سينما

أسرار الأفلام الغنائية.. للمرة الأولى

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس هناك مجال للشك في أن الأفلام الغنائية أثرت في التراث السينمائي وشكلت ركناً أساسياً في قائمة أهم مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية، كما ساهمت أيضاً في تطوير الغناء المصري بما يناسب اللغة السينمائية، واحتفظت لنا بصور كبار المطربين و المطربات في مراحل حياتهم الفنية المختلفة، ورغم ندرتها الحالية والتي يعود سببها إلى التكاليف الباهظة وتراجع قيمتها الفنية ما جعل الجمهور يعزف عنها، يرصد (الحواس الخمس) جانباً من رحلتها باعتبارها مدللة الفن السابع ونجمة الشباك لسنوات طويلة من الغناء الجميل.

احتفظت الأفلام الغنائية بموقعها المحبب لدى العديد من عشاق الأفلام الرومانسية الحالمة المتمثلة في المطرب المشهور ليرتبط بأذهانهم ويشكل منعطفاً أساسياً في علاقتهم مع كل ما يقدم من أعمال سينمائية غنائية كمخزون ووارث ثقافي متواصل عبر الأجيال، لا يعترف بعوامل التعرية أو مستوى ما يقدم حالياً من أعمال فنية تحاكي أعمال القمة آنذاك، ولكنها استثمار لتلك العلاقة الحميمة بين الجمهور والمطرب الذي بطبيعة الحال أدرك أهمية الأفلام الغنائية في مسيرته الفنية ومن جانب آخر هو يشكل ثقلا تروجيا للفيلم الذي قد لا يحمل بين طياته قصة بمستوى وحجم العمل المقدم.

رواج جماهيري ... ورغم اختلاف مفهوم الفيلم الاستعراضي في السينما المصرية، إلا أن هذه الأفلام وبالذات في مرحلة الأربعينات والخمسينات، قد لاقت رواجاً جماهيرياً كبيراً وحققت أرباحاً خيالية، لذلك نرى انه حتى في الأفلام الأخرى غير الغنائية، ومن أجل استمالة الجمهور، يستغل المخرج أية فرصة (حفل زفاف مثلاً أو عيد ميلاد) لكي يقدم أغنية لمغن معروف أو غير معروف. وفي أغلب الأفلام ـ غنائية أو غير غنائية ـ تصاحب الأغنية راقصة ترقص بمفردها أو مع مجموعة من الراقصات.

حب الغناء... «يبدو أن السينما المصرية نطقت لكي تغني» هذا ما يؤكده الناقد المصري الشهير سمير فريد في مقال يوضح فيه، أنه لولا الغناء لظلت السينما صامتة حتى الآن، فأول فيلم مصري ناطق، وهو فيلم «أنشودة الفؤاد» عام 1931 كان فيلماً غنائياً. وأكثر من ذلك، فهو يسرد بأن نصف مجموع الأفلام المصرية منذ ذلك الوقت هي أفلام غنائية، ولا يخلو النصف الآخر من الأغاني، بل انه لا يكاد يوجد فيلم مصري يخلو من أغنية أو رقصة، حتى نهاية الخمسينات وبداية الستينات.

والناس في كل الدنيا تحب الغناء، ولكن يبدو بأن حب الغناء عند العرب له طابع خاص وأبعاد تاريخية ونفسية عميقة، فأشهر كتب التراث العربي القديم، وربما أكثرها رواجاً حتى اليوم، هو كتاب الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني. وأشهر الفنانين عند العرب المعاصرين هم المغنيون والمغنيات.

وقد كانت الأغنية العربية السائدة ـ ولا تزال ـ هي الأغنية الفردية، والتي يعبر فيها المغني عن مشاعره، وذلك على الرغم من وجود مسرح غنائي منذ أكثر من نصف قرن.

سينما استعراضية

ولأن السينما المصرية خلقت ضعيفة البنية ـ كما يراها فريد ـ وتعاني من هزال الفكر وشحوب الوجدان، فقد جاءت محاولاتها لخلق سينما استعراضية تشكو من ذات الأعراض التي يعاني منها الفيلم الروائي الذي قدمته في البداية، ولذلك فهم أصحاب الاتجاهات السينمائية التقليدية معنى الفيلم الاستعراضي ووظيفته بطريقة خاطئة تماماً.

حيث ان الفيلم الموسيقي المصري هو في الحقيقة فيلم غنائي، وليس فيلماً موسيقياً أو استعراضيا، فهو فيلم درامي عادي (كوميديا أو تراجيديا) تتخلله عدة أغانٍ تعبر عن لحظات معينة، وفي أغلب الأفلام تقطع الأغاني تدفق الأحداث، وتوقف النمو الدرامي لها، لتتواصل بعدها، ولكن الجمهور العربي لا ينزعج من ذلك أبداً، لأنه يدخل الفيلم لكي يستمع إلى المغني أو المغنية.

وبالرغم من أن عشرات الأفلام الغنائية الأجنبية، والتي غنى فيها فرانك سيناترا وفريد إستر وجين كيلي وكروسبي، وغيرهم، قد نجحوا في تقديم الأغنية السينمائية بشكل متطور، إلا أن السينما المصرية لم تستطع أن تطور أغنيتها السينمائية، فيما عدا النادر منها.

أشهر النجوم

ومن المعروف للغالبية من الجمهور بأن أشهر نجوم الغناء في مصر، قد ساهموا في تقديم الفيلم الغنائي، وهم: محمد عبد الوهاب، أم كلثوم، ليلى مراد، فريد الأطرش، أسمهان، محمد فوزي، نور الهدى في الثلاثينات والأربعينات وشادية، صباح، هدى سلطان، عبد الحليم حافظ، نجاة، فايزة أحمد في الخمسينات والستينات.

ولا يفوتنا أن نشير إلى أن نجوم الغناء لم ينجحوا دائماً في السينما، فأفلام نجاة وفايزة أحمد مثلاً قليلة وفاشلة، وأفلام شادية وصباح وهدى سلطان الناجحة، لم تحقق ما حققته من نجاح بسبب الأغاني فقط، وإنما لما تتمتع به كل منهن من قدرات تمثيلية في نفس الوقت.

ورغم النجاح الكبير لأفلام محمد عبد الوهاب وأم كلثوم في الثلاثينات والأربعينات إلا أنهما توقفا عن العمل في السينما وهما في ذروة النجاح، ربما لشعورهما بأن جمهور السينما قد تغير ولم يعد يقبل على الأفلام لكي يستمع للأغاني فقط، إضافة الى أنهما فاشلان في التمثيل تماماً.

وأنجح الأفلام الغنائية لنجوم الغناء، هي أفلام ليلى مراد، محمد فوزي، فريد الأطرش، عبد الحليم حافظ. ولا يمكن أن ننسى الإشارة إلى محاولات فريد الأطرش ومحمد فوزي، في بعض أفلامهما، لتطوير الفيلم الغنائي المصري، وذلك بتقديمهما استعراضات وأوبريتات غنائية راقصة، مما جعلهما يقتربان من الفيلم الموسيقي.

شهادة ميلاد

وفي رؤية أخرى للناقد حمدي أبو بري حول الأفلام الغنائية في قائمة أهم مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية، يتوقف عن العام 1932، عندما كان نجما الغناء العربي الكلاسيكي الكبير في القرن العشرين (عبد الوهاب وأم كلثوم) قد استقرا في مدار لا يدانيه أحد حول شمس الثقافة العربية المعاصرة.

وتكرس ذلك الصعود في المؤتمر الدولي الأول للموسيقى العربية الذي انعقد في ذلك العام بالقاهرة بمشاركة كبار علماء الموسيقى العرب والأجانب، في ذلك العام أيضا، شهدت القاهرة ولادة مرحلة فنية جديدة على خط آخر، سيكون لها فيما بعد أكبر الأثر في ترسيخ وتوسيع آفاق تطور فنون الموسيقى والغناء العربية المعاصرة، وهي المرحلة التي دشنها ظهور أول فيلم غنائي عربي حمل اسم «أنشودة الفؤاد»، ألحانه لزكريا أحمد والغناء لنادرة.

وبعد ذلك بعام واحد (1933) ترسخت هذه الولادة وشهدت الانطلاقة الكبرى للسينما الغنائية العربية، بظهور ثاني الأفلام الغنائية العربية «الوردة البيضاء»، ألحان وغناء محمد عبد الوهاب.

أنشودة الفؤاد

أما لماذا اعتبر الفيلم الثاني الولادة الحقيقية لفن الغناء السينمائي العربي، وليس الفيلم الأول ـ يجيب حمدي أبو بري ـ لأن «أنشودة الفؤاد» كان مجرد تصوير بالكاميرا السينمائية لأغنيات طرب تقليدية، مكتوبة وملحنة لأغراض الطرب المسرحي العربي التقليدي، وليس لأغراض المشاهد السينمائية.

أما فيلم «الوردة البيضاء» (ثاني هذين الفيلمين) فقد شهد ولادة أول أغنيات عربية مكتوبة وملحنة بأسلوب جديد يناسب المشاهد السينمائية للفيلم، فاستحق بذلك أن يكون تدشينا لولادة فن الأغنية السينمائية العربية.

سنوات التأسيس

بدرخان مؤسس السينما الغنائية

يعد المخرج أحمد بدرخان رائدا من رواد السينما المصرية من خلال مشواره الفني من تأسيس السينما المصرية على أسس منهجية سليمة، حيث قدم أفلاما لأهم عمالقة الغناء في مصر أمثال أم كلثوم وفريد الأطرش وأسمهان ونجاة الصغيرة.

وقام بإخراج أول أفلام فريد الأطرش مع شقيقته أسمهان وهو فيلم «انتصار الشباب» ثم أخرج مجموعة من الأفلام قام بإنتاجها وبطولتها فريد الأطرش وهي «شهر العسل» و «أحبك أنت» و«آخر كدبة» 1950 و«عايزة أتجوز» 1953 مع نور الهدى و«لحن حبي» مع صباح و«عهد الهوى» و«ازاي أنساك».

دبي - «الحواس الخمس»

Email