«الفرق الغنائية» عشوائية في الانتشار وانتظام في السقوط

«الفرق الغنائية» عشوائية في الانتشار وانتظام في السقوط

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

إذا لم يجد أحد النجاح بشكل فردي، فإنه يبحث عنه من خلال مظلة جماعية؛ هذه الفلسفة تطبقها الفرق الغنائية في مصر بدقة، إلا أن النتيجة دائماً ما تحمل معنى السقوط المدوي والسريع أيضاً..

فعلى الرغم من النجاح الكبير الذي حققته هذه الفرق، إلا أنها لم تستطع الصمود أمام طوفان المشكلات الإنتاجية، وطموحات بعض أعضائها أن يظهر منفرداً، باستثناء فرق قليلة استطاعت أن تستمر، من بينها «وسط البلد»، و«سنين»، بالإضافة إلى فرقة «المصريين» التي عادت أخيراً على يد مؤسسها الموسيقار هاني شنودة.«الحواس الخمس» يناقش عبر السطور التالية أسباب اندثار الفرق الغنائية؛ فإلى التفاصيل.من بين ما يقرب من 20 فرقة غنائية امتلأت بها الساحة الغنائية خلال السنوات الماضية، واجهت الكثير من هذه الفرق خطر الاندثار، وأصبحت في «خبر كان» بعد أن تعرَّضت لمشكلات مالية مثل فرق «كاريزما، الفور إم، بلاك تيما، تاكسي، يوركا، سيتي باند، كاريوكي، قص ولزق، افتكاسات، سلالم، صحرا، جميزة، بساطة أنا مصري».على الرغم من تنوع طرقها الغنائية باستلهامها الأغاني القديمة، أو تقليد الأغاني الأجنبية بعد أن حاولت تلك الفرق الخروج عن موسيقى الأغنيات التجارية المنتشرة حالياً؛ لكنها فشلت في تحقيق المعادلة الصعبة بإيجاد جمهور يستمع إليها، وتوفير المكان المناسب لعرض أعمالها، وتوفير من يدعمها مادياً للاستمرار.

وداعاً «واما»!

وعلى الرغم من النفي المتكرر من أعضاء فريق «واما» لشائعة انفصالهم، واستعدادهم لإصدار ألبوم جديد لتكذيب الشائعة، أصبح من المؤكد، بعد كثرة الوعود بطرح الألبوم، أن «عقد» هذه الفرقة قد انفرط، وتشتت أعضاؤها بين تمثيل وغناء فردي، على الرغم من أن هذه الفرقة تحديداً انتشرت بسرعة البرق، لكنها توارت بالسرعة ذاتها.

بعد أن جذبت عدداً هائلاً من الجماهير التي عشقت التغيير، والخروج عن المألوف في شكل الأغنية. والأمر لا يختلف كثيراً لفرق مثل وسط البلد أو سنين اللذين يواجهان تحديات عديدة ويواجهان مستقبلاً غامضاً.

سوء تخطيط

حول الغموض الذي يحيط بمستقبل الفرق الغنائية في مصر، يؤكد الموسيقار هاني مهنى أن انبهار هذه الفرق بالنجاح المدوي هو سبب الانهيار، فقد تكون الفرق قد فوجئت بنجاحها وهذا دليل عدم التخطيط، لكن هناك سبباً آخر في انتشار هذه الفرق، وهو غياب الحفلات الغنائية التي كانت تشهدها الساحة الفنية في مصر منذ فترة طويلة، مثل «ليالي أضواء المدينة»، و«ليالي التلفزيون»، واحتفال المحافظات بأعيادها القومية.

وأضاف مهنى: «لم تكن الفرق الحديثة هي فقط التي فشلت، لكن فرقاً قديمة تلاشت مثل «الثلاثي الطروب»، و«ثلاثي أضواء المسرح»، وعدد آخر من الفرق التي شهدت ازدهاراً شديداً، وان اختلفت أسباب الفشل، لكن يجمعها سوء التخطيط».

خروجاً من الشرنقة

إلا أن الموسيقار هاني شنودة اختلف مع مهنى، مؤكداً أن هناك الكثير من الفرق التي تملك مقومات التجمع والانتماء والاستمرارية، لكن العامل المادي هو الذي يدفع هؤلاء الأعضاء إلى الانفصال، خصوصاً أنه لم يعد هناك عائد مادي يمكنهم من الاستمرار بالشكل الجماعي، نظراً إلى عدم وجود حفلات أو أفراح، فقد انتشر «الدي جي»؛ لذلك يبحث كل عضو بالفرقة عن وسيلة أخرى للخروج من الشرنقة، والبحث عن فرص للنجاح.

لكن شنودة اتفق أن هذه الفرق غيَّرت من شكل الأغنية العربية، لكن التأثير جاء سلبياً، خصوصاً إذا كان أعضاؤها لا يرتقون إلى درجة «مطربين» يستطيعون الربط بين أصواتهم والآلات الموسيقية، فيكون الإيقاع مفقوداً، واستبعد شنودة فرقة «المصريين» التي أسسها العام 1977 من هذا الاتهام؛ حيث أكد أن فرقته أحدثت ثورة في عالم الأغنية العربية من خلال ألحان جديدة، وكلمات جريئة لعدد من كبار الشعراء منهم «صلاح جاهين».

«عمر بطيشة»، لكنها تعرضت لأزمات، فقد حاول تكوين فريق «الأحلام»، إلا أن العروض التمثيلية الكثيرة التي انهالت على أعضاء الفرقة الجدد، ومنهم ياسمين جمال، ونور قدري، حالت دون تحقيق حلمه، فعاد من جديد لإحياء فرقة «المصريين».

بين فكي الرحى

في حين أوضح الموسيقار محمد سلطان أن معظم الفرق الغنائية تشكو من عدم وجود منتج أو راع يؤمن بموسيقاهم؛ لينتج لهم ألبوماً دون أن يتدخل في شكل، وكلمات، وموسيقى الأغنيات حتى لا يحدث خلافات آجلاً أو عاجلاً، فمعظم المنتجين يهمهم المكسب المادي فقط، وهذا ما يجعل حساباته مختلفة مع هذه الفرق، ما يجعل الفرق أمام خيارين كلاهما أصعب من الآخر، أولهما الحفاظ على فنها، وثانيهما الانسياق وراء متطلبات السوق، فتظهر الأعمال غير مُرضية لأعضاء هذه الفرق، ما يسبب لهم إحباطاً.

في حين يطالب الموسيقار عمر خيرت برعاية الدولة للفرق الغنائية كما كان في الزمن الفائت، مؤكداً العامل الاقتصادي الذي يقف حائلاً دون استمرارية هذه الفرق، وأن هذا العائق من الممكن أن يتلاشى لو تدخلت الدولة، ومنحت هذه الفرق الدعم اللازم للاستمرارية، كما طالب شركات الإنتاج بتبني هذه الفرق؛ لأنها لو تم توظيفها جيداً وفقاً لرؤى معينة ستظهر محققة نوعية غناء حقيقية مختلفة بدلاً من الدمار الغنائي الذي نعيشه.

فرقة بالعِشرة

إلا أن شيرين الحديدي، مدير التسويق بإحدى شركات الإنتاج، أكدت أن العمل مع فريق غنائي صعب للغاية؛ لأن الشركة المنتجة تخاطب أكثر من عقل في الفرقة الواحدة، فكل واحد منهم له وجهة نظر مختلفة عن الآخر، ما يؤدي إلى صعوبة التعامل معهم في الكتابة أو الألحان.

وتشير إلى أن معظم شركات الإنتاج تحرص على عدم التعامل مع الفريق الغنائي الذي يتكون من عدد من الأفراد الذين جمعتهم صداقة، فقرروا عمل فريق غنائي، فهم فقط فرقة ب«العِشرة»، ونجاحهم درب من المستحيل.

وعن اختفاء فرقة «بساطة» المصرية، يقول مؤسسها نبيل لحود إنه كان يغني مع ابنته ماريز، وإيهاب عبدالواحد في مدينة الرحاب المصرية، واستمع إليهم منتج مسلسل «حنان وحنين» الذي قام ببطولته الفنان عمر الشريف، وطلب أن يغني إيهاب وماريز تتر العمل، وبعدها تمكنوا من تكوين فرقة غنائية، وانضم إليهم أعضاء جدد هم «إيهاب سمير، أمير عزت، رائد سيكا، مايكل فؤاد».

مفاوضات فك الاحتكار

ويؤكد محمد عاطف، أحد أعضاء فريق «إم تي إم» أن الفرق الغنائية تعيش فوضى حقيقية، ولا تستند إلى أسس ودعائم، ما يقودها إلى التفكك والفشل في أي وقت، حتى لو بدت محاولات أعضائها جادة.

ويشير إلى أنه استطاع مع أعضاء فرقته الذين هم في الأساس أصدقاؤه، أن يكوِّنوا فريقاً غنائياً منذ 9 أعوام، وكانوا يغنون لأصدقائهم، ومع الوقت تحوَّلوا من الهواية إلى الاحتراف بعد أن تعاقدوا مع شركة «كلمة»، وطرحوا ألبومهم «أمي مسافرة»، ثم «تليفوني بيرن»، إلا أنهم لم يستطيعوا إصدار ألبومهم الثالث «لازم بكرة».

بعد أن قامت الشركة باحتكارهم، ومنحهم القليل من الحفلات، بحجة أنها أنفقت عليهم منذ البداية، ولم تصل المفاوضات مع الشركة إلى سبيل منذ العام 2006، ما دعاهم إلى فسخ التعاقد، وقرروا أن ينتجوا لأنفسهم، إلا أن التكلفة كانت مرتفعة للغاية فبدأ الفريق في التفكك، وانتقل كل منهم إلى فرقة أخرى حتى يتمكن من الانطلاق الذي ظل يحلم به لأعوام طويلة.

ظروف حياة

وبعد 28 عاماً من الاعتزال تعود إيمان يونس إلى فرقة «المصريين» بعد أن توقفت الفرقة بسبب غيابها، وحاول مؤسس الفرقة هاني شنودة استنساخ فرقة من جديد، فتبنى عدداً من الأصوات الشابة، ولم يكتب لها النجاح، لكنها عادت أخيراً بعد عودة نجمتها التي تؤكد أن عودتها كانت غير مخططة مثلما كان انقطاعها؛ حيث كانت تستمع إلى شنودة عندما حضر ضيفاً في أحد البرامج.

وقال إن علاقته انقطعت بإيمان منذ زواجها، فقررت الاتصال به على الهواء مباشرة، وأبدت رغبتها في إحياء الفرقة، وبالفعل أُقيمت أولى حفلات الفرقة داخل مسرح مكتبة الإسكندرية، وشهد الحفل إقبالاً جماهيرياً كبيراً لدرجة أن القاعة قد امتلأت عن آخرها.

ولم تجد الجماهير مقاعد خالية فجلست على سلالم المسرح، وأكدت إيمان أن مشكلة الفرق الغنائية تكمن في عدم اتساق ظروف الحياة مع كل الأعضاء في وقت واحد، الأمر الذي يسبب دائماً فك الرباط المقدس بينهم بشكل قهري، ولا يعودون إلا كهواة إذا سمحت لهم ظروف الحياة.

طوفان

يقول محمد سلطان: إن أعضاء هذه الفرق لجؤوا إلى الغناء بشكل جماعي؛ لعدم وجود أي فرصة فردية منذ البداية، وصعوبة الظهور وسط العدد الهائل من المطربين، فاتخذوا أسلوب الغناء الجماعي بحثاً عن الشهرة، ويفكر كل فرد في مصلحته أولاً إذا أتت فرصة الشهرة بطوفانها، فيكون الهروب الكبير للأعضاء واحداً تلو الآخر.

افتقار

يعترف هاني مهنى أن معظم الفرق طوَّرت في شكل الكلمة واللحن والتوزيع، وشهد المستمع كلمات جديدة على أذنه، وأشكالاً موسيقية مختلفة تعلَّق بها الناس كما حدث في أغنية «ماتحسبوش يا بنات إن الجواز راحة» لفرقة «المصريين»، والتي حققت نجاحاً كبيراً، إلا أن فرقنا الغنائية تفتقر لثقافة الفرق الموسيقية العالمية.

بساطة

يقول نبيل لحود: «لقد اخترنا اسم «بساطة»؛ ليعبر عن أهداف الفرقة بالغناء الراقي البعيد عن التعقيد، فقدمنا ذكريات الطفولة، وأفكار غنائية عن الحرية، وانتشرنا بسرعة في الداخل والخارج، وقدمنا عروضنا في عدد من الدول الأوروبية، وكانت الفرقة مترابطة إلى حد ما، حتى أغرى أعضاءها النجاح الفردي، والمادة، والظهور المرضي، فاختفت الفرقة لكننا نسعى لإحيائها من جديد».

Email