رمضان مناسبة دينية لست كغيرها من المناسبات، فهي تجمع في ثناياها كثيراً من الملامح الإيمانية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وتثري في فحواها دولاً وشعوباً بروحانيات تتجلى فوق حد الممارسة، لتصنع في النفوس متعة ذاتية لا يجدها سوى الصائم الذي خصه المولى عز وجل بفرحتين، واحدة عندما يفطر وأخرى عندما يلاقي ربه، ولذلك كله وأكثر، ينفرد الشهر الفضيل بالكثير من الإيجابيات والسمات الحميدة التي تجعل منه مناسبة تتفوق على كل شي في كافة الدول العربية والإسلامية.

وفي هذا الإطار، ارتأينا أن نخصص مساحة للحديث عن أجواء رمضانية تمتاز بكثير من المفارقات والإيجابيات في مختلف الدول العربية والإسلامية.. ففي دول المغرب العربي تستوقفنا ملامح رمضانية تتشابه أحياناً وتبدو غريبة في مرات أخرى، ومن ليبيا تحديداً نسرد بعضاً من الواقع الرمضاني المعاش، كما يؤكده أبناء البلد أنفسهم.

علي محمد إسماعيل مواطن ليبي الجنسية يعمل ويقيم في دبي، التقيناه فحدثنا عن ملامح رمضانية ليبية متشعبة، يوافق بعضها التقاليد المتوارثة في كثير من دول المغرب العربي، منها أن جميع العائلات هناك، تستعد للشهر الكريم بإجراء صيانة تقليدية للمنازل، ومن ثم شراء أدوات طعام جديدة، إضافة إلى التزود بمختلف الأصناف الغذائية اللازمة لتغطية أيام الشهر الفضيل، مع الإشارة إلى أنه في النصف الأخير من شهر شعبان والعشر الأوائل من شهر رمضان تزدحم الشوارع بالمتسوقين في كل اتجاه، تماماً كما يحصل في فترة عيد الفطر، حينما تصطف السيارات ويترجل من فيها لشراء مستلزمات كثيرة، تليق بمكانة الشهر الفضيل وتوافق متعة العيد السعيد.

ويؤكد علي إسماعيل أن المساجد في ليبيا تظل الشاهد الأقوى على مكانة شهر رمضان الدينية والروحانية في قلوب وعقول الليبيين، ففي صلاة التراويح كما في الصلوات الأخرى، تعج المساجد بآلاف المصلين، في حين أن صلاة المغرب تتخذ خصوصية أخرى في رمضان ليبيا، إذ أن العائلات هناك تقدم ما لديها من طعام الإفطار لمئات المصلين الذي يؤدون صلاة الجماعة، وهو تقليد ليبي يتواصل حتى يومنا الحاضر. ويبسط إسماعيل التقليد الرمضاني المتبع في ليبيا على النحو التالي: عند أذان المغرب تزهو سفرة الطعام الليبية بالتمر والحليب واللبن والماء والعصير، وعقب ذلك يقوم الجميع لأداء صلاة المغرب، ومن بعدها تقدم سفرة الشوربة والمقبلات، مثل البيتزا والسبوسك والمحشي (كوسا، فلفل، ملفوف) وغيرها من المقبلات والسلطة، ثم تأتي سفرة الشاي الأخضر مع الكيك، قبل أن يتوجه الجميع رجالاً ونساءً إلى صلاة التراويح، وبعدها بساعتين يأتي موعد الفاكهة والمكسرات، فيما يكون السحور قبل الفجر بساعة، وهو تقليد عام في ليبيا، ربما يختلف قليلاً من بيت إلى آخر.

ويمتاز الليبيون بالعديد من الأكلات والأطباق الرمضانية التقليدية، وتأتي الشوربة الخاصة في مقدمة المائدة الرمضانية، علاوة على أطباق أخرى شهية وشبه يومية، منها المحشي بأنواعه والبطاطا المبطنة والبراك والكسكسي والعصبان والأرز بالخلطة والمعكرونة بالخلطة والمعكرونة المبكبكة.

وكما يوضح علي الليبي، فإنه من الملفت للنظر في بلده، الانتشار الكبير لمحلات بيع الحلويات الرمضانية فيلاالسنفازلالا، كما يسمونها، التي تشهد إقبالاً جماهيرياً كبيراً خلال رمضان، وهي تنتج ثلاثة أصناف مشهورة ومعروفة عند الليبين، هي الزلابية والعسلة، وهما حلويات تصنع من الدقيق وتقلى في الزيت ثم تشبع بالعسل، والصنف الثالث هو السفنز وهو عجين يقلى في الزيت ويضاف إليه بيضة أو اثنتين، وهو من أهم وأقدم الأصناف الشعبية المتعارف عليها بين عامة الناس في ليبيا، مؤكداً وجود بعض الحلويات الأخرى مثل لقمة القاضي، والبسيسة التي تأكل مع التمر.

ويضيف علي إسماعيل أن من العادات الراسخة لدى الشعب الليبي فى شهر رمضان، الاجتماع العائلي صغاراً وكباراً، والحرص على تقديم مختلف الأكلات الشعبية منذ اليوم الأول، مشيراً إلى أن العائلات خلال الشهر الكريم، تحرص على تتبادل الزيارات والعزائم طيلة أيام الشهر المبارك، فيما يحرص جميع أفراد العائلة من جهة أخرى على ختم القرآن الكريم خلال الشهر الكريم.

وبالحديث التفصيلي عن أجواء رمضان في ليبيا، يعود علي محمد إسماعيل إلى القول إن أجواء الشهر الفضيل تبدأ منذ منتصف شعبان، حيث يستعد الليبيون له بشراء ما يحتاجون من مواد غذائية ومنزلية مختلفة، وتعيش الأسواق فترة متواصلة من الازدحام الشديد.

أما الأجواء الروحية، فهي تتلخص في أن المجتمع الليبي يقبل بكثافة ملحوظة على تأدية الصلوات الخمس في المساجد، وترى الاطفال يتنافسون على الصيام والصلاة، وهو ما يقابل بتشجيع من الأهالي الذين يقدمون لهم الهدايا والنقود وما سواه، أما ربة البيت فهي تستعد لرمضان على طريقتها الخاصة، حيث تتفنن في إعداد أشهى الأطباق الرمضانية التي ينتظرها الجميع طوال نهار رمضان.

وفي فترة ما بعد صلاة التراويح، تجتمع العائلة الليبيبة لتناول أكلات تقليدية سريعة، مثل المحلبية والخشاف، أما السحور الليبي فهو يتنوع حسب رغبة أفراد الأسرة، فهناك من يأكل ما تبقى من طعام الإفطار، ومنهم من يحرص على إعداد العصيدة بالروب أو العسل، وآخرون يكتفون بالتمر والحليب، في حين ان بعض العائلات الليبية تستمر في السهر حتى ساعات متأخرة من ليل رمضان، وخلال جلسات السمر تلك، يتناولون ما يحلو لهم من مأكولات تبقى شهية في رمضان.

الدولة: ليبيا

العاصمة: طرابلس

السكان: 5,6 ملايين نسمة

ليبيا

تسمى الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى، وهي دولة عربية تقع في شمال أفريقيا على الساحل الجنوبي للبحر المتوسط، تحدها مصر من الشرق، والسودان من الجنوب الشرقي، ومن الجنوب تشاد والنيجر، ومن الغرب الجزائر، وتونس من الشمال الغربي.

وليبيا دولة عضو في عدد من المنظمات والتجمعات الاقليمية والدولية منها: منظمة الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، واتحاد المغرب العربي، وجامعة الدول العربية، وحركة عدم الانحياز، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة الدول المصدرة للنفظ. عدد سكان ليبيا يعتبر ضئيلاً جداً مقارنة بمساحتها، حيث إنها تعد السادسة عشرة على مستوى العالم من حيث المساحة، كما أنها تملك أطول ساحل بين الدول العربية المطلة على البحر المتوسط.

ليالي

على غرار شعوب باقي دول العالم العربي والإٍسلامي، يخصص الليبيون، كما يؤكد علي إسماعيل الكثير من الوقت لليالي رمضان، سواء للعبادة أو للتسامر، فالمساجد لا تخلو من المصلين والقائمين، وكذلك الأمر بالنسبة للمقاهي والخيم الرمضانية وحتى البيوت بالنسبة للعائلات، فالليل بالنسبة لرمضان الليبيين هو ما يتبقى لهم من اليوم، وفيه تكون مختلف الفعاليات الفنية والثقافية والرياضية، وفيه يتسوق الجميع ويزورون بعضهم البعض.

علاقات

الوقت: أمسيات رمضان

الواقع: لقاءات عائلية

الأجواء: متعة وتسلية

اعتاد الليبيون الاستعداد لشهر رمضان قبل أسابيع من قدومه، سواء في ترتيب البيت الداخلي، أو في التزود بالخضروات والفواكه واللحوم بكافة أنواعها، فقبيل حلول الشهر الفضيل تزدحم الطرقات بالباعة والمتسوقين. أما العلاقات الاجتماعية، فتصبح أقوى وأمتن خلال رمضان الليبيين، حيث أن أفراد الأسرة يجتمعون حول مائدة واحدة، ويسيرون معاً لأداء الصلوات والقيام، ناهيك عن الزيارات العائلية ودعوات الإفطار المتبادلة في كل مكان، واللقاءات بين الأصدقاء والأقارب التي تتواصل في أمسيات رمضانية تضفي على الواقع مزيداً من المتعة والتسلية.

دبي - عنان كتانة