الإعلامية منى الحسيني، تعملقت فجأة على شاشة التليفزيون المصري، ومدت أظافرها بمكر نحو ضيوفها المراوغين في حوارات شديدة الصراحة، وحين اشتهرت بأسلوبها الخاص بدأت في «كشف المستور»، وجاءت بجملتها الشهيرة «نأسف للإزعاج»، لتتلقى تهنئة مفاجئة من الرئيس المصري حسني مبارك على حواراتها المتميزة.
هي الجريئة الهادئة، المحاورة المراوغة، التي يثير لقاؤها الخوف والقلق من خبث كلامها، وبراءة عينيها التي لا تعني دائما الموافقة على ما تسمع. التقت «الحواس الخمس» بابتسامة صافية، وعذوبة مشرقة، في حوار هذه تفاصيله.
درست التجارة، فلماذا تغير مسارك إلى العمل الإعلامي؟
بدأت عملي الإعلامي، حين كنت أدرس في العام الثالث بكلية التجارة، فبعد انتهاء محاضراتي في كلية التجارة جامعة عين شمس كنت أطير إلى مبنى التلفزيون من أجل مواصلة التدريب الإعلامي.
واستمر الحال إلى ما بعد التخرج بعامين، أي حوالي 4 أعوام من التدريب على الإعداد والتقديم والإخراج، وكان ذلك على يد الإعلامية جانيت فرج، فكانت تصطحبني معها في كل مكان تسافر إليه لإكسابي الخبرة، وكانت تعطيني الميكروفون لأشعر بإحساس المذيعة أمام الكاميرات.
نشرة البكاء
إلى أي مدى كانت مساعدة والدك جواز المرور إلى عالم الإعلام؟
والدي الحسيني رمضان، رحمه الله، كان وكيل أول الوزارة للقطاع الاقتصادي بالتلفزيون المصري، لكن عملت دون وساطة، فرئيس التلفزيون وقتها، الإعلامية سامية صادق، لم تكن كلمة «الوساطة» مطروحة في قاموسها، إضافة إلى أنها لم تكن تعرف والدي، لكن لا أنكر أنني تلقيت مساعدات بسبب والدي.
غير أنني لو لم أكن أستحقها لما حصلت عليها، ولا أنسى النصيحة التي قدمتها لي رئيس التلفزيون نتيجة إعجابها بموهبتي في التقديم؛ حيث نبهتني إلى ضرورة وضع بعض الماكياج وتغيير تسريحة شعري حتى أبدو أكثر أناقة؛ لأني كنت بسيطة جدا مثل أي فتاة في الجامعة.
وحين أخبرتني بأنني سأقدم نشرة الأخبار انفجرت في البكاء، وأخبرتها بأني لا أريد تقديم النشرة، وبذلك ضاعت فرحتي، وهنا تدخل والدي لديها، فوجدتها تطلبني مرة أخرى وتسألني عن رغبتي، فقلت «أقدم برنامج منوعات»، فوافقت.
كيف جاءت فكرة برنامج «حوار صريح جدا» وكيف استمر طوال هذه الفترة؟
حين ذهبت إلى مسؤول البرامج بالتلفزيون المصري لأطلب تقديم برنامج حواري بعنوان «تصفية حسابات» سخر مني، وقال «أنتِ مبتدئة هتصفي حساباتك مع مين؟» .
فقلت: «مع الفنانين بشرح أخطاء كل منهم»، لكنه اعترض على ثقل الاسم، معلنا أن اسما كهذا يحتاج إلى مذيعة كبيرة، فعرضت الأمر على والدي فاقترح اسم «حوار صريح جدا».
وكنت قلقة من طول الاسم، واعترض أيضا المسؤول فأصابني الإحباط، لكني قمت بتسجيل حلقة من البرنامج وعرضتها عليه فأعجب بها لكنه أخبرني أن هناك أفضل من ذلك، فصورت 30 حلقة بعد ذلك، وبعد عرض البرنامج أصبحت حديث الشارع المصري.
وجاء عيد الإعلاميين وفوجئت بتكريمي من قبل وزير الإعلام المصري وقتها، صفوت الشريف، على برنامج «حوار صريح جدا»؛ حيث حصل البرنامج في الاستفتاء الرمضاني على أفضل برنامج وحصلت على أفضل مذيعة.
ودهشت أمام وزير الإعلام حين قال لي المسؤول الذي رفض البرنامج من قبل «مش قلتلك البرنامج دا هيكسر الدنيا؟!» فتعجبت مبتسمة.
مزاد حوار صريح
ما حجم الاستفادة من نجاح تجربتك في حوار صريح جدا؟
تعلمت أن يكون رأيي من دماغي، وألا ألتفت إلى سخرية واعتراض أحد، وتعلمت أيضا ألا أستجيب لفرض الشروط، وهذا ما أكده نجاح برنامج «حوار صريح جدا» الذي استمر قرابة 15 عاما، وتنافست عليه أكبر وكالات الإعلان، فكانت المرة الأولى لحدوث مزاد على برنامج في مصر؛ حيث بدأ البرنامج بمدة 1/2 ساعة.
وبعد 5 أعوام أصبح 10 دقائق من كثرة الإعلانات، وشعرت بعدها أن عملي في التلفزيون المصري لن يطول مع هبوط سقف حرية الرأي فاتجهت إلى الفضائيات، وكان برنامج «نأسف للإزعاج» أقوى برنامج سياسي حتى هذه اللحظة، وجاءني عرض مالي مغرٍ من قناة عربية لتقديم برنامج سياسي، لكني توجست من الإغراء الكبير.
واكتشفت أن المطلوب انتقاد مصر، فرفضت لأنني لن أشتم مصر من الخارج، لكني مستعدة لانتقادها من الداخل من أجل العلاج لا من أجل السب فقط.
كثيرون وجدوا شبها بين أسلوبك وطريقة الإعلامي مفيد فوزي؛ فكيف تقارنين بين الأسلوبين؟
أعتقد أن إيقاعي الإعلامي أكثر سرعة مما يقدمه الإعلامي مفيد فوزي، فهو صاحب مدرسة الهدوء والإنصات للإجابات المطولة، أما أنا فأحتاج إجابة في دقيقة واحدة، لكي أواصل سخونة الأسئلة المتلاحقة.
في رأيك، هل سحبت الفضائيات الخاصة البساط من تحت قدمي التلفزيون المصري؟
لايزال التلفزيون المصري هو الرائد، وله قيمته الخاصة، لكن ما تتميز به الفضائيات هو مساحة الحرية الأكبر نسبيا، فلا نتعامل كثيرا في الفضائيات مع الخطوط الحمراء، أما التليفزيون المصري فتحكمه لوائح وقوانين لا يستطيع أحد الخروج عنها.
مقسوم على اثنين
لماذا أوقفت البرامج الحوارية اليومية بعد «حوار صريح جدا»؟
بالنسبة لبرامجي فقد احتجت إلى الكيف أكثر من الكم بعد فترة نضج إعلامي؛ لذا لم يعد هناك داع من الظهور بشكل يومي، بل ركزت على تقديم برنامجي بواقع حلقة أو اثنتين كل أسبوع.
فما أقدمه من حوار ساخن يحتاج إلى تحضير كافٍ، فهو فن مقسوم على اثنين، كما يحتاج الإعلامي أن يكون ضيفا خفيفا على الجمهور حتى لا يحرق نفسه.
فقد قدمت أكثر من 300 حوار مع أكثر من 250 شخصية سياسية وعرضت موضوعات فنية، رياضية، اجتماعية، سياسية؛ لذا فهذه الخبرة تجبرني على الإعداد الجيد لمعرفة السمات الشخصية التي أحاورها حتى أتمكن من حصاره وألا أدعه يراوغني، فألاحقه بالأسئلة؛ لذا لا يستطيع أحد ضيوفي مراوغتي أبدا وهذا دائما في صالح المشاهد.
ما أكثر الشخصيات ثراءً خلال مشوارك مع الحوارات؟
الشخصيات السياسية هي الأكثر ثراءً من أمثال الكاتب الصحفي مصطفى بكري، د. مصطفى الفقي، د. علي الدين هلال، د. نعمان جمعة، د. أيمن نور، الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد، الإعلامي مفيد فوزي.
النائب طلعت السادات، فدائما ما أبحث عن الشخصيات التي تضاف إلى تاريخي الإعلامي وتشرفه، فأنا أقدم للأرشيفات حوارات سياسية وإعلامية لن تتكرر كثيرا وتتناول كل ما يتعلق بالشأن الداخلي في مصر.
ليست رفاهية
كإعلامية.. ما رأيك في الحراك السياسي بالشارع العربي والمصري بوجه خاص؟
إنها حالة غليان بسبب «لقمة العيش»، فهذه الاعتصامات والاحتجاجات حق مشروع لكل مواطن طالما أن الجهة الموجه إليها الاحتجاج لم تستجب لطلبات المواطن.
لكن المثير للدهشة أن المصريين يستنجدون بالرئيس مبارك والنائب العام فقط، أما باقي الحكومة فتقف في مواقع المتفرجين، وبكل تأكيد فإن المواطن يقوم بهذه الوقفات الاحتجاجية لأنه يشعر أنه مسلوب الحقوق، فليس أمامه غير الاعتصامات.
ولابد من التحرك الفوري لحل أزمات المواطن، خصوصا أن مشكلاته التي يحتج بسببها ليست من قبيل الرفاهية بل من أساسيات الحياة، ولا يمكن السكوت عنها، لكن بكل أسف الحكومة في حالة تراخٍ وبرامجها غير واضحة المعالم، نتيجة أنها مثقلة بالهموم، فصارت غير قادرة على حل مشاكل الناس.
كيف تقيّمين النتائج التي ترتبت على تنوع القنوات الفضائية؟
لقد أفاد تنوع الفضائيات العملية الإعلامية، فهذه المنافسة الشريفة مطلوبة لتحقيق أكبر مكسب من الإعلام الحقيقي الذي يخدم الشعب وينشر الوعي بين أفراده، لكني ضد الفضائيات التي تعيش على البرامج الرياضية.
فليس من المنطقي أن نأخذ درسا خاصا في مباراة كرة قدم انتهت نتيجتها (صفر/ صفر).. فلدينا تخمة في البرامج الرياضية، ونطالب بأن تكون لدينا التخمة ذاتها في ممارسة الرياضة وليس مشاهدتها فقط.
نعود إلى عملك الإعلامي كيف تستطيعين التوفيق بين هدوء الأسرة والمعارك الحوارية الطاحنة التي تدخلينها؟
أنا أم وزوجة بشهادة أسرتي، ودليل هذا النجاح الأسري ما أخبرني به ابني عمر بأنه يتمنى أن يتزوج امرأة مثلي؛ حيث أواصل عملي باجتهاد، وعندما أعود أقوم بواجبي في البيت على أكمل وجه، ولا أقصر فيه مهما كان إرهاقي في العمل.
إعلام وتدريس
لو لم تعملي مقدمة برامج، فماذا كانت المشاريع المستقبلية المرسومة؟
لقد كان يغريني التدريس الجامعي، فقد كنت أنوي تحضير الماجستير والدكتوراه، لكن عملي الإعلامي خطفني، غير أنه حاليا تتاح لي هذه الفرصة من خلال إحدى الجامعات الإعلامية المصرية.
ففي العام المقبل سأقدم محاضرات جامعية، وبذلك أكون قد جمعت بين مهنتين طالما حلمت بهما، هما الإعلام والتدريس.
ما أصعب المواقف التي واجهتك طوال ما قدمته من مشوار إعلامي حتى هذه اللحظة؟
أصعب المواقف حين كنت أعد حلقة مع اللواء الدهشوري حرب، رئيس اتحاد كرة القدم في مصر وقتها، وكان معي في الأستوديو المعلق الرياضي أشرف شاكر، فوجدت نفسي أقرب إلى الهذيان.
أتحدث بشكل غريب، لأنني أخبرت بوفاة والدي منذ دقائق، فقد شعرت وقتها أني جالسة عارية في منزل بلا جدران، فأحسست ببرودة تأكل جسدي على الرغم من أننا كنا في الصيف، وطلب شقيقي من أشرف شاكر ألا يجعلني أعود إلى المنزل في هذا الوقت حتى لا أرى المشهد الحزين.
وما أجمل لحظات العمر؟
يوم أن رزقني الله بابنتي لينا، فقد كنت أحلم بأن يرزقني الله ببنت، ومن فرط الفرحة أفقت، على الرغم من كوني لاأزال في مرحلة التخدير، كي أرى ابنتي بعدما سمعت صوت صراخها، وهذا ما أدهش الطبيب، ووقتها سمعت صوت الراديو يردد أغنية المطربة هدى سلطان «خلاص يا دنيا هتبقي حلوة».
منى في سطور
إعلامية مصرية قدمت الكثير من البرامج الحوارية الناجحة التي أحدثت صدى، وكشفت عن محاورة من طراز فريد، تخرجت في كلية التجارة لكنها اتجهت بعد تخرجها إلى العمل الإعلامي.
قدمت العديد من البرامج، كان أولها «الناس والعيد»، وتوالت برامجها وجهة نظر للشباب، خمسة - خمسة، أرقام، اللقاء الحاسم، حوار صريح جدا، بدون تحفظ، ع المكشوف، ثم نأسف للإزعاج. مارست دورها إداريا من خلال عضويتها لمجلس إدارة النادي الأهلي في فترة سابقة.