوسطية يقودنا إلى أحد متاحفها، الكامن بعيدًا عن صخب الحياة، فلا ينعم زوار مدينة الإسكندر به.
إنه «متحف المجوهرات الملكية»، ذلك القصر الصغير الواقع في بقعة راقية بالقرب من شاطئ جليم، ملاصقًا لفيلا يقيم بها محافظ عروس البحر، ويكاد لا يظهر من كثافة الأشجار ومرور الأعوام، فنعود معه إلى أوائل القرن الفائت؛ حيث الهدوء والذوق الرفيع، فلا يشوّه الصورة الجميلة سوى أبراج شاهقة أحاطت بخلفية القصر متخذة منه إطلالتها الساحرة.شُيّد هذا القصر، الذي تجولنا بين جنباته و يُطلق عليه «قصر المجوهرات»، في العام 1919 على يد السيدة زينب هانم فهمي، وهي أخت المعماري على فهمي، الذي شارك في تصميم هذا القصر، ولكن ابنتها الأميرة فاطمة الزهراء، ابنة الثمانية عشر عامًا المولودة في العام 1903 أكملت بناء القصر بعد وفاة والدتها، وأضافت إليه جناحًا شرقيًا عبارة عن قصر صغير بحري للإقامة الصيفية.وربطت بين القصرين أو الجناحين بممر صغير، فسُمّي القصر باسم فاطمة الزهراء سليلة الأسرة العلوية، فهي ابنة الأمير علي حيدر بن الأمير أحمد رشدي بن الأمير مصطفى بهجت بن فاضل باشا بن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا، مؤسس مصر الحديثة، وقد عُرفت الأميرة باسم «فاطمة حيدر» وهو الاسم الرسمي الذي اعتمدته لنفسها.
وأصبح الحرفان الأولان منه «FH» على أماكن كثيرة في القصر، ومنحوتين على مقتنيات الأميرة كعادة أبناء الأسرة العلوية، وظل القصر مقر إقامة لها ولزوجها وأبنائها الثلاثة حتى قيام ثورة يوليو 1952.
حيث تمت مصادرة القصر من قبل رجال الثورة، ولكنهم سمحوا للأميرة بالإقامة في القصر حتى العام 1964، فتنازلت هي عن القصر للحكومة؛ ليصبح استراحة لرئاسة الجمهورية، وانتقلت إلى القاهرة؛ حيث توفيت هناك العام 1983.
عوامل تعرية
في العام 1986 تحوّل القصر إلى متحف بقرار جمهوري، لكن لقربه من البحر كانت عوامل التعرية قد بدأت تؤثر في جدرانه وزخارفه، بالرطوبة حينًا وبالأمطار أحيانًا، فقرر المجلس الأعلى للآثار المصرية عمل ترميم وتطوير شامل للمتحف لزيادة أعداد القطع المعروضة.
وتزويده بأحدث نظم الأمان والحماية من السرقة والحريق وكذلك بأحدث وسائل الإضاءة والعرض، كما تمت إضافة مكتبة متخصصة، وكافيتريا ومعمل للترميم مزود بأحدث الأجهزة بتكلفة إجمالية بلغت 50 مليون جنيه مصري، وأُعيد افتتاحه في إبريل من العام 2004.
خطوات نقترب بها في اتجاه القصر الذي تزيد مساحته على 4000 متر، فتجذبنا حديقته المنسّقة بعناية، والقصر المفتوح على فترتين صباحية ومسائية إلى الثامنة ليلا برسم دخول رمزي للمصريين يرحب بنا في أجوائه التاريخية مانعًا كاميراتنا من الدخول، لكن نجد صورًا تذكارية لجميع المعروضات مشروحة بشكل وافٍ في مكتبة القصر.
مها مصطفى، مديرة المتحف، تصحبنا في تجوالنا بين أروقة المتحف، وتقول إنه يضم 11500 قطعة أثرية يرجع تاريخ بعضها إلى قرن ونصف القرن، ليست مجوهرات ملوك وأمراء أسرة محمد علي فقط، وإنما مجوهرات كل من خرج من نسل محمد علي.
بالإضافة إلى مجوهرات صاحبة القصر، كما يضم مجموعة من الصور النادرة وأدوات المائدة المصنوعة من الذهب والمرصعة بالمجوهرات، كذلك الساعات والهدايا الملكية من الذهب ومجموعة من الأوسمة والقلائد والعملات الذهبية التذكارية.
خُفُّ القُماش
ولكي تبدأ الرحلة داخل القصر يجب أن تنتعل خُفًا من القماش في قدميك لحماية الأرضية المصنوعة من الباركيه الذي تختلف تصميماته من قاعة إلى أخرى، والمصنوع من أخشاب ثمينة مثل الماهوجني والورد والجوز التركي والبلوط.
ومن مدخل فخم للجناح الشرقي الصغير تبدأ الجولة؛ حيث نصعد سلالم رخامية تلقي بنا إلى بهو الاستقبال بالقصر الذي رسم فيه مسار موحد للزائر ليمر على قاعات القصر البالغة 14 قاعة، وتحت كل فاترينة عرض نقرأ تاريخ كل قطعة موجودة..
ونتحير في جولتنا، فهل نتابع التماثيل المتناثرة هنا وهناك، أم نتابع التصميمات الأوروبية للسقف والجدران، أم نستهلك إعجابنا ونحن نقف أمام الفاترينتين الرئيسيتين اللتين تضمان تحفتين نادرتين؟
، التحفة الأولى تاج الأميرة شويكار زوجة الملك فؤاد الأول وهو تاج من البلاتين مرصعٌ بـ 2159 ماسة غالبيتها ذات حجم متوسط وكبير بالإضافة إلى 11 حبة من اللؤلؤ، أما التحفة الثانية فهي تاج وطاقم من الحلي النادر للملكة ناريمان، الزوجة الثانية للملك فاروق، وهو مصنوع من البلاتين والذهب الأصفر معًا على شكل ورود، ومرصع بـ 1560 ماسة.
شجرة الأسرة
إلى اليسار باب يؤدي إلى القاعة الرئيسية؛ حيث يوجد العديد من اللوحات الزيتية الكبيرة المعلقة والمحاطة بزجاج شفاف لحمايتها من اللمس، وهي لأبرز ملوك الأسرة العلوية، وهناك فاترينة واحدة بها العديد من الصور الملونة ب«المينا» تمثل شجرة الأسرة العلوية وأهمها صورة لمحمد علي والي مصر.
ولوحة من الرخام للملك فؤاد، وصورة للأميرة فاطمة ووالدتها، وصورة للخديو إسماعيل وأبنائه الستة وزوجاته، أما باقي المبنى فيضم غرف إدارة المتحف وقاعة كبيرة لكبار الزوّار.
ومن القاعة الرئيسية نتوجه إلى الممر الواصل بين جناحي القصر، الذي يزينه من الجانبين عشر نوافذ ضخمة من الزجاج الملون والمعشق بالرصاص والتي تحكي بتسلسل قصة حب أوروبية يُقال إنها من روايات شكسبير.
وفي نهاية الممر نبدأ رحلة جديدة مع القاعات التي ترسم كل منها حلمًا ورديًا لطبقة مخملية عاشت كل تفاصيل حياتها برقي ورفاهية ذهبية، ونتوقف قليلا عند الحمام الرئيسي الواسع الذي تغطي أرضيته لوحة بديعة من الفسيفساء الدقيق.
وقد تم بناء كوبري زجاجي شفاف ومتين عليها حماية لها من التلف، حتى يسير الزائرون عليه عبورًا لباقي القاعات، أما حوائط الحمام فمصنوعة من القيشاني المرسوم يدويًا والسقف من الزجاج الملون الذي يغطى شرفات القصر ليصنع مع ضوء الشمس لوحة جمالية جديدة.
وننتقل إلى قاعة التتويج التي بها فاترينة تحتوي على نيشان محمد علي باشا، الوشاح الأكبر لنيشانه، وفاترينة أخرى بها قلادة محمد علي، أعلى القلائد في تاريخ مصر، وقلادة الملك فؤاد، وهي من الذهب الخالص مكتوب عليها اسمه، بالإضافة إلى مجموعة من الأوسمة والنياشين الخاصة به.
ومن أقدم القطع المعروضة مجموعة محمد علي باشا، وفيها علبة للنشوق من الذهب ومرصعة بالماس ومكتوب عليها بالماس اسم محمد علي، كذلك ساعة جيب كبيرة من الذهب المرصع بالماس وعليها صورة له ب«المينا»، وعلى الوجه الآخر صورة لابنه سعيد باشا.
حياة من ذهب
قصر المجوهرات يدل على أن الحياة داخل الأسرة العلوية كانت عبارة عن أيام من الذهب والماس، فنرى «شخشيخة» الطفل في مجموعة الملك فاروق، وهي من أجمل المجموعات المعروضة وتعود لابنه الأمير أحمد فؤاد.
والشخشيخة مصنوعة من البلاتين المرصع بالماس والزمرد والياقوت على شكل التاج الملكي تتوسطها قبة من البلاتين المطلي ب«المينا» وبداخلها كرات ذهبية صغيرة لإصدار الصوت.
كما نجد السبحة المصنوعة من خشب الصندل، وشاهديها من الذهب المرصع بـ 372 ماسة صغيرة، ونجد الشموع السبع والعشرين المصنوعة من الذهب بمناسبة الاحتفال بعيد ميلاد الملك فاروق السابع والعشرين.
أما بالنسبة لملكات وأميرات الأسرة العلوية، فمن الطبيعي أن نجد لهن مجموعة رائعة من العقود والأساور والقلائد والساعات وأطقم المجوهرات على اختلاف أشكالها وأنواعها سواء من الذهب والماس أو من الأحجار الكريمة.
ولكن تدخل المجوهرات حتى في تفاصيل نسائية، فنجد علب البودرة مصنوعة من الذهب المرصع بالماس، وعلب أحمر الشفاه وعبوات العطور والأمشاط وحلى الشعر ودبابيس الفساتين وغيرها.
شجرة الأسرة
هناك فاترينة واحدة بها العديد من الصور الملونة ب«المينا» تمثل شجرة الأسرة العلوية وأهمها صورة لمحمد علي والي مصر، ولوحة من الرخام للملك فؤاد، وصورة للأميرة فاطمة ووالدتها، وصورة للخديو إسماعيل وأبنائه الستة وزوجاته، أما باقي المبنى فيضم غرف إدارة المتحف وقاعة كبيرة لكبار الزوّار.

