حياة

الطائرات الورقية.. إبداع يتجاوز لهو الطفولة

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

طيري يا طيارة طيري يا ورق وخيطان.. بدي ارجع بنت صغيرة على سطح الجيران، وينساني الزمان على سطح الجيران.

أغنية فيروز عاشقة القمر ذكّرتنا بالطائرة الورقية لعبة الطفولة المدهشة بتاريخها الطويل الذي يتجاوز ذاكرة اللعب ويعود إلى ألفي عام، حين بدأت الصين صناعتها من الخشب ثم الحرير والخيزران، وبعد اختراع الورق صار هو المفضل في صنع الطائرات الورقية، ولم يبدأ استخدام الطائرات الورقية لأغراض الترفيه واللعب، بل كان الهدف من صناعتها عسكرياً، فكتب التاريخ تذكر أنها كانت كبيرة في الحجم، وبعضها كان قوياً، بما فيه الكفاية لحمل رجل في الهواء ومراقبة تحركات العدو، أو حتى توزيع المنشورات على جنود الأعداء لتهديدهم وحثهم على الاستسلام.

وتُروى في الصين أساطير كثيرة عن أهمية الطائرة الورقية، منها حكاية القائد العسكري عام 206 قبل الميلاد، حيث كان يحاصر بجيشه قصر الامبراطور الشرير، وكان لا بد من معرفة المسافة بين القصر والجيش ليسهل عليهم الدخول إليه، فطيّر القائد العسكري طائرة ورقية واستخدم طول خيطها لتحديد هذه المسافة، حيث استطاعوا الدخول إلى القصر والانتصار على الامبراطور. ومن الحكايات الأخرى أن أحد ملوك الصين حوصر في مدينة فطيّر طائرة ورقية لطلب المساعدة وجلب الإمدادات من أتباعه في المدن الأخرى. وكانت الطائرة الورقية تسمى (غراب النار المقدس) لأن الجيوش كانت ترسل بها المتفجرات لمهاجمة العدو.

وكان من الضرورة أن ترتبط الطائرات الورقية ببعض الخرافات، فقد اعتقد الصينيون أن من يطّير طائرة ورقية ثم يتركها تذهب فإنه يبعد معها أمراضه وأوجاعه وحظه السيئ، بينما يُعد التقاط طائرة غريبة من الأشياء التي تجلب النحس والمشكلات. وقد اعتقد الناس أن الشخص المريض أو المكتئب يمكنه أن يخرج إلى الحقول والهواء النقي لتطيير طائرة ورقية فتتحسن حالته. أما إذا سقطت طائرة ورقية في بيت مجاور فإن صاحبها لا يسترجعها إلا بعد أن يثقبها الجار ثقبين لتبديد الحظ السيئ. وإذا انقطع خيط الطائرة وانجرفت إلى مكان آخر، فإن ذلك يعني طالعاً سيئاً ويجب أن تحطم تلك الطائرة.

وفي شمال الصين يحتفل الناس بمهرجان الفوانيس الذي يصادف اليوم الخامس عشر في التقويم الصيني وتقتضي طقوس المهرجان أن تطيّر كل عائلة طائرة ورقية للتعبير عن الشكر على النعم، لذا فإن كل شخص من أفقر فلاح إلى أغنى أمير يخرج في منتصف النهار لتطيير الطائرات الورقية في الأجواء وفي الليل تبقى الطائرات الورقية محلقة في الأجواء، بعد أن يربطها أصحابها.

ويدخلون إلى بيوتهم ثم يعودون في منتصف الليل ليشعلوا الفوانيس ويربطوها بالطائرات ويطلقوا الألعاب النارية ثم يعودوا إلى بيوتهم، وفي الصباح تكون الطائرات الورقية قد اختفت وتركت حبالها وراءها وهم يعتقدون أنها أخذت مشكلاتهم وكوارثهم معها.

انتقلت الطائرات الورقية إلى اليابان في القرن السادس الميلادي، ويُعتقد أنها طيّرت في البداية لأغراض دينية، ومثلت الطائرات الورقية لدى اليابانيين رموزاً للحظ السعيد والازدهار والخصوبة، لكنها أحياناً كانت تمثل رموز الأرواح الشريرة الغائبة.

وكلمة طائرة ورقية وردت أول مرة في كتاب ياباني يمثل قاموساً جُمع عام 981م، وكانت الطائرات الورقية تدعى الصقور الورقية، ويُعتقد أنها استخدمت عند البوذيين لأغراض دينية، فقد طيّر الناس طائراتهم على أمل الحصول على حصاد جيد، وتربط أحياناً ببعض أغصان الرز لتمثل رموزاً للشكر والخير.

وقد بيعت الطائرات الورقية في المعابد والأضرحة للاستعمال في السحر ضد المرض أو الحظ السيئ، وكانت تطيّر في أعياد رأس السنة لتقديم الشكر على نجاحات السنة الماضية وعلى أمل أن تكون السنة الجديدة سنة خير، وكذلك قدمت الطائرات الورقية من الآباء إلى الأبناء في أعياد ميلادهم.

وتوزعت الطائرات الورقية على معظم أجزاء العالم، فكانت لعبة جميع الأطفال أياً كان مستواهم الاقتصادي، لأنها تحمل في طبيعتها أحلام الانسان بالطيران، ولكن استخدامها لم يقتصر على المرح، فقد دلّت الكتابات والرسومات الروحانية التي تعود إلى مطلع القرن الحادي عشر الميلادي إلى أن الرومان كانوا يستخدمون الطائرات الورقية رايات عسكرية.

حظيت الطائرة الورقية باهتمام العلماء واستخدموها في تجاربهم ففي عام، 1749 في اسكتلندا، استخدمها الكسندر ويلسن لقياس درجات الحرارة في الارتفاعات المختلفة ولكي يتمكن من تنفيذ تجربته ربط طائرات ورقية عدة بخيط واحد وارتفاعات مختلفة ووضع في كل طائرة مكنه من قياس درجة الحرارة في كل ارتفاع.

وفي يونيو عام 1752 قام العالم الأميركي بنجامين فرانكلين بتطيير طائرة ورقية في عاصفة مطرية ليثبت أن خصائص البرق هي نفسها خصائص الكهرباء التي تتولد في المختبرات.

وأجرى الرواد الأوائل مجموعة مدهشة من التجارب في مجال الطيران تضمنت استعمال تراكيب الطائرات الورقية، ومكنت تقنيتها العلماء والمهندسين من تطوير فهم الديناميكية الهوائية التي أدت في النهاية إلى صنع الأنواع المتطورة من الطائرات المتوافرة الآن.

وتنقسم الطائرات الورقية من حيث التصميم إلى نوعين: الطائرات ذات الأجزاء القابلة للفصل ويستخدمها الهواة لسهولة نقلها، وإمكانية تفكيكها وتركيبها. والطائرات ذات الأجزاء الثابتة، ويكون طيرانها بشكل أفضل وأعلى، وهناك ما لا يقل عن 300 شكل من أشكال الطائرات الورقية المختلفة في الأحجام.

ومواد الطائرة الورقية تتكون من الإطار ويكون من الخيزران الذي يتم اختياره حسب حجم الطائرة فيكون سميكاً وقوياً للطائرات الكبيرة وتستخدم أشرطة الخيزران الرقيقة للطائرات الصغيرة. أما المادة التي تغطي الإطار فتكون إما من الورق أو من الحرير وطائرات الحرير تكون أكثر متانة وأعلى قيمة فنية.

وتعتمد رسومات الطائرات على مقدرة صانعها الإبداعية وتبارى الناس في صناعة الطائرات الورقية للحصول على أرقام قياسية، ففي اليابان أقيمت عام 1983 مسابقة لصنع الطائرات الورقية جذبت عدداً كبيراً من الفنانين الذين تفننوا في أشكالها.

ومن أهم عناصر الطائرة المكملة لها الخيط الذي يمثل صلة الطائرة بصاحبها، وهو القيد الذي يربطها بالأرض لتكون محكومة بطوله في التحليق ويستخدم عادة خيط يتسم بالقوة مع مراعاة أن يكون خفيفاً ليسهل على الطائرات الورقية ارتفاعها.

تحوّلت الطائرة الورقية إلى متعة خالصة تجذب الناس صغاراً وكباراً، فالفن ليس بالضرورة ساكناً وثابتاً في الأرض، بل إن الجمال الفني هو الذي يحمل صاحبه إلى الأعالي، والطائرة الورقية فن يرتفع إلى الأعالي، اهتم به عدد كبير من الفنانين في العالم وأقيمت له مهرجانات كثيرة منها مهرجان الطائرات الورقية الدولي في فرنسا.

ومهرجان الألفية للطائرات الورقية، ومهرجان الطائرات الورقية المقاتلة في الصين وكوريا واليابان والذي يقوم على التنافس بين الطائرات الورقية، فكل طائرة تزود بالزجاج المطحون وأنصال سكاكين مستوية لتمزيق الطائرة المنافسة وقطع خيطها، وأبناء مدينة ناجازاكي في اليابان هم أفضل من يشارك في هذا المهرجان.

ومهما اختلفت أشكال الطائرات الورقية فقد ظلت مرتبطة بطفولتنا وبأوراق دفاترنا المدرسية وأعواد القصب التي نصنع منها هياكل الطائرات وتساعدنا الأمهات فنلونها بألوان الشمع ونفرح بعلوها وطول ذيلها.

رموز دينية

مع ان الطائرات الورقية تحوّلت من الرموز الدينية إلى المتعة الخالصة، لكن بعض الطقوس الدينية بقيت حتى وقت متأخر، ففي كل عام في الخامس من مايو يُقام مهرجان للأطفال يحتفل به في الكثير من أجزاء اليابان.

وتطيّر به طائرات ورقية لكل الأطفال، وتصنع الطائرات بألوان زاهية وتأخذ بعضها شكل سمك الشبوط لأنه يرمز إلى الجرأة والشجاعة، خاصة انه يسبح ضد التيار إلى أماكن التفقيس، لذا كان سمك الشبوط رمزاً للقوة التي ينبغي أن يتمتع بها الصبي في حياته المستقبلية.

دبي - دلال جويد

Email