كثيراً ما يقترن الجمال والهدوء بالطبيعة من حولنا، لذا أعاد الإنسان تشكيل مفردات من الطبيعة ليدخلها في البيوت والحدائق والأماكن العامة، وكانت نوافير الماء شكلاً مهماً من الأشكال الجمالية التي دخلت عالم الفن لتظهر بأشكال وصور مدهشة؛ فمنها ما شكل معالم سياحية مهمة في بلدان العالم كنافورة جنيف ونافورة دبي ونافورة لاس فيغاس، ومنها ما اتخذ مكانه في حدائق البيوت وبركها الصغير أو تسلل إلى زوايا المنزل ليضيف لمسة شاعرية مميزة على المكان. «الحواس الخمس» أصغى لخرير الماء وأبصر هذا الجمال، وحاور تصاميم النوافير التي تباينت من عصر إلى آخر.

ينسب اختراع النافورة إلى هيرون الأسكندري الذي عاش في القرن الثاني قبل الميلاد، لكن النافورة صناعة فنية قديمة عرفتها الحضارات العالمية بطرق مختلفة، فقد بنيت جنائن بابل المعلقة على فكرة ضخ المياه إلى المرتفعات، بينما عرفت القنوات المائية في مصر القديمة، وعرف الرومانيون النوافير فاستخدموها لتزيين مداخل القصور والحدائق معتمدين أشكالاً فنية مميزة مثل فن النحت، وارتبطت النوافير الفنية بالفنون العالمية المختلفة فأخذت الطابع الخاص بكل حضارة، لذا نجد نماذج جمالية مدهشة للنوافير في مختلف أنحاء العالم مثل نافورة حديقة قصر جولستان في طهران، ونوافير مدينة لاهور الباكستانية التي تصل إلى 400 نافورة، ونافورة قصر الحمراء في غرناطة، ونافورة تريفي في إيطاليا التي تعد أكبر نافورة من عصر الباروك، وغيرها من النوافير التي ارتبطت بعصور معينة عبرت عن توجهاتها الفنية بشكل صريح.

ومع تطور مفردات الديكور الداخلي دخلت نافورة الماء الصغيرة إلى زوايا المنازل أو المكاتب، حيث صارت جزءاً من جماليات المكان، وأصبح لها أسس كثيرة منها ما هو جمالي بحت كالمستوى الفني لصناعة النافورة، ومنها ما يخص مساحات المكان والنقل، إذ يجب أن تتوافر فيها المرونة أي سهولة نقلها داخل المنزل، وألا تكون صعبة التركيب. وكذلك لا تحتل مساحة كبيرة من المكان فتؤثر في جماليات الديكور من حولها، وتعطي شعوراً بالضيق بدلاً من الهدوء والراحة، لأن النافورة الكبيرة قد تكون مناسبة للحدائق المنزلية، وليس للمساحات الداخلية، وإذا كانت النافورة الداخلية تتميز بالمتانة وخفة الوزن وجودة الصناعة وجمالها يمكن أن تكون مناسبة لأية زاوية من زوايا المنزل مثل غرف الضيوف أو المكتب وحتى غرف النوم. وقد أصبحت النوافير الداخلية منتشرة بشكل واسع ما جعل منها تجارة واسعة النطاق، فكانت محرضاً للشركات والفنانين على تقديم تصاميم مدهشة جعلت وجود النافورة يعطي أناقة مميزة للمكان، فيمكن أن نجدها تأتي بشكل لوحات جدارية تختصر المساحات وتزين الجدران في مشهد جمالي ينسجم وأناقة الديكور الداخلي، ومنها ما يمثل تصاميم لتماثيل أو مجسمات أو أفكار تنسجم مع طبيعة الديكور الداخلي سواء أكان كلاسيكياً أو حديثاً.

وللإضاءة حضور في تصميم النافورة الداخلية، إذ نجد كثيراً من النوافير المضيئة التي جمعت الحسن من أطرافه، مستفيدة من منظر الماء وصوته المنعش، ومتألقة بالإضاءة الجميلة التي تكون في الغالب ملونة وهادئة ورائقة، وتكتمل جماليات هذا النوع من النوافير حين تكون متقنة الصنع وتقترب من البساطة ولا يكتظ تصميمها بالتفاصيل التي تفقدها رقيها. وتأخذ نوافير الحدائق المنزلية منحى آخر، إذ تتميز بقربها من أشكال الطبيعة وموادها، وهي تؤدي غرضاً جمالياً مفيداً، إذ إن حركة الماء تلطف الجو وتضفي على الحديقة لمسة ربيعية تبعث على الاسترخاء، حيث يمتلك مصممو الحدائق حرية واسعة في أشكال النوافير وأماكنها، إذ يمكن أن تكون عند مدخل الحديقة، أو وسطها، أو تأخذ جانباً مكملاً لبركة الماء إن كانت موجودة، ويشترط فيها مقاومتها للعوامل الجوية المتغيرة ما يعني جودة صناعتها، واستخدام مواد معينة غير قابلة للصدأ أو التآكل بسبب الحرارة أو الرطوبة أو أشعة الشمس، ويمكن أن نجد أن النوافير تمثل زينة حقيقية للحدائق الأمامية أو حدائق الفناء الخلفي.

راحة واسترخاء

النافورة شكل جمالي متعدد الجوانب، فهي تجمع جمال المظهر الذي يتشكل من حركة الماء وتصميم النافورة، إضافة إلى صوتها الذي يضفي شعوراً بالراحة والاسترخاء.

أشكال متنوعة

تتوافر نوافير الحدائق بأشكال كثيرة ومتنوعة؛ فمنها ما يأتي على شكل التماثيل أو الجرار، ومنها ما يأخذ شكل الأشجار، أو الأحواض الصغيرة المزينة بالصخور.

ثقافة فنية

تميزت النوافير المغربية بتصاميمها الخاصة وزخرفتها المصنوعة من السيراميك الملون، فعكست ثقافة فنية خاصة عرفتها بيوت المغرب، وحددت هويتها الفنية بكثير من الجمال والأناقة.

دبي - دلال جويد