سينما

المؤثرات البصرية مزيج من الإبداع والخيال السينمائي

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

من خلال مجال التصميم والتحريك ثلاثي الأبعاد والمؤثرات والخدع الخاصة، أبدعت بعض شركات الإنتاج العالمية، فأخرجت أعمالا رائعة تثير الإعجاب، وقد وصلت هذه التقنية الحديثة إلى القمة في أفلام الخيال العلمي، إذ يُعتمد في إنتاج هذه الأفلام على المؤثرات البصرية بشكل كبير، كما يستعملها المختصون كذلك في الأفلام التي تصور الحقيقة، لإضفاء الواقعية عليها، كتصوير الكوارث الطبيعية والأحداث العنيفة والإنفجارات وغيرها.

والمؤثرات البصرية أو ال(Special Effects) هي التقنيات التي تستخدم من قبل صناع الأفلام كي يستطيعوا خلق وإظهار ما ليس حقيقياً، وما ليس له وجود فعلى في الواقع على إنه شيء حقيقي وموجود، ومن أجل هذا هم يستخدمون كل طريقة وحيلة متاحة أمامهم، مثلاً نحن نعرف أن الديناصورات لم تعد موجودة على ظهر الأرض في عصرنا، وإنها انقرضت منذ الاف السنين، أيضاً نعرف أن الإنسان لا يستطيع الطيران أو تسلق الحوائط بيديه العاريتين.وأن المريخ لم يُطأ بعد بقدم إنسان حتى الآن، وأن الكائنات الفضائية ليس لها وجود (أو لم نقابلها بعد)، وأن الإنسان الخارق الذي يستطيع أن يخترق جدارا صلبا أو لا تقتله الرشاشات أو القنابل ما زال حلما.

وأن وجود عوالم تحت الأرض أو تحت الماء أمر مستحيل، وعلى الرغم من هذا نشاهد كل هذه الخيالات الجامحة، بل وأكثر في عشرات من الأفلام التي نراها كل يوم في صالات السينما، فكيف يستطيع صناع الأفلام أن يظهروا كل ذلك على الشاشة؟، وكيف يستطيعون تصوير هذه اللقطات وجعلها مقنعة لأبعد حد ممكن؟الميلاد الحقيقي لهذه المحاولات التقنية التي عادةً ما تعرف بالخدع، ترجع إلى الفرنسى جورج ميليس - وينطق أيضاً جورج ميليه، حيث يحكي ميليس عن أولى تجاربه في هذا المجال ويقول ان أولها قد حدث عن طريق الصدفة المحضة.

وإنه اكتشف ما يسمى ب«خدعة التوقف» بالحظ، عندما كان يصور مشهداً لشارع مزدحم بالسيارات والمارة في باريس، أثناء التصوير تعطلت الكاميرا عن العمل، قام المصور بإصلاحها واستأنفوا التصوير دون أن يغيروا من وضعية الكاميرا، بعد ذلك في غرفة المونتاج لاحظ ميليس شيئاً غريباً، السيارات كانت تتحول فجأة إلى حافلات كبيرة الحجم، النساء يتحولن إلى رجال، رجل يمشى جهة اليمين ثم فجأة يكون سائراً في الاتجاه المعاكس، هنا علم انه على أعتاب اكتشاف رائع جديد سمى وقتها ب«حيلة التوقف ـ Stop Trick».

وهي إحدى ألاعيب الكاميرا والمونتاج البصرية الشهيرة، وكانت تلك المحاولة الأولى في التاريخ لصنع خدعة ما على الشاشة، وهي المحاولة التي سجلت باسمه.

بعد خدعة التوقف أخذ ميليس يؤسس في فيلمه الروائي القصير (رحله إلى القمر) عام 1902، مجموعة من أقدم أساليب الإيهام التي تعتمد على خداع العين، بالطبع كانت هذه الأساليب غاية في البدائية، وساذجة للغاية في طريقة صنعها بمقاييسنا حالياً، لكنها وقتها كانت تمثل ثورة حقيقية وكان من يقومون بصنعها هم أول من يصدمهم التأثير.

واستمر ميليس طوال حياته في اكتشاف وتطوير العديد من أساليب الخدع والإيهام، وقام بصنع أكثر من 500 فيلم أسس فيهم كل ما نعرفه حالياً من خدع الكاميرا وخدع التلاعب بالخام السينمائي في مرحلة المونتاج.

ثم جاء العبقري الاخر جريفيث الذي قام بمحاولات من نوع آخر، ألا وهي تطوير وابتكار المعدات الخاصة بالتصوير، واكتشاف زوايا جديدة تماماً وأحجام جديدة غير تقليدية للقطات، وربما أيضاً تحريك الكاميرا من جمودها الذي استغرق قرابة العشرين عاماً منذ بداية السينما، وطور جريفيث كل أساليب السرد السينمائي ودفعها إلى حدودها القصوى، وبمساعدة مصوره المفضل «جي.دبليو. بيتزر» أخذ يبتكر أشياء تظهر لأول مرة مثل الفلاش باك، ولقطة عين الطائر، والمونتاج المتوازي، والـ ، وفي هذه الأثناء أيضاً أعترف جريفيث بتأثير جورج ميليس وقال عبارته الشهيرة: (إني أدين له بكل شيء أعرفه).

ومع دخول العشرينيات بدأت أشياء جديدة تحدث لم يعتدها الجمهور من قبل، حيث ظهرت خدع عديدة في بعض أفلام، وفتحت السينما ذراعيها على اتساعها للمؤثرات البصرية، ومن أوائل الأفلام التي ظهرت بها مجموعة من الخدع الجديدة كان فيلم ( الوصايا العشر) عام 1923 للمخرج سيسيل دي ميل، في الفيلم كان هناك مشهد لشق البحر الأحمر إلى نصفين بواسطة عصا النبي موسى.

وكان المشهد تحدياً حقيقياً، ولتنفيذ المشهد قام المخرج (سيسيل دي ميل) بجلب مكعبين كبيرين من الجيلاتين الأزرق ووضعهما جنباً إلى جنب مع وجود ممر ضيق بينهما، وقام بتسخين قطعتي الجيلاتين تدريجياً إلى أن ذابا تماماً واختلطا ببعض وقام بتصويرهما، ثم عرض الصورة بعد ذلك بشكل عكسي فظهر المشهد وكأن البحر يرتفع من تلقاء نفسه ليكون جبلين عظيمين من الماء المتجمد.

وبعد ذلك خرجت مجموعة من الأفلام ذات جنسيات مختلفة، وأخذ مخرج كل فيلم منهم يجرب حظه في فرع من فروع المؤثرات الخاصة، مثلاً في الفيلم الألماني الملحمي «موت سيغفريد» ظهرت أول دمية بالحجم الطبيعي على الشاشة، وكانت تنيناً بطول 60 قدما صنع بالكامل، شارك التنين في معركة ضارية مع البطل الأسطوري «سيغفريد».

والتي استطاع فيها البطل أن يذبحه ثم قام بالسباحة في دمه، الفيلم كان من إخراج العبقري «فريتز لانج» الذي قدم بعد ذلك مجموعة كبيرة من الخدع والمؤثرات البصرية في أعماله التي أخذت صبغة الخيال العلمي، ثم جاء فيلم «لص بغداد» الذي اعتمد على كثير من تقنيات الخدع السينمائية، منها استخدام الأسلاك لأول مرة وربطها بممثل أو بشيء ما لإظهار الشيء وكأنه يطير، بالطبع هذه كانت السجادة المسحورة التي ظهرت ضمن الأحداث، بالإضافة إلى هذا تم تصوير داخل خزانات ماء كبيرة للغاية وعلى عمق 54 قدما لصنع مؤثرات تتابعات الغرق في البحر.

كل هذا كان شيقاً للغاية، وأصاب الجمهور بصدمة تلو الأخرى جعلتهم يتركون أفواههم شاغرة على اتساعها تعجباً من قدرات الوسيط السينمائي الساحرة لخلق كل هذه الإيهامات بأكبر قدر من الواقعية على الشاشة.

ومع انتهاء عصر الأبيض والأسود الإجباري وبدخول الألوان إلى السينما، تم فتح المجال لاستخدام تقنيات جديدة وثوريه تماماً ساعدت في دفع الصناعة إلى الإمام خطوات عديدة، حيث ظهرت تقنيات مثل خلفيات الكروما الزرقاء والخضراء، وبخار الصوديوم المتطاير، والتحريك ثلاثي الأبعاد، واستخدام خدع الجرفيك والكمبيوتر وغيرها.

ومن الأسماء المعروفة في هذا المجال بول ديبفيك الذي لم يتجاوز الأربعينات من عمره، إلا أن العاملين في صناعة المؤثرات البصرية في هوليوود يوصفونه بالأسطورة عند الحديث عنه.

ويرجع ذلك إلى أن الأبحاث التي أجراها في جامعة جنوب كاليفورنيا، ولعبت دورا في أكثر المؤثرات السينمائية البصرية إبهارا خلال السنوات ال15 الأخيرة.

والمؤثرات التي نتحدث عنها في هذا الصدد هي مؤثرات كاميرا الوقت البطيء في فيلم «ذا ميتركس `The Matrix»، حيث تتحرك الكاميرا وتتابع بسرعة عالية شخصيات وأشياء تتحرك حركة بطيئة، وقد تم استخدام هذه التقنية بادئ الأمر لجعل الممثل كينو ريفز في الفيلم يتحرك بسرعة تفوق سرعة الرصاص، بهدف توظيفها في مرحلة لاحقة في عدد كبير من الإعلانات التجارية للسيارات، وباتت هذه التقنية علامة فارقة في إنتاج المؤثرات البصرية.

وبعد ذلك بخمس سنوات، أصبحت تقنية «التتابع الزمني للرصاص» أيقونة سينمائية تماما، مثلما جاءت خدع الجرفيك والكمبيوتر لتوفر الوقت والجهد والمال على مخرجي الأفلام لتشييد مواقع تصوير تحوي تفاصيل كثيرة، كما باتت عمليات تصميم المؤثرات الرقمية تنطوي على قدر كبير من التفاصيل: تنظيف الصور ونزع العلامات اللاصقة من على الملابس أو الخيوط السلكية من رجال الحيل السينمائية وحذف طائرات أو حتى مبانٍ بأكملها من الخلفية، وكذلك توليد المؤثرات البصرية للدم رقميا.

وخلاصة الأمر تكمن في القدرة على تنفيذ المؤثرات البصرية ومعالجتها وإرسالها من قسم المؤثرات الخاصة في نيوزيلندا إلى مكتب المونتاج في لوس أنجلوس في الوقت المطلوب، فعمليات توليد وإرسال المؤثرات الخاصة أصبحت عالمية الطابع بامتياز، إذ يشارك فيها أناس وشركات من أميركا إلى كندا وأستراليا وآسيا.

وما من شك أن العمل في هذا المجال يحمل معه قدرا كبيرا من المتعة والإثارة، وأن كل هذا التطور تقنياً وبشرياً قد ساعد المؤلفين وكتاب السيناريو وتقنيي وخبراء الصوت والصورة والمنتجين والمخرجين بدرجة رئيسة، في إدخال وإضافة عدد من المؤثرات والخدع الصوتية في الحوار والتأليف والتناغم الموسيقي، وكذا المؤثرات الصورية للطبيعة الساحرة الخلابة وفنون وتقنيات الماكياج البالغة التأثير، والدمى والأجسام والأشكال والمجسمات ونماذج المباني التصميمية المصطنعة من الواقع والخيال الإبداعي، بالإضافة إلى أشكال وألوان من المتفجرات وأفلام الحركة «الأكشن» السريعة والمتناغمة.

كما وساعد تطور ثورة التقنية والمعلومات ومن خلال استخدام الكمبيوتر وبرامجه التخصصية والمتنوعة للسينما والتلفزيون، في ظهور أفلام جديدة للأجسام المتحركة والعملاقة الخيالية والعلمية، وأخذت الأعمال بذلك شكلاً جديداً وإضافة ساحرة لصناعة الفن السابع وتطورها، ومنها فيلم «معهد جوته جو : صعود كوبرا ـ GI Joe: Rise of Cobra»، والذي نتعرض له في الصفحات التالية وهو تطبيق مثالي وجذاب لما وصلت إلية التقنية في صناعة السينما.

دبي - أسامة عسل

Email