تجاوز الثمانين و لا يزال يتجول في مدن العالم بكامل لياقته وألقه

بول بوغوس «رئيس جمهورية الأكل الفرنسي»

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

حين تقابل بول بوغوس، لا بدّ لك أن تتهيّب. فأنت في حضرة رجل أكل على مائدته كبار رؤساء فرنسا: شارل ديغول و فاليري جيسكارديستان و فرونسوا ميتران و جاك شيراك.

كما أنه يحمل من العمر ثمانين سنة ومن الألقاب «طاهي القرن». لكنّ الرهبة ستزول على الفور، فالرجل يعشق النكتة ومعجب بمطاعم دبي التي «تشبه بتنوعها مطاعم لاس فيغاس».هو، ببساطة، «الشيف بول بوغوس» Paul Bocuse الذي ذاع صيته في أنحاء الأرض كاملة، كما تشيع رائحة الطعام الشهي و«الانيق» وتزكي الأنوف و القلوب، قبل المعدة.اسم عائلته مرتبط بالمطبخ الفرنسي منذ القرن السابع عشر، واسمه صار مرادفا ل«سفير المطبخ الفرنسي» قبل أن يتحوّل إلى «رئيس الأكل الفرنسي» أو الطاهي الأبرز في العالم في العام 1989، تبعا لتوصيف موسوعة «غولت وميلو» لأبرز وجوه القرن المنصرم. بلغ بول بوغوس هذا العام الرابعة والثمانين من العمر. طاه فرنسي ولد في عام 1926، حاصل على ثلاث نجمات في فن الطهي منذ عام 1965 وما زال يحافظ عليها لغاية اليوم.حصل على لقب بابا المطابخ وطاهي القرن العشرين في عام 1989. كما أنه أول طاهٍ يقام له تمثال ويوضع في المتحف الفرنسي. وهو اليوم يدير عددا من المطاعم العالمية، كما يدير اكاديميته الخاصة لتعليم فن الطهي بالقرب من مدينة ليون الفرنسية المنطقة التي ولد فيها.

لكن تاريخه لا يقف هنا، هذا الطاهي الكهل هو الابن الأكبر لجورج وإيرما بوغوس اللذين ينتميان الى أسرة تفتخر بأنها تعمل في مجال المطاعم منذ القرن السابع عشر. أي انه لم يختر اتجاهاً فريداً ومختلفاً في حياته عن نسق العائلة التي ينتمي إليها.يدير بول بوغوس ويملك في ليون اليوم ثلاثة مطاعم كبيرة هي LسAuberge du Pont de Collonges وLسabbaye de collonges hles brasseries bocuse إضافة الى مطعم الأكاديمية التي تحمل اسمه.ويعتبر تناول الطعام في أحد هذه المطاعم فرصة حقيقية لتذوق أطباق فريدة كلياً في طريقة تحضيرها وتقديمها إضافة الى الجو الجميل والعذب الذي تؤمنه هذه الأمكنة جميعها.قبل حوالي اربع سنوات، كان لقاء «البيان» الأول مع الشيف العالمي. كان يجلس على مقعده الجلدي، في ردهة فندق «لو مريديان» في دبي، وبدا عليه وقار له سطوة هائلة على المحيطين به، من الأصدقاء والزوار الذين يرافقونه ويتعاطون معه كما يتعاطى الناس عادة مع رؤساء الدول وكبرى الشخصيات. ألا يليق به، بالفعل، وصف «رئيس جمهورية الأكل الفرنسي»؟واليوم، لا يزال يجول مدن العالم محتفظا بوجهه ونشاطه الكبيرين.لقد وضع اسمه، ومنذ العام 1961، على عشرات المطاعم في فرنسا، كما صار الاسم علامة تجارية لمنتجات غذائية دخلت السوق العالمي من البوابتين اليابانية والأميركية.وعلى عكس ما قد تتوقع قبل لقائه، فإنك ستفاجأ بشخصية متواضعة، على استعداد تام للإجابة عن كل الأسئلة، مستفيداً من ذاكرة تختزن الكثير من الحكايات التي طالت أجيالاً، وبروح سخرية ظريفة تتمتع بها الشخصية الفرنسية.. أحيانا.

يقول إن شارل ديغول كان يأكل بسرعة، ويصف ديسكارت وميتران وشيراك بأنهم «نهمون»، ويأكلون «بشغف». هو أيضا شخصية عصامية وبناءة، فقد تمكن من إنقاذ اسم عائلته الذي يرتبط بالمطبخ الفرنسي منذ العام 1765 من النسيان في فترة من الفترات، وأعاد إحياءه في «ليون» وفرنسا والعالم. شارك في ابتكار مبادئ مجددة في المطعم الفرنسي.

وكان أحد أفراد مجموعة من الطهاة أطلقوا بعد الحرب العالمية الثانية مفهوم ال«نوفيل كويزين» (المطبخ الجديد)، التي ركزت على استخدام الوصفات السهلة وغير المعقدة في المطبخ، والتي تعتمد على المواد الطازجة وتتحاشى استخدام الكريما والزبدة الدسمتين: «شكلنا مجموعة من اثني عشر طاه، وواجهنا سوية انتقادات الصحافة.

كانت فترة ذهبية مفعمة بالحماسة. اليوم بقي من تلك المجموعة ثلاثة طهاة فقط، أحدهم أنا». ماذا بقي من أفكار «المطبخ الجديد»؟ «أثرنا على أجيال كاملة من الطهاة أتت بعدنا، لكنني واكبت أيضا التحركات الثورية في هذا المجال وحافظت على الأصالة في الوقت ذاته».

في العام 1965 حصل بول بوغوس على النجمة الثالثة من «ميشلن» (أرقى رتبة يصل اليها طباخ في العالم)، وبعد عشر سنوات ابتكر الشوربة الفرنسية الشهيرة la soupe aux truffrs v.g.e التي قدمها هدية خاصة للرئيس الاليزيه آنذاك فاليري جيسكار.

ألف كتابه الشهير «مطبخ السوق» في العام 1976، وقد صار مرجعا لآلاف الطهاة والمهتمين، وترافق إصداره مع نشاط كبير لبوغوس في مجال التدريس في الجامعات والمعاهد المختصة بفنون الغذاء.

وفي 1982، تمكن من الدخول إلى السوق الأميركي، بعد أن رغبت إدارة مدينة الترفيه العالمية «ديزني لاند» بضم اسمه إلى مجموعة مطاعمها. مرحلة التسعينات كانت حافلة بالتكريم: المطعم رقم 1 في العالم (بحسب موسوعة أفضل المشاهير والأثرياء في العالم)، تمثال في متحف «غريفن دو باري»، أفضل حرفي في فرنسا (فئة المطاعم)..

ومنذ منتصف التسعينات، أطلق بوغوس مشروعه الكبير، الذي تمثل بافتتاح أربعة مطاعم في مدينة «ليون» التي ينحدر منها، هي «لو نورد، لو سود، لاست ولواست». يصف ليون بالقول: «إنها خزان الغذاء في فرنسا. خلابة بمزارع العنب والخضار والفواكه».

بخلاف المطبخ الفرنسي، يحب بوغوس المطبخ الياباني ويعتبره الأشد تأثيرا في ثقافة الطعام في العالم، في الوقت الحالي: «حين تذوقت الطعام الياباني لأول مرة، كان ذلك في العام 1965، ولم أكن أتخيّل أنه سيغزو العالم كما هو حاصل اليوم.

المطبخ الياباني رائع، والأهم في أي مطبخ ناجح أن يكون مرتكزا على استخدام المواد الطازجة، غير المعلبة ولا المخزنة». والمطبخ العربي؟ «في مدينتي ليون هناك الكثير من المطابخ التي تقدم طعاما شرق أوسطياً، وأنا أتردد عليها».

Email