سينما

سينما الأوبئة غائبة في عالمنا العربي

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

على عكس التيار السينمائي الغربي، ابتعد صانعو السينما العربية عن الأفلام التي تتناول الأوبئة والأمراض فلم تقدم السينما المصرية أعمالاً عديدة تستعرض مباشرة الأمراض والأوبئة إلا القليل منها، ومن بين هذه الأعمال القليلة «صراع الأبطال» و«اليوم السادس» عن الكوليرا، و«طالع النخل» عن البلهارسيا، و«الحب في طابا» عن الإيدز، ثم راحت بعد ذلك في نوم عميق وتجاهلت ظواهر مخيفة آخرها أنفلونزا الطيور والوافد الجديد الشرس أنفلونزا الخنازير.

وبالبحث في مضمون هذه الأفلام القليلة نجد أن التناول كان ضعيفًا، ولم يرق للنموذج الغربي، فعلى سبيل المثال فيلم «الحب في طابا» إنتاج العام 1992 يروي قصة ثلاثة أصدقاء يقررون السفر في رحلة إلى مدينة شرم الشيخ، وهناك يتعرفون على ثلاث سائحات يقيمون معهن علاقة غير شرعية يكتشفون بعدها أنهن حاملات لمرض الإيدز ما يجعلهم يقررون بعدها الانفصال عن الحياة العامة والاعتكاف معًا بعيدًا عن أسرهم.أما في فيلم «صراع الأبطال» للمخرج المصري توفيق صالح إنتاج العام 1962 فيستعرض فيه المخرج آثار الاحتلال البريطاني لإحدى القرى المصرية التي كان أغلب سكانها.

- في ذلك الوقت - لا يمتلكون الوعي ولا الثقافة الكافية التي تعاونهم على تجنب آثار العنف البشري الذي تركه الجنود المحتلون داخل مخلفاتهم الحربية من مرض فتاك لكل من يسكن هذه الأرض، فانتشر مرض الكوليرا بين سكان هذه القرية دون أن يعرف سبب محدد له، رغم أن السبب واضح لمن يريد أن يعرف حقًا.ومازلنا في السينما المصرية، وبرغم تطور الأمراض من الكوليرا والسل إلى مرض السرطان، خصوصًا الذي يصيب الأطفال فلم نشهد عملاً سينمائيًا مصريا أو عربيًا واعيًا تناول هذا الموضوع بجدية وتوسع إلا مؤخرًا عندما ظهرت السينما الحرة التي لا تضع رغبات المشاهد رقم واحد عند إنجاز الفيلم، بل وضعت معاناة المشاهد ومصائبه في المرتبة الأولى.

ومن هذا المنطلق جاء الفيلم الروائي «عين شمس»، الذي يستعرض انتشار مرض سرطان الأطفال وعلاقته بانتشار اليورانيوم المخصب في الأراضي العربية بعد حرب الخليج في التسعينيات، وربط هذا بانتشاره بين الأطفال في مصر..

والتساؤل الذي يفرض نفسه هنا: لماذا غابت السينما العربية عن إنتاج أفلام ذات رسالة اجتماعية تحمل مضمونا توجيهيا غير مباشر، أو توعية عن قضية صحية ما، أو تنبأوا لوباء ما على غرار السينما الغربية.

النقاد السينمائيون ـ من جانبهم ـ رأوا أن مثل هذه الأفلام التي تتناول الأمراض والأوبئة، بحاجة في المقام الأول إلى منتجين جادين لديهم الوعي ومخرجين متميزين أصحاب رؤية فنية ناضجة على العكس تمامًا مما يحدث الآن، موضحين أن ما نشهده حاليًا في إنتاج السينما العربية ما هو إلا سينما لا تعطي فرصة للفنان الكاتب والمخرج في أن يوسع دائرة صناعته إلى أفق جديد لم يتطرق إليها من قبل.

تهاون سينمائي

الرؤية نفسها تتفق معها الناقدة فريال كامل، حيث علقت على هذا النوع من الأعمال بأنها سينما مفقودة في عالمنا العربي، وتكمن أكثر في الأعمال الوثائقية والتسجيلية عنها في الأعمال الروائية السينمائية.

وقالت: أكثر ما لفت الانتباه في المهرجان القومي الأخير للسينما المصرية هو فيلم تسجيلي بعنوان «المستعمرة» حيث يطوف الفيلم بشجاعة كبيرة بين أروقة مستعمرة الجزام في أبو زعبل ـ منطقة نائية ومهملة جدًا على أطراف القاهرة ـ ويعرض الفيلم حياة مرضى هذه المنطقة المنسية التي يود الكثيرون بترها من أرض القاهرة لأنها تحمل المصابين بمرض الجزام المعدي.

والفيلم مقدم بشكل إنساني جدًا من خلال شخصياته الحاملة لهذا المرض، فالفيلم يستحق الجائزة الأولى الذي حصدها في المهرجان، بل يستحق أكثر منها لأن الموضوع كان مفاجأة للجميع.

وعودة إلى غياب سينما الأوبئة والأمراض، تؤكد فريدة كامل أن السينما المصرية والعربية تهاونت كثيرًا عن مثل هذه الأعمال، وتقول: لا أتذكر سوى فيلم للمخرج توفيق صالح «صراع الأبطال» عن مرض الكوليرا، وكذلك المخرج يوسف شاهين الذي قدم فيلم (اليوم السادس ) عن مرض الكوليرا، وكذلك الفيلم التسجيلي «موت بحيرة» في السبعينيات للمخرج محمد عماد.

وهو عن التلوث الذي أصاب بحيرة المنزلة والثروة السمكية بتغييره لتركيبة مياه البحيرة، ومن ثم امتد هذا التأثير في صحة الإنسان وفي رزق الصيادين، وحذرت كامل من أن ندرة مثل هذه الأفلام تجعلنا نزداد في استخدامنا السيئ للطبيعة مما يعود علينا بالسلب بعد ذلك.

ثقافة المجتمع

أما الناقد الدكتور ناجي فوزي أستاذ السينما في المعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون، فأشار إلى أن تناول موضوع الأوبئة والكوارث المرضية أمر موجود في العالم كله؛ لكنه برز في السينما الأمريكية بقوة، وذلك لأنها تعتبر جزءا من ثقافتهم العامة، وهي ابتكار أفكار وطرحها حتى وإن كانت سابقة لحدث ما، بالإضافة لعرض كيفية مواجهة هذه الأزمة مثل فيلم «المهمة المستحيلة»، فالكاتب ابتكر وباءً ـ متخيلاً ـ ونشره بين الناس، لكنه كان مسيطرًا عليه من خلال المصل المضاد.

العقدة هنا، والكلام لفوزي، هي طرح الوسيلة والطريقة التي نصل بها من نقطة البداية إلى نقطة النهاية حتى وإن كان الحل النهائي موجودًا ومعروفًا وهذا الأسلوب تميزت به السينما الأمريكية.

وأصبح من سماتها الأساسية، موضحًا أن هناك شغفا لدراسة أنواع عديدة من العلوم الاجتماعية واستنباط مستقبل صحي وإن كان سلبيًا، ففي هذه الدول توجد هناك ثقافة خاصة للتعامل مع الكائنات الحية وثقافة التعامل مع البيئة، أما في الشرق الأوسط فنحن نفتقر إلى ثقافة التعامل مع الإنسان نفسه؛ فكيف لنا أن نعرض ونستعرض طرق تخريب هذا الإنسان لبيئته، وما يتبعها من استحداث أمراض جديدة تتبعها السينما التجارية.

مخاطرة مرفوضة

يؤكد فوزي أن وجود هذا النوع في السينما العربية يتطلب توافر عناصر معينة سواء على مستوى الكتابة، أم الإنتاج، أم الإخراج أم حتى النجوم، لافتا في هذا الصدد أن الكثير من النجوم الموجودين على الساحة يرفضون المخاطرة بهذه النوعية من الأعمال حتى لا يؤثر ظهورهم كمصابين بالوباء على نجوميتهم، ونفس الأمر ينطبق على المنتجين الذين يبحثون عن الربح السريع دون الاكتراث بقضايا المجتمع، وهو دليل على حالة الاستسهال التي تسيطر على السينما المصرية خلال السنوات الأخيرة.

والحل، الذي يراه فوزي للخروج بهذه الأفلام للنور، يكون بالابتعاد عن السينما التجارية؛ لأن مثل هذه الموضوعات تعتبر جزءًا من الأعمال القومية التي يجب أن تقف وراءها جهة حكومية كبرى، دون النظر إلى الميزانيات، أو التسابق للعرض وغيرها من الآليات التي تفرض نفسها على السينما حاليا.

معوقات عديدة

إلى هنا ترى الناقدة ماجدة موريس أن هناك مخرجين وكتاباً وممثلين قادرين على تقديم هذه الأفكار الجادة التي تتحدث عن هموم حقيقية تعم البسطاء، لكن بالنظر إلى واقع السينما في الوقت الراهن نجد أنه من الصعوبة تقديم فيلم حقيقي عن أنفلونزا الخنازير أو الطيور لأسباب عديدة منها إنتاجية ورقابية، وما تتطلبه هذه الأفلام من دخول في صراع مع الرقابة، ليس هذا فقط بل إن تقبل الجمهور للعمل أو الإقبال عليه أمر غير مضمون.

وتؤكد موريس أنه إذا تم تقديم مثل هذه الأفلام فإن نجاحها مرهون بكيفية معالجتها سينمائياً، وإن كانت تؤكد في الوقت ذاته صعوبة طرح أفلام عن الأوبئة والأمراض في قصص منفصلة، ولكن من الممكن عرضها في سياق الحبكة السينمائية.

وأضافت ماجدة موريس أن إنتاج مثل هذه الأفلام، لابد أن يكون خارج إطار منظومة السينما التجارية ولابد أن يتجاوز مسألة الميزانية التي تخضع للمعاملات التجارية فهي جزء من الأعمال القومية، التي لابد أن تأخذ وقتها في الإعداد والكتابة الجيدة ولا علاقة لها بالتسابق الزمني للعرض في مواسم السينما، إلا أن هناك مخرجين وكتاباً قادرون على تقديم هذه الأعمال.

ولكن للأسف السينما تتجه نحو الأفلام الأقل طموحاً، سهلة الإنتاج وان كان من الواجب القومي على صناع السينما أن ينفذوا الأفكار الأكثر عمقاً والتصاقاً بقضايا المجتمع.

تضحية مطلوبة

ويقول الناقد مصطفى درويش: السينما حالياً تقتبس من الخارج وتتعامل مع الأفلام من منطلق «الباب اللي يجيلك منه الريح» فمن المتوقع أن تعترض الرقابة علي تناول مثل هذه الأفلام لما سيحمله من نقد لاذع للحكومة، فلن يستطيع مؤلف أن يقدم فيلما عن أنفلونزا الطيور ويتجاهل دور الحكومة في مواجهة المرض حتى أصبحنا الدولة الأولى في العالم في عدد الإصابات.

كما أن ردود الأفعال لتلك النوعية من الأفلام غير مضمون من جانب الجمهور، وإذا تم تناول هذه الموضوعات سيكون بشكل سطحي ولذا فان المنتجين يحرصون على عدم الدخول في صراع مع الدولة.

ويشير درويش إلى أن السينما حاليا تميل إلى الاستسهال، وهو ما أخل بوزنها في العالم ولابد أن يتحمل جهاز السينما في وزارة الثقافة دوره الوطني، وان يفيق من حالة النوم العميق فقد سبق أن تحملت وزارة الثقافة تكاليف إنتاج فيلم «المسافر» لعمر الشريف والتي وصلت إلى 20 مليون جنيه دون عائد يذكر، كما أن إنتاج مثل هذه الأفلام يحتاج إلى تضحية في زمن اختفت فيه التضحيات.

Email