بعد مرور أكثر من ربع قرن على رحيله؛ فإن اسم عازف ومؤلف موسيقى الجاز الشهير «ديوك إلينغتون» لا يزال يتردد في دنيا الوجود، ولا تزال مقطوعاته التي ألفها تراقص نجوم ليل واشنطن.
فلقد استطاعت مرسيدس إلينغتون أن تحفظ تراث جدها الموسيقي عبر الفرقة التي أسستها بعد رحيله مباشرة في العام 1974م بعد حياة حافلة بالإنجاز الفني العبقري، وتخليداً للذكرى 110 سنوات على ولادته؛ استضافت مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون فرقته التي تزور الشرق الأوسط والإمارات للمرة الأولى، حيث أحيت حفلاً فنياً ساهراً بحضور عشاق الجاز من شتى الجنسيات.ولد ديوك إلينغتون في أحد ضواحي العاصمة الأميركية واشنطن عام 1899م واسمه الحقيقي إدوارد كيندي إلينغتون، ويعتبر ديوك هو أبرز مطور لموسيقى الجاز في التاريخ، ولا يمكن مقارنة إنجازه في تأليف المقطوعات الموسيقية وتطوير الأساليب الفنية للجاز وإنجازه لعشرات المقطوعات في الأفلام الكلاسيكية وعشرات من القصائد المغناة.وهو الذي كان دعا إلى تسمية موسيقى الجاز بالموسيقى الأميركية، وطيلة حياته التي قاربت على 75 عاماً كان ديوك مخلصاً للجاز بظهوره الكاريزمي على المسرح الأمر الذي دفع الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون في العام 1964م أن يترك كرسيه ويتوجه لتحيته على منصة المسرح، ولعل ديوك هو الموسيقي الوحيد الذي زاد الاهتمام بما أنجزه من فن بعد وفاته، فجرى منحه جائزة بولتيزر الشهيرة عام 1999 بعد مرور أكثر من عقدين على رحيله.
بعد انتقاله مع والديه إلى أحد الأحياء الراقية بواشنطن؛ ظلت نغمات البيانو التي كان يعزف بردهة أحد الصالات الراقية تدور في مسامع الطفل الصغير ديوك، وفي سن السابعة بدأ بتلقي دروس البيانو على يد أستاذته ماريتا بدفع من والدته ديزي كينيدي.
وكان اهتمام الطفل الصغير أكثر بالبيسبول حيث كان يدرس بمدرسة آرمسترونغ للموسيقى ويبيع الفول السوداني وبعض المأكولات على أعضاء مجلس الشيوخ أثناء ممارستهم للعبة البيسبول.
وفي صيف 1914م يتجه للعمل في إحدى المقاهي ليكتب ذات يوم كلمات أغنيته الأولى «نافورة الصودا»، ولأنه لم يكن يأخذ العزف على البيانو على محمل الجد فلقد دخل ذات مرة إلى ذلك المقهى مبكراً ليستمع إلى عزف رائع على البيانو، ومنذ تلك اللحظة يقرر الدراسة الجدية لهذه الآلة.
في العام 1916م انتقل ديوك إلى بروكلين ليطلق العنان لموهبته الموسيقية الناشئة في العزف على البيانو في إحدى القاعات ويؤلف مجموعته الموسيقية الغنائية الأولى «سيرانديس» والمجموعة الثانية «الملونة»، ألّف ديوك فرقته الموسيقية عام 1923م واستمر بقيادتها إلى يوم رحيله عام 1974م، وتنقلت الفرقة بين المدن الأميركية.
وكانت مؤلفة من موسيقيين عدة؛ وهم: أوتو ويك على الساكسفون وآرثر ويتسول على البوق وجرير سوني على الطبل وديوك إلينغتون على البيانو، واستطاع ديوك أن يكسر طوق التفرقة والتمييز العنصري حيث جذبت مقطوعاتها وأغانيه جمهور الأفارقة والبيض لأول مرة في تاريخ أميركا.
في بداية العام 1924م اضطر ديوك وفرقته لهجر قاعتهم في برودواي بعد حادث إطلاق نار تجاه الفرقة من قبل أعضاء عصابة «الجوارب السوداء» لينتقل إلى منطقة كنتاكي، وفي عام 1925م ألّف ديوك أول عمل مسرحي غنائي بعنوان «أربع أغنيات لكيديس» وهو عمل مسرحي ساخر تجاه ما تلقاه الأفارقة من اضطهاد في أميركا، لينطلق بعد ذلك في عالم الشهرة.
ففي العام 1929م ظهر ديوك في فيلمه الأول الذي كانت مدته 19 دقيقة، وفي العام ذاته تحدث الأزمة الاقتصادية الكبرى في الولايات المتحدة وتنهار عشرات الفرق الغنائية حيث تقلصت بنسبة 90% من الفرق الموسيقية والغنائية الأميركية؛ إلا أن فرقة ديوك نجت من تلك الأزمة، وفي العام 1933م قامت الفرقة بأول زيارة فنية لأوروبا حيث نشرت هناك أسلوب الجاز الذي سرعان ما لقي قبولاً واسعاً من الجمهور.
بعد تلك الجولة ألف ديوك وعزف مجموعة مقطوعات غنائية لاتزال خالدة إلى يومنا هذا كأغنية «سيدة متطورة» و«قطار» هذه الأغنية الراقصة التي لاقت رواجاً بعد تسجيلها عام 1941م ولاتزال جميع فرق الجاز تؤديها في مسارح العالم، ولعل من مهازل الحياة هي أن ديوك جرى ترشيحه لجائزة بولتيزر عام 1964م إلا أن بعض الجهات الضاغطة رفضت منحه الجائزة.
ليجري منحه هذه الجائزة بعد رحيله بعقدين، وبموازاة ذلك فقد حاز ديوك على 13 جائزة غرامي منذ العام 1966م 4 من بينها بعد رحيله، كما نال الوسام الرئاسي للحرية ووسام جوقة الشرف من فرنسا.
وعشرات من الجوائز المهمة ليتوفى في العام 1974م بسرطان الرئة ويشهد جنازته 12 ألف شخص ويتولى ابنه ميرسر قيادة الفرقة وبعد رحيله أعقبته ابنته مرسيدس، وتم تشييد عشرات من التماثيل والنصب التذكارية في لوس أنجلوس وواشنطن ونيويورك تخليداً لهذا الموسيقار العبقري.