سياحة

منارة الإسكندرية نجمة البحر القديم

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

الإسكندرية..نافذة لقصيدة الشاعر اليوناني «كفافيس»خرجت لتتنسم الهواء.. حال البحر بين سفن وموج يأتي ويذهب..حال البحر حين يركن ظهره بهدوء إلى السماء؛ ليستمع إلى عاشق يحكي أو نجمة تتذكر ماضيها السعيد على كتف بناية عالية تراقب البحر عن بعد، وتهمس للبحَّارة الغرباء بنور مرآتها قبل الوصول إلى الشاطئ الآمن.

تقول نجمة الحكايات البعيد(منارة الإسكندرية) إنه في عام 280 قبل الميلاد أنشئت منارة الإسكندرية، أولُ منارة في العالم، وأقامها المعماري الإغريقي سوستراتوس في عهد بطليموس الثاني.وبلغ ارتفاعها 135 مترًا، وقد دُمِّرت بفعل زلزال شديد في عهد السلطان الناصرمحمد بن قلاوون، فقد ضرب الزلزال شرق البحر المتوسط عام 1323م، ودمر حصون الإسكندرية وأسوارها ومنارتها، وأصبح موقع المنارة المنهار هو ذاته موقع قلعة قايتباي الموجودة الآن.

عندما زارها السلطان الأشرف «قايتباي» عام 1477م أمر ببناء برج جديد فيما بعد عُرف ب«قلعة قايتباي»، ثم «طابية قايتباي»التي لا تزال موجودة حتى اليوم. كانت المنارة أو كما يقولون عنها فنار الإسكندرية تقع على طرف شبه جزيرة «فاروس»من عجائب العالم القديم؛ إذ كان بناؤها أعلى بنايات العالم في هذا الزمان.وكانت تتألف من أربعة أقسام؛ الأول عبارة عن قاعدة مربعة الشكل تُفتح فيها نوافذ، ويوجد بهذه القاعدة حوالي 300 غرفة مجهزة لسكن الفنيين القائمين على تشغيلها وكذلك أسرهم، أما الطابق الثاني فكان مُثمَّن الأضلاع، والثالث دائريًا، وأخيرًا تأتي قمة المنارة إذ يستقر الفانوس ـ مصدر الإضاءة ـ في المنارة، يعلوه تمثال لإيزيس، ربة الفنار (إيزيس فاريا).

ومن الطريف أن اسم جزيرة (فاروس) أصبح عَلَمًا على مصطلح (منارة) شفي اللغات الأوروبية، واشتُقت كلمة فارولوجي (ِوفٌُُْه؟) للدلالة على علم الفنارات.كان الغرض من بناء المنارة هو هداية البحارة عند سواحل مصر المنخفضة، فقد كان النور المنبعث من النار الموضوعة في قاعدة المنارة ينعكس من المرايا النحاسية كضوء يتجه إلى المناطق المحيطة بها..يقول المقريزي في خططه:إن المنارة قد دُمِّرتْ، وإن (رُكْنَ الدين بيبرس)قد عمّر المنارة، ورمَّمها في عام 703 هـ بعد الزلزال المدمر بنصف قرن.

وقال عنها الرحالة العربي (ابن بطوطة) في رحلته الثانية: فيلاوقصدتُ المنارة عند عودتي إلى بلاد المغرب؛ فوجدت الخراب قد استولى عليها بحيث لا يمكن دخولها أو الصعود إليها.

بذرة المآذن

لقد اقتربت السفن البعيدة، لكن الرحلة لا تزال مستمرةً، وأنا كنجمة أتلألأ في زمان بعيد أتذكر:كانت منارة الإسكندرية قبل هدمها فكرة ملهمة لتاريخ الفن المعماري في العالم فقد كانت البذرة لبناء مآذن للمساجد والكنائس، وانتشرت الفكرة من الإسكندرية إلى بقاع الأرض، وأكبر دليل على ذلك مئذنة مسجد إشبيلية بالأندلس، حتى تم تشييد برج (إيفل)، وأصبح أحد عجائب الدنيا هو الآخر.

كان انعكاس الضوء يحكي لي أن ضوء المنارة كان يُرى على بعد 70 ميلا في البحر بسبب مرآته الضخمة، التي كانت تتيح رؤية السفن القادمة قبل أن تتمكن العين المجردة من رؤيتها، وبذلك وصفها مؤرخو الأرض بأنها أحد الإنجازات التقنية العالية في الدول القديمة، لكنها فقدت وظيفتها منذ دمارها.

كان الصاعدون إلى فانوس المنارة يتخذون مُنحدرًا حلزونيًا طويلا، أما مواد الاشتعال فكانت تُرفع إلى الطابق الأخير بواسطة نظام هيدروليكي، في حين ذكر آخرون أنه كانت تتم الاستعانة بصفٍ طويلٍ من الحمير يظل في حركة دائمة ليلَ نهارَ عبرَ المُنحدر إذ تُرفع الأخشاب على ظهور الحمير.

وتجيبنا نجمة الحكايات بأن الاعتقاد السائد الذي يؤكده طابور طويل من العلماء على مر العصور هو أن الأحجار الغارقة عند قايتباي هي جسم الفنار القديم، وقد سقطت في المياه عندما تحطَّم ذلك البرج الضخم بفعل الزلزال.

لم تنقطع زيارة المنارة منذ إنشائها إلى الآن، فنجد أوصافًا في كتابات الرحَّالة القدامى، وكذلك الرحَّالة المسلمون حتى بعد سقوط المنارة، فكان الزوَّار يذهبون إليها للتنزه في تسعينات القرن التاسع عشر، وتم تكليف أحد الغواصين عام 1910م بالغوص في هذا المكان لمعرفة أسراره.

أساطير

على مدى التاريخ الطويل منذ العصر القديم شهدت منارة الإسكندرية روايات متعددة فهذا هو (المقريزي)يقول:(إن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بن مروان هو الذي قام بهدم منارة الإسكندرية بعد أن أخبره أحد الجنود بأن الإسكندر الأكبر استحوذ على الأموال والخزائن الخاصة ب(شداد بن عاد)وملوك مصر فبنى لها سراديب.

وأقام فوقها منارة طولها 1000 ذراع، فبعث الوليد مع الخادم بجيش كبير من الذين يثق بهم، فهدم نصف المنارة من أعلاها، وأُزيلت المرآةُ، فضج الناس وعلموا أنها مكيدة، وبقيت المنارة على هذا الحال حتى سقطت بفعل الأمطار الكثيرة والزلازل).

وتصوَّر أحد العلميين في مطلع القرن العشرين أن المنارة كانت تخرج منها قطعٌ من الأحجار الكريمة تُتخذ منها فصوص للخواتم، إذ تعود هذه الأحجار إلى الكئوس التي قامت والدة الإسكندر بتكسيرها، وإلقائها في بعض المواقع المحيطة بالمنارة حتى يتجمع الناس حولها باستمرار للفوز بهذه القطع.

ألاونخرج من الحكاية لنقول:منذ فترة طويلة يعكف فريق من الباحثين الأثريين بموقع قلعة قايتباي على الحصول على كتل حجرية من المنارة القديمة خاصة الأحجار الخاصة بالواجهة والمنحوتة على شكل لوحات تذكارية بحروف يونانية ضخمة.

ليتأكدوا ما إذا كانت الكتل الحجرية الضخمة الغارقة بالموقع هي أنقاض الفنار؛ خاصة بعد أن شكَّك بعض علماء التاريخ في أن الفنار القديم هو مصدر هذه الكتل، إذ اعتقدوا أنها صخور كانت تُلقى في الماء في العصور الوسطى كإحدى وسائل الدفاع ضد الصليبين الغزاة.

هناك بعثة أثرية فرنسية بقيادة دان إيف إمبرور تنقب عن الآثار الغارقة في منطقة الميناء الشرقي والأنفوشي بجوار القلعة؛ للكشف عن آثار منارة الإسكندرية، إذ يسعون للحصول على كتل حجرية تنتمي لأنقاض الفنار القديم.

متحف تحت الماء

وتُجرى دراسة لإنشاء متحفٍ تحت الماء بالتعاون بين المجلس الأعلى للآثار، ومنظمة اليونسكو، وهناك بحوث جيولوجية للوصول إلى أفضل الوسائل لإقامة هذا المتحف، والمقدر له أن يكون أهم وأكبر متحف تحت الماء في العالم، ولايزال العمل مستمرًا في الموقع لرفع باقي الحائط الخرساني الواقع فوق الآثار.

خاصة بعد أن تم العثور على قواعد وتماثيل وأعمدة ورؤوس بعد العثور على 500 كتلة أثرية، مما يعني أن هناك الكثير للبحث عنه.وتزامنا مع فكرة إنشاء هذا المتحف، تم التفكير بعد عمل دراسات متعددة في إنشاء فنار مطابق لشكل الفنار القديم المكون من قاعدة وثلاثة طوابق بشكل مبتكر يخدم قيمته، واستخدام أحدث الوسائل العلمية للأغراض الملاحية والسياحية ليرجع الفنار إلى سابق عهده.

وقد تم التفكير في تمويل هذا الفنار بطرحه في مسابقة عالمية للحصول على أفضل العروض والرسومات، حيث تقدمت الشركات الفنلندية والسويسرية والفرنسية والهولندية للفوز بالمشاركة لإقامة هذا المشروع العملاق وقد تم عمل دراسات عديدة كان أهمها اختيار موقع الفنار على الجانب الشرقي لجزيرة فاروس أو على الموقع الغربي حيث تقع قلعة قايتباي وحاجز الأمواج.

ولايزال الغواصون والمنتشلون مستمرين في البحث عما غرق من التاريخ؛ لعلنا نسترجع ما كان من زمن أو ما كان من ضوء هذه المنارة.

القاهرة - دار الإعلام العربية

Email