حياة

السيطرة على الغضب.. فن التحكم بالأعصاب

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

كان الغضب يتملكني حتى أني نسيت أن أربط حزام الأمان، وكنت أتحدث مع نفسي بأني سأصرخ بوجه من يعترض طريقي، وربما أضربه، كنت أزمجر في سيارتي كمجنونة، وحينها فوجئت بشرطي المرور يستوقفني، أوقفت السيارة وفتحت الزجاج مبتسمة، وحين سألني عن سبب عدم ربطي الحزام حاولت أن أجد مبررات مختلفة وأنا أتحدث معه بغاية اللطف، وبعد أن أقنعته بعدم مخالفتي ووعدته أني لن أترك حزام الامان مرة أخرى، وأصغيت إلى كل نصائحه، تحركت بسيارتي بهدوء تام، وانتبهت بعدها إلى أني سيطرت على غضبي وكأني لم أمر به.

تختلف اسباب التعبير عن الغضب عند الناس، فآمنة أمين، طالبة جامعية، تدرس الأدب الانجليزي في مرحلته الأخيرة تؤكد أن هناك أمورا لا تجدي معها السيطرة على الغضب، تقول: (أغضب حين اعلم ان الرجل قد كذب، ألاوانه استخف بعقلي بأني لا املك القدرة على ان اعرف انه كذب؛ عندها لا استطيع أن امسك نفسي ألامن ان اغضب، وافقد اعصابي؛ فأي شيء يمكن حله الا الاستخفاف بقدرتي في شيء، وما يغضبني أيضا الوعود ألاالكاذبة، فإن يعد الطرف الاخر، ويخلف في وعده؛ حينها اعلم ان الطرف الاخر ليس جديرا بثقتي وحينها اغضب، وأكبت بداخليألالأردها له في المستقبل.

أما جو غسان فانه يناقش اسبابا أخرى لغضبه، يقول: أغضب جدا حين أجد إصراراً غريباً على فهمي بشكل خاطئ، والحاجة لشرح وجهة نظري الواضحة، مرات ومرات، أي أني أكون غاضبا أمام الغباء، والسبب الثاني يتعلق بالظلم والعدالة، وهذا حقيقي جداً؛ فحين أشاهد أبرياء يُقتلون بالمجّان دون أن يتحرّك أحد، بل تسير الأمور بشكل طبيعي، ويصبحون خبراً عادياً في نشرات الأخبار، وعجزي أنا الشخصي هنا يُسهم جداً في زيادة غضبي، وأعتقد أنّ السبب الأخير هذا سوف يقتلني في يوم من الأيام.

وترى هنادي حنونة، موظفة، أن أسباب الغضب التي تدعو فعلا إلى الرد العنيف هي التي تمس كرامة الانسان، وتنال من شخصه، وبالنسبة لي أستطيع السيطرة على غضبي في أجواء العمل والتعامل مع المسؤولين والزملاء، إذ إن الانسان في تلك الاجواء لا يجب أن ينقاد لانفعالاته، وكذلك من الصعب ترك تلك الانفعالات في المحيط الاجتماعي العام لأن الغضب والتعبير عنه يمكن أن يقدم صورة سلبية عن الانسان، وطبعا أتمنى أن أسيطر دائما على غضبي، لأن الغضب يجعل الانسان في موقف ضعيف، ومع ذلك؛ فانا أعتقد أن الناس سريعو الغضب هم من أصحاب القلوب الطيبة الذين يغضبون سريعا ويرضون سريعا.

أما عبد الله النجار، مذيع، فيقول: (أنا بطبعي وكما يصفني المحيطون بي حليم لا أغضب بسهولة، لكني بطبيعة الحالة أغضب من المواقف المستفزة جدا، والتي تجعلني أفقد السيطرة على أعصابي، وكثيرا ما ندمت على مواقف غضبت فيها من أشخاص أحبهم وشعرت أن من الخطأ الغضب منهم وخسارتهم بسبب موقف واحد، لذا أحرص دائما على التحكم بمشاعري وانفعالاتي بينما أجد كثيرا من الناس انفعالاتهم تتحكم بهم، ويستسلمون للغضب بسهولة فيخسرون أصدقاءهم والتواصل الجميل مع محيطهم).

حوادث الغضب وانفعالاته يمكن أن تمر بأي منا، وقد نعتقد أن غضبنا وصل إلى مرحلة لا يمكن السيطرة عليها، بينما في الحقيقة يمكن للانسان السيطرة عليها اذا كان جادا في الامر، ويشعر بالخطر الحقيقي من نتائج غضبه، وهو ما يؤكده الاحتصاصيون النفسيون، فيقول الدكتور خليل الكرخي اختصاصي الطب النفسي: (الغضب وظيفة طبيعية عند الانسان، مثل الحزن والفرح والمشاعر المختلفة.

حيث إن مرضى انفصام الشخصية المزمن قد لا يستطيعون أداء تلك الوظائف، التي تكون عنصرا مهما من عناصر التواصل الاجتماعي، التي يتم التعبير عنها بطرق عدة منها تعابير الوجه أو الصراخ وحتى العنف، والغضب له مسببات مختلفة منها القلق النفسي والخوف من المجهول، ويمثل الغضب الظاهر في الغالب إزاحة لغضب آخر، كأن يكون الشخص غاضبا من مديره في العمل، أو مسؤوله؛ فيحوله إلى شخص آخر يستطيع الغضب منه من دون أن يتعرض لعواقب سيئة.

ويعتقد كثير من الناس أن البوح بالغضب والتعبير عنه أفضل من كتمانه، لكن الحقيقة هو أن السيطرة على الانفعالات السلوكية السلبية كالصراخ والتكسير واستخدام العنف يمكن أن يكون سلبيا وضارا، وطرق التعبير عن الغضب لا تقتصر على الصراخ فقد تكون بالصمت أو الإهمال أو تجنب الآخر وتجاهله، والسيطرة على الغضب ضرورية للإنسان ليكون ناجحا في محيطه، لأن السيطرة على البواعث الخاصة بالغضب ضرورية جدا؛ فالافكار الناتجة عن لحظة الغضب لا تكون موضوعية وقد يسبب تنفيذها مشاكل كبيرة).

ويرى المختصون في الذكاء الوجداني أن الانسان ينبغي أن يعرف طرق السيطرة على الانفعالات والغضب معتمدا على قدراته العقلية وتجاربه، يقول سعيد حامد، مخرج تلفزيوني، ومحاضر في جامعة عجمان وباحث في الذكاء الوجداني (قبل كل شيء علينا أن ننطلق من مفاهيم ديننا الحنيف فقد قال تعالى (والكاظمين الغيظ)، وقال الرسول، صلى الله عليه وسلم: (ليس القوي بالصرعة وانما القوي من يملك نفسه عند الغضب).

وهذا الامر يجعلنا ندرك أهمية السيطرة على الغضب والانفعالات، لذا فإن الذكاء العقلي مهم جدا لتوافق الإنسان السليم مع مواقف الحياة المختلفة، ويظهر هذا النوع من الذكاء في التحصيل الدراسي والمواقف التي تحتاج الى قدرات معرفية، كالفهم والإدراك والانتباه واستقبال المعلومات والتحليل والاستدلال والتعلم والحكم والذاكرة والتفكير المجرد.

وإذا استطاع الانسان معرفة انفعالاته والسيطرة عليها فانه يستطيع التواصل بشكل مناسب الامر الذي جعل من الغضب حالة تحت السيطرة، فالتعامل الفظ مع الآخرين يكون ذا مردود سلبي على الشخص ومحيطه، فالتصلب وعدم القدرة على التكيف والتعامل الفظ مع الآخرين والنقد الجارح وعدم الحساسية وتنفير العاملين معه إضافة إلى عدم القدرة على ضبط النفس كلها مؤشرات على ضعف الذكاء الوجداني عن الشخص.

وبالتالي لا تدعم كفاءته الاجتماعية والمهنية، ولكننا نجد أن طبيعة المهنة أحيانا تسهم في توجيه الانفعالات والسيطرة على الغضب، فالعاملون في مجال الاعلام يكونون أكثر الناس غضبا بسبب الضغوط النفسية الخاصة بمهنتهم، لذا أقوم بتدريس طلبة الاخراج التلفزيوني كيفية السيطرة على انفعالاتهم، لأن المخرج في عمله يتعامل مع جهات متعددة واجهزة مختلفة، ويكون تحت ضغط نفسي شديد، وهذا ينسحب على باقي تفاصيل مهنة الاعلام).

تحكم

يقول سعيد حامد: أكثر الناس قدرة على السيطرة على انفعالاتهم أعضاء السلك الشرطي والعسكري والقانوني لأنهم يكونون مقيدين بقوانين واضحة ومفهومة ينبغي التعامل معها بحرص ودقة، ولا يوجد مكان للانفعالات فيه.

سيطرة

يقول الدكتور خليل الكرخي: يعتقد كثير من الناس أن البوح بالغضب والتعبير عنه أفضل من كتمانه، لكن الحقيقة هو أن السيطرة على الانفعالات السلوكية السلبية كالصراخ والتكسير واستخدام العنف يمكن أن يكون سلبيا وضارا

استسلام

يقول عبد الله النجار: أحرص دائما على التحكم بمشاعري وانفعالاتي بينما أجد كثيرا من الناس انفعالاتهم تتحكم بهم، ويستسلمون للغضب بسهولة فيخسرون أصدقاءهم والتواصل الجميل مع محيطهم).

دبي- دلال جويد

Email